هل تقسيم الصفات إلى ذاتية وفعلية ورد في الأحاديث؟

هل تقسيم الصفات إلى ذاتية وفعلية ورد في الأحاديث؟

ج : إن الصفة إذا كانت لله U من غير إمكان الاتصاف بنقيضها فهي من الصفات الذاتية كالعلم والقدرة ؛ إذ لا يمكن نعت الله بعدم العلم والقدرة ونحوهما من الصفات الذاتية . وإذا كانت الصفة منتزعة من الفعل كالخالق والرازق فهي من صفات الأفعال ، وأوصاف الأفعال يتصف الله تعالى بها ويمكن أن يتصف بنقيضها مثل الخلق لشيء وعدمه والرزق لشيء وعدمه . وهذا المائز ورد في الأخبار فقد روي عن الإمام الصادق  عليه السلام قال : قلت : لم يزل الله مريدا ؟ قال : إن المريد لا يكون إلا لمراد معه ، لم يزل (الله) عالما قادرا ثم أراد([1]).

فالخبر جعل إمكان اتصاف الله عز وجل بالإرادة التي هي من صفات الفعل وعدم اتصافه بها ثم أراد ، وجعل العلم والقدرة اللذين هما من الصفات الذاتية ملازمان للذات من غير إمكان الاتصاف بعدهما . 

وعن أبان بن عثمان الأحمر  قال : قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام : أخبرني عن الله تبارك وتعالى لم يزل سميعا بصيرا عليما قادرا ؟ قال : نعم، فقلت له : إن رجلا ينتحل موالاتكم أهل البيت يقول : إن الله تبارك وتعالى لم يزل سميعا بسمع وبصيرا ببصر وعليما بعلم وقادرا بقدرة([2]) ، فغضب عليه السلام، ثم قال : من قال ذلك ودان به فهو مشرك وليس من ولايتنا على شيء، إن الله تبارك وتعالى ذات علامة سميعة بصيرة قادرة([3]).

وموضع الشاهد هو أن الخبر جعل السمع والبصر والعلم التي هي من الصفات الذاتية ملازمة للذات من غير إمكان الاتصاف بعدمها .

عن الحسين بن الخالد قال : سمعت الرضا علي بن موسى عليهما السلام  ، يقول : لم يزل الله تبارك وتعالى عليما قادرا حيا قديما سميعا بصيرا ، فقلت له : يا بن رسول الله إن قوما يقولون : إنه عز وجل لم يزل عالما بعلم ، وقادرا بقدرة ، وحيا بحياة ، وقديما بقدم ، وسميعا بسمع ، وبصيرا ببصر فقال عليه السلام : من قال ذلك ودان به فقد اتخذ مع الله آلهة أخرى ، وليس من ولايتنا على شيء ، ثم قال عليه السلام : لم يزل الله عز وجل عليما قادر حيا قديما سميعا بصيرا لذاته ، تعالى عما يقول المشركون والمشبهون علوا كبيرا([4]).

ووجه الاستشهاد بهذا الخبر كسابقه حيث جعل الصفات الذاتية ملازمة لله عز وجل من غير إمكان سلبها والاتصاف بعدمها .

وقد سار على هذا المنهج في التفريق علماء أتباع أهل البيت عليهم السلام :

يقول الشيخ الكليني  : (إن كل شيئين وصفت الله بهما وكانا جميعا في الوجود فذلك صفة فعل ، وتفسير هذه الجملة : أنك تثبت في الوجود ما يريد وما لا يريد وما يرضاه وما يسخطه وما يحب وما يبغض فلو كانت الإرادة من صفات الذات مثل العلم والقدرة كان ما لا يريد ناقضا لتلك الصفة ولو كان ما يحب من صفات الذات كان ما يبغض ناقضا لتلك الصفة ألا ترى أنّا لا نجد في الوجود ما لا يعلم وما لا يقدر عليه وكذلك صفات ذاته الأزلي لسنا نصفه بقدرة وعجز وعلم وجهل وسفه وحكمة وخطأ وعز وذلة ويجوز أن يقال : يحب من أطاعه ويبغض من عصاه ويوالي من أطاعه ويعادي من عصاه وأنه يرضى ويسخط ويقال في الدعاء : اللهم ارض عني ولا تسخط علي وتولني ولا تعادني ولا يجوز أن يقال : يقدر أن يعلم ولا يقدر أن لا يعلم ويقدر أن يملك ولا يقدر أن لا يملك ويقدر أن يكون عزيزا حكيما ولا يقدر أن لا يكون عزيزا حكيما ويقدر أن يكون جوادا ولا يقدر أن لا يكون جوادا ويقدر أن يكون غفورا ولا يقدر أن لا يكون غفورا ولا يجوز أيضا أن يقال : أراد أن يكون ربا وقديما وعزيزا وحكيما ومالكا وعالما وقادرا لأن هذه من صفات الذات والإرادة من صفات الفعل ، ألا ترى أنه يقال : أراد هذا ولم يرد هذا وصفات الذات تنفى عنه بكل صفة منها ضدها،يقال : حي وعالم وسميع وبصير وعزيز وحكيم ، غني ، ملك ، حليم عدل ، كريم فالعلم ضده الجهل والقدرة ضدها العجز والحياة ضدها الموت والعزة ضدها الذلة والحكمة ضدها الخطاء وضد الحلم العجلة والجهل وضد العدل الجور والظلم)([5]).

