الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي (28) لا يجوز تأخر فعله عنه المعلول

 

الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي (28)

لا يجوز تأخر فعله عنه (المعلول الفلسفي)!

من المعتقدات الفلسفية الباطلة التي تبناها ابن أبي جمهور الأحسائي هو عدم تأخر فعل الله تعالى عنه ، والذي يسمى بالمعلول الفلسفي حيث يقول : (الوجوب الحاصل للأثر بفاعله لا ينافي اختيار فاعله لأن الاختيار ليس معناه إلا وجود الأثر عن ذات الفاعل الحي العالم القادر)([1]).

ومما نقله في المعلول الفلسفي مقرا به أيضاً : (الذي يدل على أنه لا يجوز تأخر فعله عنه أن الواجب لذاته لما كان هو الموجب والمرجح لوجود سائر الممكنات سواء كان ذلك الإيجاب والترجيح مستنداً إلى ذاته أو بواسطة اتصافه بصفة فإنه بالضرورة متقدم على جميع الممكنات ؛ لأنه علتها. والمرجح دائم فيدوم الترجيح ؛ لأن ما لأجله كان الواجب لذاته صانعاً للعالم ومؤثراً فيه كوجود وقت أو زوال مانع أو وجود شرط أو حصول إرادة أو قدرة وبالجملة وجود أي حال كان على ما يفرضه المتكلمون لا يخلو إما أن يكون أزلياً أو لا يكون . فإن كان أزلياً كان لا محالة العالم كذلك ؛ لامتناع تخلف المعلول عن العلة التامة ، وإن لم يكن أزلياً كان حادثاً وكل حادث لابد له من محدث مرجح يجب أن يكون حادثاً وإلا لم يكن ذلك الحادث حادثاً ، هذا خلف . ثم ننقل الكلام إلى ذلك المرجح الحادث في أنه يحتاج إلى مرجع آخر حادث، وهكذا إلى غير النهاية ، فيلزم المطلوب وهو وجود حوادث لا أول لها . هذا ما ذكره هذا الحكيم الإسلامي من تقرير أصول الفلاسفة الإسلامية الذين شأنهم الجمع بين الحكمة والشرائع والتطبيق بينهما)([2]).

إن قانون العلة والمعلول والمعنى المراد منه في علم الكلام يختلف عن المعنى الفلسفي  :

المعلول الفلسفي :

إن المعلول يستحيل أن يتخلف عن علته مما يعني صدور الفعل عن العلة بالاضطرار وليس بالاختيار ، وهذا يلزم منه سلب الإرادة عن الله عز وجل التي مفادها إن شاء فعل وإن شاء ترك ، أو إمكان تخلف المعلول ؛ يقول ابن سينا:(صدور الموجودات عنه على سبيل اللزوم لا لإرادة تابعة لعرض بل لذاته ، وكان صدورها عنه دائماً بلا منع ولا كلفة تلحقه في ذلك)([3]).

ويلزم منه أيضاً القول بقدم العالم حيث وجود المعلول مع علته إذ يستحيل تخلفه عن علته ولذا قالوا : (الشيء ما لم يجب لم يوجد) الذي يأتي تفصيل الكلام فيها إن شاء الله تعالى.

ويقول الشيخ الطوسي  في بطلان ذلك : إن صانع العالم لا يخلو من أن يكون قادرا مختارا أو موجبا ((يقصد الشيخ & بـ : (موجبا) أي : يكون مضطرا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا)) هو علة أو سبب ، ولا يجوز أن يكون علة ولا سبباً ، لأنهما لا يخلو من أن يكونا قديمين أو محدثين ، فلو كانا محدثين لاحتاجا إلى علة أخرى أو سبب آخر ، وذلك يؤدي إلى ما لا نهاية له من العلل والأسباب ، وإن كانا قديمين وجب أن يكون العالم قديماً ، لأن العلة توجب معلولها في الحال والسبب يوجب المسبب إما في الحال أو الثاني، وكلاهما يوجبان قدم الأجسام وقد دللنا على حدوثها ، فبطل بذلك أن يكون صانع العالم موجبا ولم يبق بعد ذلك إلا أن يكون مختاراً له صفة القادرين.وإذا ثبت كونه قادراً وجب أن يكون حياً موجوداً ، لأن من المعلوم أن القادر لا يكون إلا كذلك ، فثبت أنه تعالى قادر حي موجود ([4]).

