مخاض المعرفة في تتمة دعاء عرفة (16)

مخاض المعرفة في تتمة دعاء عرفة (16)

الاقتباس عند ابن عطاء الله السكندري   

إن من الأمور الحسنة في الكلام عن وضع التتمة هو أنها لم تنسب إلى التصوف فحسب ، وإنما نُسبت إلى ابن عطاء الله السكندري (ت:709هـ) وهذا مما يقتصر علينا الطريق في التحري عن كتب ابن عطاء لنرى هل يمكنه الإتيان بالتتمة أم لا ، لاسيما وأن الكثير من كتبه وصلت إلينا وهي في متناول اليد ، وهذه أيضا حسنة أخرى إذ لو لم تصل إلينا لصعب علينا التبين من خلال كتبه وبقى أمره بمنزلة اللغز المجهول قدره وقيمته.

وعند الرجوع لكتب ابن عطاء نجد لديه اقتباسات وتصرف في الأخبار ونسبتها إلى نفسه من غير الإشارة إلى ذكر المصدر فلا يستكثر عليه اقتضابه لتتمة الدعاء.وحتى لا يكون الكلام مجرد دعاوى وإطلاق الكلام من غير بينة ولا دليل أذكرُ بعض الأمثلة على ذلك :

إن ابن عطاء الله السكندري جزَّأ المقولة المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام : (ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه) إلى ثلاثة أجزاء ــ وإن كانت النسبة لأمير المؤمنين غير صحيحة([1]) ــ  بحسب ما راق له نظره ومده به وهمه حيث يقول : (من نظر إلى وجود الحق بعين القدم ونظر إلى ما سواه بعين الحدوث والعدم ، فقد شاهد أزليته . وقال : ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّه قبله . ومن نظر إليه بعين البقاء ، ولخلقه بعين الفناء ، فقد شاهد سرّ أزليته . وقال : ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّه بعده. ومن نظر إليه بعين العلم والقدرة وللخلق بعين الجهل والعجز وقصور المنّة . فقد شاهد فعله وإحاطته . وقال : ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّه معه)([2]).

وهذا عين ما فعله ابن عطاء في تتمة دعاء عرفة حيث جزَّأ التتمة في (الحكم العطائية) إلى عدة فقرات وجعلها في (34) فقرة .

وابن عطاء لديه دعاء أنشأه وفق ما جاء في الأحاديث القدسية وهذا نص مطلعه : (أيها العبد ألق سمعك وأنت شهيد يأتك منى المزيد واصغ بسمعك فأنا لست عنك ببعيد كنت بتدبيرى لك قبل أن تكون لنفسك فكن لنفسك بأن لا تكون لها وتوليت رعايتها قبل ظهورك وأنا الآن على الرعاية لها . أنا المنفرد بالخلق والتصوير وأنا المنفرد بالحكم والتدبير لم تشاركني في خلقي وتصويرى فلا تشاركني في حكمتى وحكمي وتدبيري أنا المدبر لملكى وليس لي فيه ظهير ، وأنا المنفرد بحكمي فلا أحتاج إلى وزير..)([3]).

وبعد أن كان من شأنه تقطيع الكلمات المنسوبة لأمير المؤمنين ونسبتها إليه من غير الإشارة لمصدرها وإذا كان من شأنه إنشاء الدعاء وفق الأحاديث القدسية لا يستكثر عليه الاقتباس من دعاء عرفة ، ولربما نسب التتمة لمصدرها وحذفوا المصدر عمدا أو سهوا، أو لربما ذكرها من باب الدعاء فتوهموا من إنشائه ونسبوها له.

وإذا كان ابن عطاء لديه هذه القدرة على إنشاء التتمة لِمَ لمْ يكن لها نظير في كتبه ، وإذا ما كانت على مذاق الصوفية ولهم القدرة على إنشاء أمثالها لا أدري لِمَ لمْ تصل إلينا ولم نجد لها ذكراً وخبراً في تراث التصوف بأجمعه.

[1] ) لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وآله ولا عن أحد الأئمة عليهم السلام في المصادر الشيعية ولا في مصادر العامة ، وإنما نسبه يحيى بن معاذ الرازي (ت:258هـ) لبعض العارفين كما ذكر : (قال بعضهم : لا أرى شيئا إلا رأيت الله قبله) جواهر التصوف،ص219.

والكلاباذي (ت: 380هـ) نسبه لمحمد بن واسع. التعرف لمذهب أهل التصوف،ص٦٤.

ونُسب هذا القول إلى الحلاج في ديوانه. ديوان الحلاج،ص39.

والهجويري (ت: 465 ه‍ـ) نسبه لمحمد بن واسع. كشف المحجوب،ص120.

وابن عربي (ت:638هـ) نسبه لأبي بكر حيث يقول : (مقام الصديق في قوله ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله وذلك لما ذكرناه من شهوده صدور الأشياء عن الله بالتكوين فهو في شهود دائم والتكوينات تحدث فما من شيء حادث يحدث عن الله إلا والله مشهود له قبل ذلك الحادث وما نبه أحد فيما وصل إلينا على هذا الوجه وما يتكون منه في قلب المعتكف على شهوده إلا أبو بكر الصديق). الفتوحات المكية،ج3،ص559.

وبعد ذلك يتضح لك أن الشروحات والتفسيرات التي جاءت على هذه المقولة لا قيمة لها ولا موجب لصرف الوقت في معرفة معناها وشرحها.

[2] ) المقصد المجرد،ص12.

[3] ) تاج العروس،ص42.

Comments (0)
Add Comment