وعقب العلامة المجلسي على كلام الشيخ الكليني رحمهما الله : (هذا التحقيق للمصنف رحمه الله وليس من تتمة الخبر وغرضه الفرق بين صفات الذات وصفات الفعل ، وأبان ذلك بوجوه : الأول : أن كل صفة وجودية لها مقابل وجودي فهي من صفات الأفعال لا من صفات الذات ، لأن صفاته الذاتية كلها عين ذاته([6]) ، وذاته مما لا ضد له ، ثم بين ذلك في ضمن الأمثلة وأن اتصافه سبحانه بصفتين متقابلتين ذاتيتين محال . والثاني : ما أشار إليه بقوله: ولا يجوز أن يقال يقدر أن يعلم . والحاصل : أن القدرة صفة ذاتية تتعلق بالممكنات لا غير، فلا تتعلق بالواجب ولا بالممتنع ، فكل ما هو صفة الذات فهو أزلي غير مقدور، وكلما هو صفة الفعل فهو ممكن مقدور ، وبهذا يعرف الفرق بين الصفتين ، وقوله : ولا يقدر أن لا يعلم ، الظاهر أن لا لتأكيد النفي السابق ، أي لا يجوز أن يقال يقدر أن لا يعلم ، ويمكن أن يكون من مقول القول الذي لا يجوز ، وتوجيهه : أن القدرة لا ينسب إلا إلى الفعل نفيا أو إثباتا ، فيقال : يقدر أن يفعل أو يقدر أن لا يفعل ، ولا ينسب إلى ما لا يعتبر الفعل فيه لا إثباتا ولا نفيا ، فما يكون من صفات الذات التي لا شائبة للفعل فيها كالعلم والقدرة وغيرهما لا يجوز أن ينسب إليها القدرة، فإن القدرة إنما يصح استعمالها مع الفعل والترك ، فلا يقال يقدر أن يعلم ولا يقال ولا يقدر أن لا يعلم ، لأن العلم لا شائبة فيه من الفعل .أقول : ويحتمل أن يكون الواو للحال، والحاصل : أن من لا يقدر أن لا يعلم كيف يصح أن يقال له يقدر أن يعلم ، إذ نسبة القدرة إلى طرفي الممكن على السواء وأما الجود والغفران فيحتمل أن يكونا على سياق ما تقدم بأن يكون المراد بالجواد ذات يليق به الجود ، وبالغفور من هو في ذاته بحيث يتجاوز عن المؤاخذة لمن يشاء ، فمرجعه إلى خيريته وكماله وقدرته ، لا فعل الجود والمغفرة حتى يكونا من صفات الفعل ، ويحتمل أن يكونا مقطوعين عن السابق ، لبيان كون الجود وفعل المغفرة مقدورين . الثالث : ما أشار إليه بقوله : ولا يجوز أن يقال أراد أن يكون ربا . والحاصل : أن الإرادة لما كانت فرع القدرة فما لا يكون مقدورا لا يكون مرادا ، وقد علمت أن الصفات الذاتية غير مقدورة فهي غير مرادة أيضا ، ولكونها غير مرادة وجه آخر وهو قوله : لأن هذه من صفات الذات ” إلخ ” ومعناه أن الإرادة لكونها من صفات الفعل فهي حادثة ، وهذه الصفات يعني الربوبية والقدم وأمثالهما لكونها من صفات الذات فهي قديمة ، ولا يؤثر الحادث في القديم فلا تعلق للإرادة بشيء منها ، وقوله : ألا ترى توضيح لكون الإرادة لا تتعلق بالقديم بأن إرادة شيء مع كراهة ضده والقديم لا ضد له كما قيل ، أو المعنى أن القديم واجب الوجود والإرادة متعلقة الحادث الممكن ، ثم رجع إلى أول الكلام لمزيد الإيضاح فقال :وصفات الذات إلى آخره([7]).

