(67) س : هل قال عرفاء الشيعة إن كل عبادة وإن كانت للأوثان هي عبادة لله وما هو جذور هذا المعتقد؟
ج : صرح بعض عرفاء الشيعة أن كل عباد وإن كانت للأوثان أو الشهوات هي عبادة لله وإليك كلماتهم في ذلك :
يقول ملا صدرا : (إن جميع الناس يعبدون الله بوجه حتى عبدة الأصنام فإنهم يعبدونها لظنهم الإلهية فيها فهم أيضا يعبدون ما تصوروه إله العالم بالحق إلا أن كفرهم لأجل تصديقهم غير الله إنه هو الله فقد أصابوا في التصور وأخطئوا في التصديق . ولا فرق بينهم وبين كثير من الإسلاميين من هذا الوجه قال تعالى : وقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)([1]).
ويقول ملا صدرا : (عبدة الأصنام انما يعبدون أصنامهم لظنهم الألوهية فيها ، فهم أيضا يعبدون اللّه بوجه ، إلا أن كفرهم لأجل غلطهم في المصداق ، وإسنادهم التجسم والنقص إلى المعبود ، فلا فرق يعتد به بينهم وبين كثير من الإسلاميين . قال تعالى : وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)([2]).
يقول الفيض الكاشاني : (وظهر بما ذكرنا أيضا أن جميع الناس إنما يعبدون اللّه بوجه ، حتى عبدة الأصنام ، فإنهم يعبدونها لظنهم الإلهية فيها ، فهم أيضا يعبدون ما تصوّروه إله العالم بالحق ، إلا أن كفرهم لأجل تصديقهم غير اللّه أنه هو اللّه ، فقد أصابوا في التصور ، وأخطئوا في التصديق ، فلا فرق بينهم وبين كثير من الإسلاميين من هذا الوجه .ومن هنا قال اللّه جل جلاله : وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)([3]).
إن من الشيء الغريب جداً ـــ وإن كان في حق من يتبنى هذا الاتجاه لم يكن بالشيء الغريب ــ قول الملا والفيض أنه لم يكن بالفرق الذي يُعتد به ما بين عبادة المسلمين وعبادة الكفار!
يقول السيد الخميني : (فما يُبحث عنه ويجرى وراءه الجميع سواء في العلوم والفضائل والفواضل، أو في المعارف وأمثالها، أو في الشهوات والأهواء النفسانية، أو في التوجه إلى كل شيء وأي شخص من قبيل أصنام المعابد والمحبوبات الدنيوية الأخروية الظاهرية والخيالية المعنوية والشكلية، كحب النساء والبنين والقبيلة والقادة الدنيونيين كالسلاطين والأمراء وقادة الجيوش، أو القادة الأخرويين كالعلماء المفكّرين والعرفاء والأنبياء عليهم السلام كل ذلك هو ذات التوجّه إلى الواحد الكامل المطلق. فليس من حركة تقع إلا له تعالى، وفي سبيل الوصول إليه جل وعلا، وليس من قدم تخطو إلا نحو ذلك الكمال المطلق)([4]).
يقول السيد مصطفى الخميني : (ربما تدل الآية الكريمة الشريفة على أن العبادة لا تقع – بحسب التكوين وفي الأعيان والخارج – إلا لله تعالى ، وذلك إما لأجل أن الظاهر إرادة حصر العبادة فيه أينما تحققت ، فنعبده ولا نعبد غيره ، لا على وجه الاختيار ، بل سواء كان بالاختيار أو كان لا بالاختيار ، وسواء كان بحسب الظاهر معبوده غيره ، أو كان هو تعالى اسمه ، أو لأجل أن السالك كلما تميز شيئا للعبادة فهو غيره تعالى ، ومع ذلك تكون العبادة له تعالى ، فيعلم من ذلك أن جميع العبادات تقع له تعالى ، أي أن السالك يتصور حال الخطاب ما ليس هو هو ، ومع ذلك يعد فعله عبادته تعالى ، أو لأجل أن ضمير الجمع للاستيعاب ، أي إياك نعبد أنا وجميع العابدين ، فتكون الآية الشريفة دليلا على أنه تعالى كل الخيرات ، وأن بسيط الحقيقة كل الأشياء وإن كان ليس بشيء من حدودها الناقصة الراجعة إلى أنفسها ، وإلى ذلك يشير ما عن ابن عباس : أن القضاء في قوله تعالى : * ( وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه ) تكويني)([5]).
يقول الشيخ مرتضى مطهري : (أن العرفاء فسروا القضاء في قوله تعالى : [وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ] بالقضاء التكويني الذي لا يمكن المحيد عنه، ومعناه أن البشر لا يمكنه أن يعبد إلا الله)([6])
يقول الشيخ حسن زاده آملي في قوله تعالى : [وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ] : أي حكم وقدر في الأزل فلو لم يكن لله سبحانه في كل معبود وجها خاصا يعبد هذا المعبود لأجله لم يصح هذا الحصر ولا يطابق هذا الحكم الواقع فإنه قد يعبد آلهة متكثرة متعددة في الواقع([7]).
