الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي(26) من إكباره لابن عربي ونقل

 

الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي (26)

 من إكباره لابن عربي ونقل معتقداته التي لا صلة لها بالدين

نقل في المجلي كلاماً مطولاً عن ابن عربي فيما يخص مراتب العدد حيث يقول : (أشار الشيخ في فتوحاته إلى ما هو أحسن وأبلغ من هذا فقال : العلم العيسوي هو علم الحروف ولهذا أعطي النفخ وهو الهواء الخارج من تجويف القلب الذي هو روح الحياة فإذا انقطع الهواء في طريق خروجه إلى فم الجسد سمي مواضع انقطاعه حروفا فظهرت به أعيان الحروف فلما تألفت ظهرت الحياة الحسية في المعاني وهو أول ما ظهر من الحضرة الإلهية للعالم وإن لم يكن للأعيان في حال عدمها شيء من النسب إلا السمع فكانت الأعيان مستعدة في ذواتها في حال عدمها لقبول الأمر الإلهي إذا ورد عليها بالوجود فلما أراد بها الوجود قال لها كن فتكونت وظهرت في أعيانها فكان الكلام الإلهي أول شيء أدركته من الله تعالى بالكلام الذي يليق به فأول كلمة تركبت كلمة كن وهي مركبة من كاف واو نون وكل حرف من ثلاثة فظهرت التسعة التي أصلها الثلاثة فهي أول الأفراد وانتهت بسائط العدد بوجود التسعة من كن فظهر به كن عين المعدود والعدد ومن هذا كان تركيب المقدمات من ثلاثة فإن الواحد يتكرر فيصير ثلاثة وعن الفرد وجد الكون لا الواحد وقد عرفنا الحق أن سبب الحياة في صور المولدات إنما هو النفخ الإلهي بقوله : [فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي]([1]). وهو النفس الذي أحيى الله به الإيمان فأظهره حيث قال صلى الله عليه وآله : (إن نفس الرحمن يأتيني من قبل اليمن فحييت بذلك النفس الرحماني صورة الإيمان)([2]) في قلوب المؤمنين وصورة الأحكام المشروعة فأعطى عيسى عليه السلام هذا النفخ الإلهي فكان ينفخ في الصورة الميتة في القبر أو في الطير الذي صوره من الطين فيقوم حيا بأذن الأمر الإلهي الساري في تلك النفخة وفي ذلك الهواء فلولا سريان الأذن الإلهي لما حصلت حياة في صورة أصلاً فمن نفس الرحمان صار العلم العيسوي فكان يحيي الموتى بنفخه عليه السلام فكان انتهاؤه إلى الصور المنفوخ فيها وذلك هو الحظ الذي لكل موجود من الله وبه يصل إليه إذا صارت إليه الأمور كلها وإذا تحلل الإنسان في معراجه إلى ربه وأخذ كل منه في طريق ما يناسبه لم يبق فيه إلا هذا السر الذي عنده من الله فلا يراه إلا به ولا يسمع كلامه إلا به فإنه يتعالى ويتقدس من أن يدرك إلا به وإذا رجع الشخص من هذا المشهد وتركبت صورته التي كانت تحللت في عروجه ورد العالم إليه جميع ما كان أخذه منه مما يناسبه فإن كل عالم لا يتعدى جنسه فاجتمع الكل على هذا السر الإلهي واشتمل عليه وبه سبحت الصورة بحمده وحمدت ربها إذ لا يحمده سواه ولو حمدته الصورة من حيث هي لا من حيث هذا السر لم يظهر الفضل الإلهي والامتنان على هذه الصورة وقد ثبت له الامتنان على جميع الخلائق فثبت إن الذي كان من المخلوق لله من التعظيم والثناء إنما كان من ذلك السر الإلهي ففي كل شيء من روحه وليس شيء فيه منه فالحق هو الذي حمد نفسه وسبح نفسه وما كان من جزاء إلهي لهذه الصورة عند ذلك التحميد والتسبيح فمن باب المنة لا من باب الاستحقاق فإن جعل الحق له استحقاقا فمن حيث إنه أوجب على نفسه فالكلمات عن الحروف والحروف عن الهواء والهواء عن النفس الرحماني وبالأسماء تظهر الآثار في الأكوان وإليها ينتهي العلم العيسوي)([3]).

وهذا الكلام ذكره ابن عربي في الفتوحات من قوله : (العلم العيسوي…إلى قوله : وبالأسماء تظهر الآثار في الأكوان وإليها ينتهي العلم العيسوي)([4]).

ومُصدِّر الفتوحات أشار إلى أن ما ذكره ابن عربي في هذا الخصوص هو متعلق في علم الحروف وأنه يجاري الحلاج فيه : (ولا يقف ابن عربي عند هذا ، بل يتحدث عما سماه : (العلم العيسوي) ، وهو أدخل ما يكون في علم الحروف . وأغلب الظن أنه يجارى الحلاج في هذا كله)([5]).

وهذا الكلام من الدلائل على إكباره لابن عربي ونقل معتقداته التي لا صلة لها بالدين .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) سورة الحجر : 29 .

[2] ) تقدم الكلام في تحقيق الخبر وأنه مما تفردت بنقله الصوفية.

[3] ) مجلي مرآة المنجي،ج1،ص147ـ151,

[4] ) الفتوحات المكية،ج1،ص168. وقال في شرحه مصدر الفتوحات المكية : (العلم العيسوي  الذي خصص له الشيخ لهذا الباب وجمله عنوانا له ، يقصد به (علم الحروف) . ويفسر ابن عربي وجه الصلة بين ذلك أو وجه المناسبة : بأن عيسى كما هو وارد في القرآن قد أعْطِى النفخ ، فكان ينفخ في الصورة الكائنة في القبر ، أو في صورة الطائر الذي أنشأه من الطين ، فيقوم حياً ، بالإذن الإلهي الساري في تلك النفخة وفي ذلك الهواء . وكذلك الأمر بالقياس إلى (الحروف) : أنها صادرة عن النفخ وعن الهواء. إذ النفخ هو الهواء الخارج من تجويف القلب الذي هو روح الحياة . فإذا انقطع الهواء ، في طريق خروجه ، إلى فم الجسد ، سمَّى مواضع انقطاعه حروفاً ، فظهرت أعيان الحروف . فلما تألفت ( هذه الحروف ) ظهرت الحياة الحسية في المعاني .فسبب الحياة ، في نظر الشيخ الأكبر ، إن في عالم الطبيعة أو في عالم المعاني ، – إنما هو (النفخ) الذي هو الهواء . ففي عالم الفكر ، مثلاً : الكلمات صادرة عن الحروف ، والحروف صادرة عن الهواء ، والهواء صادر عن النَّفس الرحماني الذي هو ( النفخ الإلهي ) في كل قابل للحياة . ولكن ما يقصد ابن عربي في تساؤله : بأن (العلم العيسوي هل هو متعلق بطول العالَم أم يعرضه أم بهما ؟) طول العالَم هو عالَم الطول ، أي عالَم الإبداع والأمر والروحانيات المفارقة . وعَرْض العالم هو عالم العَرض ، أي عالم الطبيعة والخلق والأجسام . ويصرح الشيخ بأن هذا الاصطلاح من وضع الحلاج) .الفتوحات المكية،ج3،ص29.

[5] ) الفتوحات المكية،ج3،ص20.

Comments (0)
Add Comment