والشيخ الصدوق  ذكر نفس المائز في التفريق : (وليست الإرادة والمشية والرضا والغضب وما يشبه ذلك من صفات الأفعال بمثابة صفات الذات لأنه لا يجوز أن يقال لم يزل الله مريدا شائيا كما يجوز أن يقال لم يزل الله قادرا عالما)([8]).

وأيضا الشيخ المفيد  : (صفات الله تعالى على ضربين : أحدهما : منسوب إلى الذات ، فيقال : صفات الذات . وثانيهما  : منسوب إلى الأفعال ، فيقال: صفات الأفعال ، والمعنى في قولنا صفات الذات : أن الذات مستحقة لمعناها استحقاقا لازما لا لمعنى سواها، ومعنى صفات الأفعال : هو أنها تجب بوجود الفعل ولا تجب قبل وجوده ، فصفات الذات لله تعالى هي الوصف له بأنه حي، قادر ، عالم ألا ترى أنه لم يزل مستحقا لهذه الصفات ولا يزال . ووصفنا له تعالى بصفات الأفعال كقولنا خالق ، رازق ، محيي ، مميت ، مبدئ، معيد ، ألا ترى أنه قبل خلقه الخلق لا يصح وصفه بأنه خالق وقبل إحيائه الأموات لا يقال إنه محيي . وكذلك القول فيما عددناه ، والفرق بين صفات الأفعال وصفات الذات : أن صفات الذات لا يصح لصاحبها الوصف بأضدادها ولا خلوه منها ، وأوصاف الأفعال يصح الوصف لمستحقها بأضدادها وخروجه عنها ، ألا ترى أنه لا يصح  وصف الله  تعالى بأنه يموت ، ولا بأنه يعجز ، ولا بأنه يجهل ولا يصح الوصف له بالخروج عن كونه حيا عالما قادرا ، ويصح الوصف بأنه غير خالق اليوم ، ولا رازق لزيد ، ولا محيي لميت بعينه ، ولا مبدئ لشيء في هذه الحال ، ولا معيد له . ويصح الوصف له جل وعز  بأنه يرزق ويمنع ويحيي ويميت ويبدئ ويعيد ويوجد ويعدم ، فثبتت العبرة في أوصاف الذات وأوصاف الأفعال ، والفرق بينهما ما ذكرناه)([9]).

وكذلك السيد الخوئي  فرق بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية على نفس الضابطة في التمييز : (والفارق بين صفات الله الذاتية وصفاته الفعلية أن صفات الله الذاتية هي التي يستحيل أن يتصف سبحانه بنقيضها أبدا. إذا فهي التي لا يصح سلبها عنه في حال . ومثال ذلك : العلم والقدرة والحياة، فالله تبارك وتقدس لم يزل ولا يزال عالما قادرا حيا، ويستحيل أن لا يكون كذلك في حال من الأحوال . وأن صفاته الفعلية هي التي يمكن أن يتصف بها في حال وبنقيضها في حال آخر. ومثال ذلك : الخلق والرزق ، فيقال : إن الله خلق كذا ولم يخلق كذا ، ورزق فلانا ولدا ولم يرزقه مالا. وبهذا يظهر جليا أن التكلم إنما هو من الصفات الفعلية فإنه يقال : كلم الله موسى ولم يكلم فرعون، ويقال : كلم الله موسى في جبل طور ولم يكلمه في بحر النيل)([10]).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) أصول الكافي،ج1،ص109.

[2] ) الذي هو قول الأشاعرة.

[3]) التوحيد،ص144.

[4] ) التوحيد،ص140.

[5] ) أصول الكافي،ج1،ص111 .

[6] ) صفاته عين ذاته يراد به تارة نفي الصفات الزائدة على الذات لا المعنى المراد عند الفلاسفة . نظير ما روي في الأخبار من إثبات الصفات الذاتية لله عز وجل ونفي الصفات الزائدة على الذات.

[7] ) مرآة العقول،ج2،ص22.

[8] ) التوحيد،ص148.

[9] ) تصحيح اعتقادات الإمامية،ص41.

[10] ) البيان في تفسير القرآن،ص406.

Comments (0)
Add Comment