(37) س : هل توجد للصوفية شريعة خاصة يأخذون منها أمور الدين ؟

(37) س : هل توجد للصوفية شريعة خاصة يأخذون منها أمور الدين ؟

ج : إن الصوفية يأخذون ما يتعلق بأمور الدين من خلال المكاشفات ولنا أن نسميها بشريعة المكاشفات حيث يعدونها من مصادر الدين مضافا إلى الكتاب والسنة ، بل تجد فيهم من يقلل من شأنهما إزاء المكاشفات كما يأتي عند التعرض لكلماتهم التي تبين استقاءهم معارف الدين كما يزعمون من خلال المكاشفات.

وهذه بعض كلماتهم التي تدل على أخذهم عن الله تعالى مباشرة كما يدعون من خلال المكاشفات التي صرح بها أكابر رموزهم :

يقول أبو يزيد البسطامي في ذم أخذ الحديث من خلال الرواة والأخذ من خلال المكاشفات : (أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت)([1]).  

ونقل ابن الجوزي : قد أنشدوا للشبلي :

إذا طالبوني بعلم الورق * برزت عليهم بعلم الخرق([2]).

ويقول عبد القادر الجيلاني لأحد طلبة العلم : (يا جاهل اترك الدفتر من يدك وتعال اقعد ههنا بين يدي على رأسك . العلم يؤخذ من أفواه الرجال لا من الدفاتر ، يؤخذ من الحال لا من المقال ، يؤخذ من الفانين عنهم وعن الخلق الباقين بالحق عز وجل)([3]).

ويقول أبو حامد الغزالي : (في الأولياء من يكاد يشرق نوره حتى يكاد يستغني عن مدد الأنبياء)([4]).

ويرى الغزالي أن النبي صلى الله عليه وآله مكاشف بحقائق الأمور ويمكن لغيره أن يُكشف له ويكون ما كوشف به من مصادر المعرفة لديه  (إخبار رسول الله ص عن الغيب وأمور في المستقبل ، كما اشتمل عليه القرآن . وإذا جاز ذلك للنبي ص جاز لغيره إذ النبي عبارة عن شخص كوشف بحقائق الأمور ، وشغل بإصلاح الخلق ، فلا يستحيل أن يكون في الوجود شخص مكاشف بالحقائق ، ولا يشتغل بإصلاح الخلق . وهذا لا يسمى نبيا ، بل يسمى وليا ، فمن آمن بالأنبياء ، وصدق بالرؤيا الصحيحة ، لزمه لا محالة أن يقر بأن القلب له بابان ، باب إلى خارج وهو الحواس . وباب إلى الملكوت من داخل القلب ، وهو باب الإلهام والنفث في الروع والوحي فإذا أقر بهما جميعا لم يمكنه أن يحصر العلوم في التعلم ومباشرة الأسباب المألوفة ، بل يجوز أن تكون المجاهدة سبيلا إليه . فهذا ما ينبه على حقيقة ما ذكرناه ، من عجيب تردد القلب بين عالم الشهادة وعالم الملكوت . وأما السبب في انكشاف الأمر في المنام بالمثال المحوج إلى التعبير ، وكذلك تمثل الملائكة للأنبياء والأولياء بصور مختلفة ، فذلك أيضا من أسرار عجائب القلب ، ولا يليق ذلك إلا بعلم المكاشفة)([5]).

وقال إبراهيم بن أحمد الطبري : سمعت الخلدي يقول : مضيت إلى عباس الدوري وأنا حدث ، فكتبت عنه مجلسا ، وخرجت فلقيني بعض الصوفية فقال : أيش هذا ؟ فأريته ، فقال : ويحك ، تدع علم الخرق وتأخذ علم الورق !  ثم خرّق الأوراق . فدخل كلامه في قلبي فلم أعد إلى عباس([6]).

يقول ابن عربي في الكشف : (نحن ما نعتمد في كل ما نذكره إلا على ما يلقي الله عندنا من ذلك لا على ما تحتمله الألفاظ من الوجوه)([7]).

ويقول أيضا : (شتان بين مؤلف يقول حدثني فلان رحمه الله عن فلان رحمه الله وبين من يقول حدثني قلبي عن ربي وإن كان هذا رفيع القدر فشتان بينه وبين من يقول حدثني ربي عن ربي أي حدثني ربي عن نفسه)([8]).

ونقل عبد الوهاب الشعراني (ت:973هـ) عن شيخه الخواص أنه قال : (لا يسمى عالما عندنا إلا من كان علمه غير مستفاد من نقل أو صدر بأن يكون خضري المقام)([9]).

