(69) س : ما هو مصدر (عبدي أطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون)؟
ج : لم يروَ في المصادر الحديثية الأولية لدى الخاصة والعامة وقد تناقلته مصنفات الصوفية الأولية مثل إخوان الصفا على أنه في بعض كتب أنبياء بني إسرائيل : (في بعض كتب أنبياء بني إسرائيل ، قال اللّه تعالى : يا بن آدم خلقتك للأبد ، وأنا حيّ لا أموت ؛ أطعني فيما أمرتك به ، وانته عما نهيتك عنه ، أجعلك حيّا لا تموت أبدا . يا بن آدم أنا قادر على أن أقول للشيء كن فيكون ؛ أطعني فيما أمرتك به ، وانته عما نهيتك عنه ، أجعلك قادرا على أن تقول للشيء كن فيكون)([1]).
والديلمي الذي هو من علماء الإمامية في القرن الثامن الهجري رواه على أنه حديث قدسي في إرشاد القلوب : (روي أن الله تعالى يقول في بعض كتبه يا ابن آدم أنا حي لا أموت أطعني فيما أمرتك أجعلك حيا لا تموت يا ابن آدم أنا أقول للشيء كن فيكون أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشيء كن فيكون)([2]).
وأيضاً البرسي (ت:813هـ) في مشارق أنوار اليقين نقله على أنه حديث قدسي : (ورد في الحديث القدسي عن الرب العلي أنه يقول : عبدي أطعني أجعلك مثلي أنا حي لا أموت ، أجعلك حيا لا تموت ، أنا غني لا أفتقر أجعلك غنيا لا تفتقر ، أنا مهما أشأ يكن أجعلك مهما تشأ يكن. ومنه([3]) أن لله عبادا أطاعوه فيما أراد فأطاعهم فيما أرادوا يقولون للشيء كن فيكون)([4]) .
وكذلك ابن فهد الحلي (ت:841هـ) رواه على أنه حديث قدسي : (ورد في الحديث القدسي : يا ابن آدم أنا فقير لا أفتقر أطعني فيما أمرتك أجعلك غنيا لا تفتقر يا ابن آدم أنا حي لا أموت أطعني فيما أمرتك أجعلك حيا لا تموت يا ابن آدم أنا أقول للشيء : كن فيكون أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشيء : كن فيكون)([5]).
وعلي بن يونس العاملي النباطي (ت:877هـ) نسبه لرسول الله صلى الله عليه وآله : (وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله إن لله عبادا أطاعوا الله فأطاعهم يقولون للشيء بأمره كن فيكون)([6]).
وملا صدرا (ت:1050هـ) لم يفته نقل هذا الخبر كما نقل في حكمته المتعالية وغيره من مصنفاته الأخبار الشائعة في مصنفات التصوف ولا مصدر لها في مصادر الحديث عند الفريقين حيث ذكر : (ورد في بعض الصحف المنزلة من الكتب السماوية أنه قال سبحانه يا بن آدم خلقتك للبقاء وأنا حي لا أموت أطعني فيما أمرتك وانته عما نهيتك أجعلك مثلي حيا لا تموت)([7]).
والفيض الكاشاني (ت:1090هـ) أيضاً هو الآخر الذي من ديدنه نقل الأخبار الشائعة لدى الصوفية على طريقة الملا فقد نقل في عين اليقين : (في الحديث القدسي : يا ابن آدم ، خلقتك للبقاء وأنا حيّ لا أموت ، أطعني فيما أمرتك به ، وانته عمّا نهيتك عنه ، أجعلك مثلي ، حيّا لا تموت ، أنا الّذي أقول لشيء كن فيكون ، أطعني فيما أمرتك به أجعلك مثلي ، إذا قلت لشيء كن فيكون)([8]).
والحر العاملي (ت:1104هـ) في الجواهر السنية نقله عن البرسي : (روى الحافظ البرسي قال : ورد في الحديث القدسي عن الرب العلي انه يقول : عبدي أطعني أجعلك مثلي : أنا حي لا أموت أجعلك حيا لا تموت ، أنا غني لا افتقر أجعلك غنيا لا تفتقر ، أنا مهما أشاء يكون أجعلك مهما تشاء يكون . قال : ومنه – أي من الحديث القدسي – أن لله عبادا أطاعوه فيما أراد فأطاعهم فيما أرادوا ، يقولون للشيء كن فيكون)([9]).
