الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي19 تبني معتقدات الفلاسفة والصوفية

 

الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي (19)

تبني معتقدات الفلاسفة والصوفية

 

إن المتبنيات التي نقلها ابن أبي جمهور من الفلاسفة والصوفية وتبناها لم تكن بالشيء القليل ، ولست بصدد إحصائها أجمع ، وإنما أذكر بعض الموارد التي تدل على تبنيه وتأثره في الفلسفة والتصوف بما لا مجال للتردد فيه . ويكون حينها الإنصاف هو الحاكم لمن ابتغى الإنصاف وابتعد عن التعصب والعناد ، وقد صرح ابن أبي جمهور في كتابه : (مجلي مرآة المنجي) أنه اعتقد ببعض معتقدات الفلاسفة والصوفية ، وأنه كتب التوحيد فيه على طريقة الفلاسفة والصوفية كما يقول ناعتًا كتابه : (بمباحث التوحيد وأسرار حقائق التفريد على طريق الإشراقيين من الحكماء وأهل الله من صوفية العلماء)([1]).

وفي خاتمة كتابه أشار أيضا إلى التعريف به ، وأنه جمعه من الفلاسفة والصوفية : (إني قد أودعت لك في هذا الكتاب لباب ما أفاده العلماء والمحض الصافي مما تكلم به الحكماء والدر الثمين مما نطق به الفضلاء، فحوى الكلامين والحكمتين واشتمل على قوانين أهل التصوف من الطائفتين جمعته من مظان شتى وأمكنه متباعدة ومن مصنفات متفرقة بل متضادة، وزدت من سوانح الفكر الصافي كثيراً من التحقيقات وما قامت لي عليه الدلالة من التدقيقات بعد تصفية القلب عن شوائب الكدورات واستخلاص الحدس عن سائر المعوقات، بل كان أكثره بواسطة الخلوات والاستعانة بالمجاهدات والفيض عن المفارقات، [قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي]([2]) .تم هذبت الجميع بالعبارات الشائقة والإشارات الكاملة الرائقة ورتبته أحسن ترتيب وعجنته بسائر أنواع الطيب وأخلصته وحررته بأحسن تحرير وقاربته وقررته بأجود تقرير وجعلته مائدة وافية بأنواع الملذات مكملة بسائر المطعومات)([3]).

وهذه بعض المعتقدات التي اختارها وتبناها من الفلاسفة والصوفية :

 

 كل مسير لما خلق له :

روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله  : (كل ميسر لما خلق له)([4]).

إن هذا الخبر رواه الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد : عن محمد بن أبي عمير أنه سأل الإمام الكاظم عليه السلام:ما معنى قوله صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله:(اعملوا فكل ميسر لما خلق الله)؟ فقال عليه السلام : إن الله عز وجل خلق الجن والإنس ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه،وذلك قوله عز وجل:[وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ] فيسر كلا لما خلق له،فالويل لمن استحب العمى على الهدى ([5]).

ولا يوجد إشكال في مصدر الخبر ،  وإنما في المعنى الذي ذكره ابن أبي جمهور ، وذلك لأنه ذكره في أكثر من موضع في (المجلي) وشرحه بمتبنيات الصوفية التي لا شأن لها بتفسير الخبر وأبعد ما تكون من تفسيره ومعناه ؛ فعلى سبيل المثال : ذَكَرَ في تفسيره ما نقله السهروردي عن أفلاطون إذ يقول : (وأما ما حكاه أفلاطون عن نفسه فقد ذكره الشيخ الإلهي في كتاب حكمة الإشراق عن أفلاطون أنه قال : ربما خلوت بنفسي وقطعت العلاقة البدنية، فأرى فيها من البهاء والجمال والجلال ما أظل منه متعجباً حيراناً. وأرى أني خرجت من الأقطار والجهات ولا أزال كذلك حتى يظهر في ذاتي من النور والبهاء ما تعجز الألسن عن صفته. وأرى كأني قد صرت موضوعاً في النور الأعظم والعلة الأولى المحيطة بالكل، فأعرف أني من العالم الأعظم والنور الأشرف، فأتحير وأتعجب كيف وصلت إلى هذه المرتبة، فيلفظني ذلك إلى عالم الفكر، فأنحط عن تلك المرتبة وقد امتلأت بالنور. وحكي مثل ذلك في كتاب التلويحات ” وجعله منسوباً إلى أرسطو وهو أنه قال: ربما خلوت بنفسي وخلعت بدني جانباً حتى صعدت إلى الموضع الشاهق الإلهي، فأرى كأني موضوع في المحيط معلق به، وأرى النور الأعظم في الموضع الشاهق الإلهي، فأتعجب كيف ارتقيت إلى هذه الدرجة. فيلفظني عالم الفكر إلى عالم الناسوت؛ لأني لم أقدر على مشاهدة النور الأعظم ولم أطق على حمله،فارجع إلى بدني وقد امتلأت نوراً وصار بدني كله نوراً. قال شارح حكمة الإشراق:والأنسب أن يكون هذا الكلام الأفلاطون؛ لأن مقامه في التأله يقتضي ذلك. وأما نسبته إلى أرسطو فليس بمناسب لمقامه؛ فإنه كان من أهل البحث الصرف ولم يكن له في التأله نصيب وكل ميسر لما خلق له)([6]).

وهذا الخبر من الأخبار التي وظفت توظيفًا خاطئًا ودلل من خلاله على معاني باطلة لأنه من الأحاديث المجملة التي يكتنفها الغموض ، ولا دلالة قطعية فيه على مراده،ولولا ما روي عن الإمام الكاظم في تفسيره ما عرفنا معناه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) مجلي مرآة المنجي،ج1،ص134.

[2] ) سورة يوسف : 108.

[3] ) مجلي مرآة المنجي،ج5،ص1785.

[4] ) مجلي مرآة المنجي،ج1،ص450،ج2،ص532،ج3،ص863،ج3،ص1077، ج5،ص1768 ،ج5،ص1777 ،ج5،ص1809.

[5] ) توحيد الصدوق،ص356.

[6] ) مجلي مرآة المنجي،ج5،ص1767.

Comments (0)
Add Comment