ويقول الشعراني : (اعلم يا أخي وفقنا اللّه وإياك أن الرجل لا يكمل عندنا في مقام العلم حتى يكون علمه عن اللّه عز وجل بلا واسطة من نقل أو شيخ فإن من كان علمه مستفادا من نقل أو شيخ فما برح عن الأخذ عن المحدثات وذلك معلول عند أهل اللّه عز وجل ومن قطع عمره في معرفة المحدثات وتفاصيلها فاته حظه من ربه عز وجل ، لأن العلوم المتعلقة بالمحدثات يفنى الرجل عمره فيها ولا يبلغ إلى حقيقتها . ولو أنك يا أخي سلكت على يد شيخ من أهل اللّه عز وجل لأوصلك إلى حضرة شهود الحق تعالى فتأخذ عنه العلم بالأمور من طريق الإلهام الصحيح من غير تعب ولا نصب ولا سهر كما أخذه الخضر عليه السلام فلا علم إلا ما كان عن كشف وشهود لا عن نظر وفكر وظن وتخمين ، وكان الشيخ الكامل أبو يزيد البسطامي يقول لعلماء عصره أخذتم علمكم من علماء الرسوم ميتا عن ميت ، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت)([10]).

والقوم يرون في المكاشفات علما مستقلا ولا تحتاج إلى دليل وميزان ودونك ابن عربي وهو يقر بذلك في طي كلامه عن كتاب الفتوحات المكية : (ليس من علوم الفكر هذا الكتاب وإنما هو من علوم التلقي والتدلي فلا يحتاج فيه إلى ميزان آخر)([11]).

وخلاصة ذلك أن عرفاء الصوفية يعتمدون طريق الكشف في معارفهم ويعدونه أفضل طريق في معرفة حقائق الدين بل يؤولون الأخبار لكي تتلائم مع كشفهم أو حتى لا تتعارض معه.

ومما يلاحظ على طريق الكشف الذي ادعوه هو أن عرفاء الصوفية سواء كانوا من الشيعة أم العامة لم يتقيدوا بطريق الحق المتمثل بأهل البيت عليهم السلام ولهذا هم أدنى من أن يعرفوا حقائق الدين والوجود من خلال الكشف الذي تمسكوا به .وما يدعونه لم يخل عن كونه من الأوهام والخواطر التي يعدونها من الواردات القلبية والمكاشفات الرحمانية كما يزعمون ، أو أنه من وساوس إبليس والمكاشفات الشيطانية كما كان يتراءى الشيطان لأبي الخطاب والحسن البصري ويونس بن ظبيان وبنانا والسري وبزيعا.

ومكاشفات القوم نظير الكرامات المزعومة لهم ولم تكن أقل كذبا وادعاء فيما يحسبونه من الحقائق التي لا واقع لها.

ومن غرائب مكاشفات القوم هو أنهم يصححون الأحاديث الموضوعة التي لم ترد في مصادر الحديث ويضعفون الصحيح منهم بناءً على الكشف.ورد الأخبار الصحيحة من خلال الكشف مما يندرج تحت رد الحديث الذي وردت فيه أحاديث كثيرة تحذر من رد الحديث من غير بينة ، ولا قيمة للكشف الذي يدعونه. 

وقد يُقال روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله : (من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم)([12]). وهذا يدل على صحة الكشف وأخذ معارف الدين من خلاله.

والجواب هو أن الخبر مجمل ولا دلالة فيه على خصوص الكشف فقد يكون تعليم الله عز وجل من خلال توفيقه لطلب العلم ، أو للاطلاع على ما لم يكن يعلم من أمور الدين التي جاءت في القرآن الكريم والحديث الشريف.أو زيادة الإيمان واليقين والبصيرة عند الشبهات ونحو ذلك من سبل العلم والهداية  . ومما يجدر الالتفات إليه هنا هو أن عرفاء الصوفية أدنى من أن يعرفوا حقائق الدين والوجود من خلال الكشف كما تم التنويه لذلك آنفاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) سر الأسرار لعبد القادر الجيلاني،ص495.الفتوحات المكية،ج1،ص31

[2] ) صيد الخاطر،ص106.

[3] ) الفتح الرباني،ص214.

[4] ) مجموعة رسائل الغالي،ص287.

[5] ) إحياء علوم الدين،ج8،ص45.

[6] ) تاريخ الإسلام،ج25،ص397.

[7] ) الفتوحات المكية،ج1،ص136.

[8] ) الفتوحات المكية،ج1،ص57.

[9] ) الطبقات الكبرى،ج2،ص269.

[10] ) الطبقات الكبرى،ج1،ص14.

[11] ) الفتوحات المكية،ج1،ص171.

[12] ) الفصول المختارة،ص107.

Comments (0)
Add Comment