الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي(25)نقل كلام ابن عربي في تفسير

الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي (25)

  نقل كلام ابن عربي في تفسير البسملة

إن في أول صفحة من كتاب ابن أبي جمهور المجلي بعد المقدمة مباشرةً فسر البسملة بمعاني لا دليل عليها كما فسرها ابن عربي حيث يقول : (قوله : بسم الله الرحمن الرحيم. أقول : اعلم أن الباء هي المرتبة الأولى من العالم المعبر عنها بالعقل الأول. والسين يقع في المرتبة الثانية التي هي مرتبة النفس الكلية المعبر عنها باللوح المحفوظ والكتاب المبين، والميم في المرتبة الثالثة التي هي مرتبة الطبيعة الكلية. وبعض من طابق بين العالم ومراتبه الكلية وبين البسملة جعل العقل الأول بمثابة الباء وسماه بعالم الجبروت، والنفس الكلية بمثابة السين وسماها بعالم الملكوت، والطبيعة الكلية بمثابة الميم وسماها بعالم الملك، وهو في الواقع كذلك. وقد أشار إلى ذلك الشيخ في فتوحاته في قوله: الباء أنواع ثلاثة شكل الباء ونقطتها والحركة، فصار فيها العوالم الثلاثة. فالباء ملكوته والنقطة جبروته والحركة شهادته وملكه، والألف المحذوفة التي هي بدل منها هي حقيقته القائم بها الكل، واحتجب رحمة منه بالنقطة التي تحت الباء.وتتميم مراتب العالم إجمالاً بأن نجعل لفظة الله بمنزلة عالم الجبروت؛ لأنه مظهره، ولفظة الرحمن بمنزلة عالم الملكوت؛ لأنه مظهره، ولفظة الرحيم بمنزلة عالم الملك؛ لأنه مظهره، فتم ترتيب العالم وتكون البسملة جامعة لترتيبه مرتين ؛ لأن لفظة الله إشارة إلى الذات المستغنية عن الكل الفياضة على الكل ولفظة الرحمن إشارة إلى الرحمة المبدئية الامتنانية التي هي الإيجاد من العدم والإظهار من الخفاء والإنشاء بحكم الاختراع والإبداع ؛ لأن الكل من الرحمن وتجلياته بصور المظاهر المختلفة وفيضانه بصور المجالي المتنوعة المعبر عن الكل بالنفس الرحماني وآثاره، ولفظة الرحيم إشارة إلى الرحمة المنتهائية التي هي الإفناء في الوجود العارض والإيصال إلى الوجود الحقيقي الأبدي الدائم رحمة منه)([1]).

ومن ضمن ما ذكره ابن عربي في البسملة : (بسم بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تميز العابد من المعبود قيل للشبلي أنت الشبلي فقال أنا النقطة التي تحت الباء وهو قولنا النقطة للتمييز وهو وجود العبد بما تقتضيه حقيقة العبودية وكان الشيخ أبو مدين رحمه الله يقول ما رأيت شيئا إلا رأيت الباء عليه مكتوبة فالباء المصاحبة للموجودات من حضرة الحق في مقام الجمع والوجود أي بي قام كل شيء وظهر وهي من عالم الشهادة هذه الباء بدل من همزة الوصل التي كانت في الاسم قبل دخول الباء واحتيج إليها إذ لا ينطق بساكن فجلبت الهمزة المعبر عنها بالقدرة محركة عبارة عن الوجود ليتوصل بها إلى النطق الذي هو الإيجاد من إبداع وخلق بالساكن الذي هو العدم وهو أوان وجود المحدث بعد أن لم يكن وهو السين فدخل في الملك بالميم ألست بربكم قالوا بلي فصارت الباء بدلا من همزة الوصل أعني القدرة الأزلية وصارت حركة الباء لحركة الهمزة الذي هو الإيجاد ووقع الفرق بين الباء والألف الواصلة فإن الألف تعطي الذات والباء تعطي الصفة ولذلك كانت لعين الإيجاد أحق من الألف بالنقطة التي تحتها وهي الموجودات فصار في الباء الأنواع الثلاثة شكل الباء والنقطة والحركة العوالم الثلاثة فكما في العالم الوسط توهم ما كذلك في نقطة الباء فالباء ملكوتية والنقطة جبروتية والحركة شهادية ملكية والألف المحذوفة التي هي بدل منها هي حقيقة القائم بالكل تعالى واحتجب رحمة منه بالنقطة التي تحت الباء)([2]).

وملا صدر اقتبس ما ذكره الأحسائي ووضعه في رسائله ــ وإن كان الملا أشار لمصدره ــ من قوله : (اعلم أن الباء هي المرتبة الأولى من العالم الأولى المعبّر عنها بالعقل الأول … وعالم الأفعال مخصوص بالملك لأنه مظهر الأفعال . والثلاث مع الثلاث يكون ستة)([3]).

ووجه المؤاخذة عليه في ذلك يكمن في أمرين : الأول : تفسير البسملة بمعاني لا دليل عليها وتأثره في ابن عربي الذي جعله مصدقاً بما جاء به من تفسير لا شاهد عليه من الشرع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) مجلي مرآة المنجي،ج1،ص139.

[2] ) الفتوحات المكية،ج1،ص102.

[3] ) مجموعة رسائل،ص443.

Comments (0)
Add Comment