وقد كفَّر العلماء بعض الفلاسفة القائلين بقدم العالم وسلب الإرادة عن الخالق عز وجل بسبب عدم إمكان تخلف المعلول عن علته. 

والسيد الخوئي له كلام في لزوم معية المعلول للخالق تعالى (الشيء ما لم يجب لم يوجد)  يمكن تلخيصه في ثلاث نقاط :

النقطة الأولى : إن الشيء ما لم يجب لم يوجد ، أو إن الشيء ما لم يوجد لم يجب . وهذه القاعدة قد ذكرها الفلاسفة في باب لزوم معية المعلول ، وهي من الأصول الموضوعة عندهم في الفلسفة العالية وغيرها من أبواب الفلسفة .

النقطة الثانية : الذي ظهر لنا في معنى أصل القاعدة من كلماتهم : أن تكوّن كل شيء وتحصله في الأعيان أو الأذهان فرع تمامية علته بما لها من الأجزاء والشرائط وارتفاع الموانع، وعند ذلك يجب وجود المعلول ، فوجود كل شيء مسبوق بضرورة سابقة وتعين وجوبي في مرتبة علته.

النقطة الثالثة : ومما ذكرنا بطل قول من زعم قدم العالم ، بدعوى أنه يستحيل تخلف المعلول عن علته التامة ،وأن المفروض أنه لا علة غيره تعالى، وهو قديم ، فالعالم يلزم أن يكون قديماً . والجواب : أن لا علية في ذلك المقام الشامخ ولا اضطرار فيه إلى إيجاد فعلٍ ما وإنما هو تحت إرادته وسلطانه ، فمتى شاء إيجاد فعل حسب ما تقتضيه الحكمة الإلهية أوجده ، ومتى لم يشأ لم يوجده([5]).

ووُجِّه سؤالٌ للشيخ جواد التبريزي : هل الكون (الإمكاني) ما سوى (الله سبحانه) مسبوق بالعدم ، إذا كان الجواب نعم ، فيأتي سؤال : أين قدم الفيض (أي لا بخل في ساحته سبحانه) وأين قولهم إن ذاته تعالى – علة تامة – والمعلول لا يتخلف عن علته ، وإذا كان الجواب لا ، وليس مسبوقا بالعدم ، فما معنى الرواية المتقدمة ، ومعنى أنه تعالى مختص بالقدم ، وما معنى أن الله خلقه ، إذا كان الكون غير مسبوق بالعدم ، وهل توافقون أن ذاته – سبحانه – علة تامة ، لا يتخلف عنها معلولها ، أوليس هذا جبر (وهم يسمونه جبرا فلسفيا) حيث قالوا : (الشيء ما لم يجب لم يوجد) ؟

فأجاب : أما مسألة العلة والمعلول فهو غير صحيح ، فإن الله سبحانه فاعل ومكون للأشياء بإرادته ومشيئته ، من باب صدور الفعل عن الفاعل، ومشيئته أمر حادث كما يستفاد ذلك من الروايات ، نعم العلم بمشيئته الحادثة أزلي ، لأنه عين القدرة ، كما ذكرنا ، وأن المقام يقتضي بسط في المقال ، لا يسعه المجال،والله العالم([6]).

والقول بقدم العالم نشأ بعد أرسطاطاليس كما يقول ملا صدرا : (القول بقدم العالم إنما نشأ بعد الفيلسوف الأعظم أرسطاطاليس)([7]).

 المعلول في علم الكلام :

إن قانون العلة والمعلول في علم الكلام معناه أن وجود المعلول يدل ويلزم منه وجود علته وعدم إمكان تحققه من غيرها لا أن المعلول يجب حين وجود علته بالاضطرار ويستحيل التخلف عنها.

وبسبب المعنى الفلسفي للعلة والمعلول نفى بعضهم قانون العلية وقالوا يحمل لوازم فاسدة لا يمكن الالتزام بها مع أن تلك المعاني تلزم حسب المراد الفلسفي دون المعنى الكلامي .  

والمعلول الفلسفي له صلة في بحث : (قدم العالم) الذي يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) مجلي مرآة المنجي،ج1،ص413.

[2] ) مجلي مرآة المنجي،ج1،ص413.

[3] ) التعليقات،ص100.

[4] ) الاقتصاد ،ص27.

[5] ) انظر مجمع الرسائل،ج49،رسالة الأمر بين الأمرين،ص10ـ14.

[6] ) صراط النجاة،ج2،ص565.

[7] ) رسالة في الحدوث،ص15.

 

Comments (0)
Add Comment