الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي (5)
من نقله للأخبار التي تفردت بها الصوفية:
2 ـ موتوا قبل أن تموتوا :
رواه عن رسول الله صلى الله عليه وآله حيث يقول : قوله صلى الله عليه وآله : (موتوا قبل أن تموتوا)([1]).
وهو لم يرد في المصادر الحديثية لدى الشيعة والعامة ، وإنما تناقلته كتب الفلاسفة والصوفية.
إن العلامة المجلسي في البحار نقله تارة بعنوان قيل : (كما قيل : موتوا قبل أن تموتوا)([2]).
وفي موضع آخر من البحار ومرآة العقول عبَّر عنه بالحديث المشهور : (ورد في الحديث المشهور موتوا قبل أن تموتوا)([3]) ، كما أن الفيض الكاشاني من قبله عبَّر عنه بالحديث المشهور([4])
ولكن العلامة المجلسي نقله عن كتاب الدعوات للراوندي بصيغة : (توبوا) بدل : (موتوا) حيث رواه عن رسول الله صلى الله عليه وآله : (توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا)([5]).
ومن الصوفية الذين نقلوه بصيغة حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله ــ أي بلفظ موتوا قبل أن تموتوا ــ ابن عربي في تفسيره([6])،وفريد العطار ــ من صوفية القرن السادس الهجري ــ في تذكرة الأولياء([7])،والفناري (ت:834هـ) في مصباح الأنس([8]) ، والسيد حيدر الآملي في تفسيره([9]).وملا صدرا في كتبه مثل : تفسيره ، والمبدأ والمعاد ، وشرح أصول الكافي([10]) ، والقاضي سعيد القمي في شرح الأربعين([11]) .
ولذا كان من الضروري جداً التنبه للموضوعات الصوفية عند الاطلاع على ما كتبه الصوفية لا سيما ابن عربي وحيدر الآملي وملا صدرا لأن في كتب هؤلاء الشيء الكثير من الموضوعات الصوفية التي نسبوها لرسول الله صلى الله عليه وآله ولم تروَ في مصدر من مصادر الحديث لدى جمهور المسلمين.
وروي في مصادر العامة الحديثية بلفظ : (توبوا) بدل (موتوا) فقد روي في سنن ابن ماجة عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وأله : (توبوا إلى الله قبل أن تموتوا ، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تُشغلوا)([12]). وأيضا روي بلفظ : (توبوا إلى الله قبل أن تموتوا) في مسند أبي يعلى الموصلي([13]) (ت:307هـ) ، والطبراني (ت:360هـ) رواه في الأخبار الطوال([14]) بنفس الصيغة التي رواها ابن ماجة.والبيهقي في السنن الكبرى رواه بلفظ : (توبوا إلى الله عز وجل قبل أن تموتوا)([15]). والذهبي في ميزان الاعتدال([16]) ، والمتقي الهندي في كنز العمال([17]) نقلاه بالصيغة التي رواها ابن ماجة في سننه. مما يعني لا يستبعد حصول التصحيف في كلمة أو تحريف لكلمة لكي يتناسب مع بعض المعتقدات.
وبعد ذلك تبيَّن أن (موتوا قبل أن تموتوا) لم يرد في مصدر من مصادر المسلمين الحديثية ، وحتى على فرض صحته لا يمكن الاستدلال من خلاله على الموت الاختياري بمعنى فصل الروح عن البدن إذ هو على أقل تقدير مجمل الدلالة من هذه الناحية ، ولا دلالة فيه بيِّنة على هذا المعنى .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) مجلي مرآة المنجي،ج4،ص1338،ج5،ص1694،
[2] ) بحار الأنوار،ج66،ص317.
[3] ).بحار الأنوار،ج69،ص59.مرآة العقول،ج8،ص329.
[4] ) الوافي،ج4،ص411.
[5] ) الدعوات،ص237،بحار الأنوار،ج6،ص19.
[6] ) تفسير ابن عربي،ج1،ص81.
[7] ) تذكرة الأولياء،ص566.
[8] ) مصباح الأنس،ص248.
[9] ) المحيط الأعظم،ج1،ص59.
[10] ) تفسير القرآن الكريم،ج3،ص399. المبدأ والمعاد،ص540.شرح أصول الكافي،ج1،ص359.
[11] ) شرح الأربعين،ص165.
[12] ) سنن ابن ماجة،ج1،ص343،حديث رقم : (1081)
[13] ) مسند أبي يعلى،ج3،ص383.
[14] ) الأخبار الطوال،ص55.
[15] ) السنن الكبرى،ج3،ص171.
[16] ) ميزان الاعتدال،ج2،ص485.
[17] ) كنز العمال،ج7،ص721،حديث رقم : (21091).