إن زاده فسَّر الآية بالقضاء التكويني ثم بنى على ذلك وقال : (فلو لم يكن لله سبحانه في كل معبود..إلى آخر قوله) وأصل المحذور الذي وقع فيه هو تفسيرها بالقضاء التكويني ، وعند تفسيرها بالقضاء التشريعي لا يتطلب الالتزام بهذه اللوازم التي شرع لها الصوفية ثم ساقوا الآية بغير حق في إثباتها.
وجذور هذا المعتقد في مصنفات ممن سبقهم من الصوفية لاسيما ابن عربي ولو أن ابن عربي لم يتبن هذا المعتقد لما أقره عرفاء الشيعة ولما رأيت له في مصنفاتهم أثراً يُذكر !
يقول ابن عربي : (للحق في كل معبود وجها يعرفه من عرفه ويجهله من جهله : [وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ] أي حكم ربك. فالعالم يعلم من عبد وفي أي صورة ظهر حتى عبد ، وإن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية ، فما عبد غير الله في كل معبود)([8]).
ويقول أبن عربي : (فإذا كان العارف عارفا حقيقة لم يتقيد بمعتقد دون معتقد ولا انتقد اعتقاد أحد في ربه دون أحد لوقوفه مع العين الجامعة للاعتقادات… وقد قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه في كل معتقد إذ هو عين كل معتقد)([9]).
ويقول عبد الكريم الجيلي : (فأما الكفار فإنهم عبدوه بالذات لأنه لما كان الحق سبحانه وتعالى حقيقة الوجود بأسره والكفار من جملة الوجود هو حقيقتهم فكفروا أن يكون لهم رب لأنه تعالى حقيقتهم ولا رب له بل هو الرب المطلق فعبدوه من حيث ما تقتضيه ذواتهم التي هو عينها ثم من عبد منهم الوثن فلسر وجوده سبحانه بكماله بلا حلول ولا مزج في كل فرد من أفراد ذرات الوجود فكان تعالى حقيقة تلك الأوثان التي يعبدونها)([10]).
ويقول أيضاً : (عبادة الكفار له عبادة ذاتية)([11]).
وهذا الكلام واضح البطلان وأصل التردد في بطلانه غير صحيح ولكن لا بأس بالإشارة إلى أربعة أمور :
الأول : هذا المعتقد وهو أن كل عبادة وإن كانت لغير الله هي عبادة لله تعالى أو أنها عبادة لله تعالى بوجه من الوجوه لا وجود له في الدين بل هو خلاف الضرورة الدينية وما هو المفهوم من روح الشريعة.
الثاني :
هذا القول والمعتقد من معتقدات عرفاء العامة لاسيما ابن عربي ولو أن ابن عربي لم يتبناه لما تبناه عرفاء الشيعة خصوصا الملا صدرا الذي تابع ابن عربي في معتقداته الباطلة ولم يكن بوسعه إلا قبولها والتنظير لها.
الثالث :
مما يرد عليه هو أنه توجد عدة آيات تدل على عبادة غير الله تعالى وأنها تعبد من دون الله ولم يكن فيها وجه لعبادته تعالى فمن ضمن تلك الآيات : [وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ].
[فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ]
[مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا]
[وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا]
[وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا]
الرابع :
[وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا] إذا ادعي من خلال التمسك بالآية المباركة بأن القضاء وقع تكوينياً على عبادة الله، فلابد أن يكون تكوينياً أيضاً على الإحسان للوالدين ، ولو فُسرت بالقضاء التكويني لما كان لعقوق الوالدين وجود.
إن المراد من الآية المباركة القضاء التشريعي لأن التشريك بتسليط الفعل قضى على المعنيين العبادة والإحسان فيكون المعنى من العطف جملة على جملة : قضى بأن تعبدوه وحده وبأن تحسنوا بالوالدين ؛ حيث الآية إذا لم نقل هي من النص على التشريع تكون من الظاهر في التشريع على أقل تقدير إذ المتبادر وما فهمه المسلمون عامة حتى في زمن النص التشريع لا التكوين.والتكوين لا وجود له إلا في أذهان العرفاء الذي ذهبوا في تفسير الآية إلى معتقداتهم الفاسدة.
وكل المفسرين قالوا أن الآية في القضاء التشريعي ولم يقل بالقضاء التكويني إلا العرفاء حيث اقتادوها إلى ما يعتقدون به ، وإليك على سبيل المثال ما ذكره الشيخ الطوسي والزمخشري :
يقول الشيخ الطوسي في قوله تعالى : [وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ] : أي أمر([12]) .
ويقول الزمخشري : في : [وَقَضَى رَبُّكَ] : (وأمر أمراً مقطوعا به)([13]).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) الشواهد الربوبية،ص144.
[2] ) مجموعة رسائل،ص303.
[3] ) عين اليقين،ج2،ص436.
[4] ) المظاهر الرحمانية،ص88.
[5] ) تفسير القرآن الكريم،ج2،ص32.
[6] ) التوحيد،ص39.
[7] ) شرح فصوص الحكم،ج1،ص446.
[8] ) فصوص الحكم،شرح عبد الرزاق الكاشاني،ص67.
[9] ) الفتوحات المكية
[10] ) الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل،ص255.
[11] ) الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل،ص256.
[12] ) التبيان،ج1،ص430.
[13] ) الكشاف،ج2،ص444.