والعلامة المجلسي في البحار نقله من غير مصدر وسند على أنه حديث قدسي : (في الحديث القدسي : يا ابن آدم أنا غني لا أفتقر ، أطعني فيما أمرتك أجعلك غنيا لا تفتقر ، يا ابن آدم أنا حي لا أموت ، أطعني فيما أمرتك أجعلك حيا لا تموت يا ابن آدم أنا أقول للشيء كن فيكون ، أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشيء كن فيكون)([10]).
وقد تقول على فرض عدم صحة الخبر ما هو غرض الصوفية من وضع حديث مثل هذا؟
والجواب : إن الصوفية كانوا يغررون أتباعهم ويخدعونهم بالكرامات وحدوث الخوارق والغيبيات لمشايخهم فمثل هذا الخبر مما يرسخ في نفوسهم صحة الكرامات المزعومة ويستدلون على صحتها من خلاله.
وعلى هذا لا بد من أن يلتفت إلى أمرين :
الأول : إن هذا الخبر لا وجود له في المصادر الأولية لدى الخاصة والعامة ونقلته بعض المصادر الشيعية المتأخرة مثل : (بحار الأنوار) و (الجواهر السنية) من غير مصدر وسند. وأقد المصنفات التي ذكرته هي مصنفات الصوفية مثل : (رسائل إخوان الصفا) و (مشارق أنوار اليقين) مع ملاحظة أن الأول من صوفية العامة ، والآخر من صوفية الشيعة.وقد شاع ذكر هذه الخبر في مصنفات الفلاسفة والعرفاء في القرنين الماضيين.
الآخر : إن تصحيح مضمون الخبر بحديث قرب النوافل الذي روي في المصادر المعتبرة عند الفريقين مثل أصول الكافي ، فقد روى الشيخ الكليني : عن حماد بن بشير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال الله عز وجل : من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي وما تقرب إلي عبد بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وإنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها ، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن موت المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته([11]). غير صحيح وذلك لأن مضمون الخبرين مختلف ، وعلى أقل تقدير حديث قرب النوافل مجمل الدلالة وغير ظاهر المعنى في خبر : (عبدي أطعني تكن مثلي …)
ولكن قد يُدلل على صحة مضمونه من خلال الولاية التكوينية وما جاء في إثباتها والتدليل عليها من الأخبار ، وجه سؤال إلى الشيخ جواد التبريزي : ما معنى قوله تعالى في الحديث القدسي ( عبدي أطعني تكن مثلي أقول للشيء كن فيكون وأنت تقول للشيء كن فيكون ) ؟ فهل العلماء يستطيعون الوصول إلى مرتبة مثل اللَّه ؟ ليس كمثله شيء وهل بهذه المرتبة يستطيعون أن يحيوا الموتى يخلقون ويرزقون ؟ مع ملاحظة هذه الرواية ( لو قرأت سورة الفاتحة على ميت لأحييته ) .
بسمه تعالى ظاهر هذا الحديث على فرض ثبوته أن الإطاعة لله إذا خلصت له سبحانه فان اللَّه سبحانه يمكنه ويسلطه على الأشياء ويسخر الأشياء له وهو معنى الولاية التكوينية الثابتة للأنبياء والمعصومين عليهم السلام إلا أن الأئمة المعصومين عليهم السلام لم يستعملوا هذه الولاية إلا في موارد خاصة اقتضتها المصلحة والحكمة واللَّه العالم([12]).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) رسائل إخوان الصفا،ج1،ص298.
[2] ) إرشاد القلوب،ج1،ص75.
[3] ) أي من الحديث القدسي.
[4] ) مشارق أنوار اليقين،ص100.
[5] ) عدة الداعي،ص291.
[6] ) الصراط المستقيم،ج1،ص169.
[7] ) الحكمة المتعالية،ج8،ص9.
[8] ) عين اليقين،ج1،ص291.
[9] ) الجواهر السنية،ص361.
[10] ) بحار الأنوار،ج90،ص376.
[11] ) أصول الكافي،ج2،ص352.
[12] ) صراط النجاة،ج10،ص424.