(60) س : هل يوجد فرق بين العرفان العملي والأخلاق؟

 

 (60) س : هل يوجد فرق بين العرفان العملي والأخلاق؟

ج : إن التفريق بين الأخلاق والعرفان العملي ناشئ من التسليم والإقرار بوجود العرفان الصوفي بكلا قسميه :

يقول الشيخ مرتضى مطهري وهو بصدد التفريق بينهما : (إن السير والسلوك العرفاني كما هو واضح من هاتين الكلمتين متحرك وحيوي، خلافاً للأخلاق فإنها ساكنة، فإن العرفان يتحدث عن نقطة انطلاق ومنازل ومراحل لا بد للسالك أن يطويها ليصل إلى غايته المنشودة، إذ يرى العارف أن هناك صراطاً حقيقياً لا يشوبه أي مجاز وعناية يتعين على الإنسان اجتياز جميع مراحله على التعاقب ويستحيل عليه بلوغ المرحلة الثانية قبل اجتياز المرحلة السابقة ، وبذلك يرى العارف أن الروح الإنسانية كالنبتة أو كالطفل الذي يتكامل وينمو بالتدريج في ضوء نظام مخصوص، في حين أن الأخلاق تتحدث حول مجموعة من الفضائل من قبيل الصدق والاستقامة والعدل والعفاف والإحسان والإنصاف والإيثار وغير ذلك مما يزين الروح ويزيدها جمالاً وألقاً، وبذلك ترى الأخلاق روح الإنسان بمنزلة البيت الذي ينبغي تزيينه وصبغه بالطلاء والدهان ورسمه بالحجارة والخشب، دون أن يكون للترتيب أي مدخلية في ذلك، فلا فرق بين أن تبدأ من بناء السقف ثم الجدران أو العكس أو أن تبدأ من نهاية البيت أو من واجهته. أما العرفان فيرى عكس ذلك، فإن العناصر الأخلاقية تعمل على نظام ديناميكي، فهو متحرك ونابض بالحياة.إن العناصر الروحية الأخلاقية محدودة بالمعاني والمفاهيم المعروفة غالباً، أما المناصر الروحية العرفانية فهي أكثر اتساعاً ففي السير والسلوك العرفاني يدور البحث حول مجموعة الأحوال. والمعاناة النفسية التي يكابدها (السالك ) أثناء سيره بين تلك المنازل.  دون أن يكون لسائر الناس علم بمعاناته)([1]).

وهذه التفريق أشبه بالفرضيات التي لا واقع لها لأن صرف السلوك العملي الصحيح في نظر الشرعي عن الأخلاق وجعله في حيز العرفان العملي لا يستند إلى نظر الشرع والعقل.

وجعل الأخلاق التي تتضمن العمل بالفضائل واجتناب الرذائل جامدة بخلاف العرفان حيوي وفيه معاناة وتحديات وموانع واضح البطلان ؛ لأن عمل الفضائل واجتناب الرذائل لم يكن بالأمر السهل الذي يخلو من التحديات والموانع ، ولم يخل من التكامل وتهذيب النفس .وهذه التكلفات ووضوح الخطأ فيها ناجمة عن افتراض التفريق بين الأخلاق والعرفان ولذا من المتوقع جدا أن تلحقه اشتباهات لم تستند إلى ركن وثيق. 

وملخص ذلك يكمن في أمرين :

 الأول : أن التفريق مبني على الإقرار بالعرفان الصوفي ، وهذا بحد ذاته أمر غير صحيح ويجعلك تضع عليه العديد من علامات التعجب.

الآخر : لم يستند التفريق على وجه شرعي ولا عقلي ، وإنما أشبه بالتكلف والتصورات التي لا موجب لها.

ولا يخفى أن التفريق بين الأخلاق والعرفان هو من الترغيب في الاتجاه العرفاني الصوفي وإن كان من غير قصد لأن جعله علماً مستقلاً يرمي إلى الترغيب والدعوة إليه بصورة غير مباشرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) العرفان ص14ـ15 .

Comments (0)
Add Comment