الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي (29) قدم العالم

الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي (29) قدم العالم

إن مما ذكره ابن أبي جمهور في إثبات المعلول الفلسفي وقِدم العالم هو قوله: (إيجاب صدورها عنه يقتضي المقارنة لاستحالة تخلف المعلول عن العلة الذاتية)([1]).

ومما ذكره أيضاً في إثبات صحة ما ادعي في قِدم العالم والانتصار لقول الفلاسفة على المتكلمين : (ما نقلوه من قولهم بأنه تعالى موجب لذاته، فليس هو كما توهموه فإن الحكماء قدست أرواحهم قائلون باختيار الصانع ، ولا ينافي الاختيار الذي أثبتوه في قولهم بقدم بعض العالم بالزمان وحدوث جملته بالذات…والعلة التامة لا يجوز تخلف معلولها عنها)([2]).

 

إن القول بقِدم العالم حصل فيه نزاع شديد ما بين المتكلمين والفلاسفة ، وما بين الفلاسفة أنفسهم ؛ لأنه لا حجة لكلا الطرفين من الفلاسفة ــ ضمن دائرة فلسفتهم ــ القائلين بالقدم أو الحدوث ، يقول المير داماد : (ذكر في التعليم الأول ،في فن طونيقا أن مسألة حدوث العالم وقدمه جدلية الطرفين، لفقدان الحجة البرهانية في كلا طرفيها ، فلا يصح أن يعنى بهما القدم والحدوث الذاتيان بتة ، ولا أن يتوهم أن حريم النزاع هو الحدوث الزماني)([3]). حيث لم يتفقوا جميعاً على القول بقِدم العالم وحدث فيما بينهم التراشق والطعن في الفهم والكلام كما قال صاحب الإشراق في أبي البركات (المتطبب المسمى بأبي البركات ، لما أراد أن يقول شيئا في مسألة الزمان ، جعل نصيب هذه المسألة ، من تهوراته الوسوسية ، ما قال إن الزمان هو مقدار الوجود)([4]).

ويقول المير داماد في الطعن على بعض الآراء الفلسفية في القدم الزماني : (فلو قيل : هل الزمان أو الفلك الأقصى أو العقل المفارق مثلا قديم زماني أو حادث زماني ؟ كان هذرا من القول… بل الصحيح أن يقال : هل شيء من ذلك قديم دهري أو حادث دهري ؟)([5]).

ومن الفلاسفة من أبدى عجزه عن القول بحدوث العالم وقِدمه كما نقل ملا صدرا : (فمن العقلاء المدققين والفضلاء المناظرين من اعترف بالعجز عن هذا الشأن من إثبات الحدوث للعالم بالبرهان ، قائلاً : العمدة في ذلك الحديث المشهور والإجماع من المليين)([6]).

وهي من المعتقدات التي بسببها كفر العلماء الفلاسفة المعتقدين بها ؛ ولهذا كان من الفلاسفة أن لا يعرب عن مراده بشكل واضح لاسيما في العقود المتأخرة  .

نقد العلماء لقدم العالم

إن القول بحدوث العالم والطعن على من قال بقدمه محل إجماع لدى العلماء إلا من كان ذا مشرب فلسفي وقال بالقدم ؛ فمن ضمن ذم العلماء للقول بقدم العالم وإبطاله ما ذكره الشيخ المفيد : (قال السائل : اعترض فلسفي فقال : إذا قلتم إن الله وحده لا شيء كان معه ، فالأشياء المحدثة من أي شيء كانت ؟ فقلنا له : مبتدعة لا من شيء . فقال : أحدثهما معا أو في زمان بعد زمان ؟ قال ، فإن قلتم : معا ، أوجدناكم أنها لم تكن معا وأنها حدثت شيئا بعد شيء . وإن قلتم : أحدثها في زمان بعد زمان ، فقد صار معه شريك وهو الزمان . حوادث أن يحدثها في زمان ،ولو فعل لها زماناً لما وجب بذلك قدم الزمان، إذ الزمان حركات الفلك أو ما يقوم مقامها مما هو بقدرها في التوقيت . فمن أين يجب عند هذا الفيلسوف أن يكون الزمان قديماً إذا لم توجد الأشياء ضربة واحدة ، لولا أنه لا يعقل معنى الزمان ؟ والجواب – وبالله التوفيق – : أن الله  لم يزل واحداً لا شيء معه ولا ثاني له، وأنه ابتدأ ما أحدثه في غير زمان . وليس يجب إذا أحدث بعد الأول حوادث أن يحدثها في زمان ،ولو فعل لها زماناً لما وجب بذلك قدم الزمان، إذ الزمان حركات الفلك أو ما يقوم مقامها مما هو بقدرها في التوقيت . فمن أين يجب عند هذا الفيلسوف أن يكون الزمان قديماً إذا لم توجد الأشياء ضربة واحدة ، لولا أنه لا يعقل معنى الزمان)([7]).

واستدل الشريف المرتضى  في الدلالة على أنه تعالى واحد لا ثاني له في القدم:(الذي يدل على ذلك أنه لو شاركه مشارك في القدم لوجب أن يكون مثلاً له ، ومستحقاً لجميع ما يستحقه من الصفات النفسية ، وذلك يقتضي كونه قادراً لذاته ، والاشتراك في كونهما قادرين لذاتهما ، ينقض حكم كون القادر قادراً ؛ لأن حكم كل قادر صحة التمانع بينه وبين غيره من القادرين، وإذا كانا قادرين للنفس لم يجز أن يتمانعا ؛ لأن أحدهما إذا أراد أن يفعل ضد ما يفعله الآخر ، لم يخل من أن يوجد المراد أو أن يرتفعا أو يوجد أحدهما ، وفي الأول وجود الضدين وفي الثاني وجود ضعفهما وتناهي مقدورهما ، وإخراجهما من أن يكونا قادرين لأنفسهما ، وفي الثالث وجود ضعف الرأي لم يوجد مراده وتناهي مقدوره ، وذلك يقتضي كونه قادراً بقدرة وأنه جسم محدث فوجب نفي ثان في القدم لفساد ما يؤدي إليه)([8]).

ويقول الشيخ الطوسي في أنه تعالى واحد لا ثاني له في القدم : (لو كان مع الله تعالى قديم ثان لوجب أن يكون مشاركاً له في جميع صفاته ، لمشاركته له في القدم التي هي صفة ذاته التي باين بها جميع الموجودات لأن جميع أوصافه – من كونه عالماً وقادراً وحياً وموجوداً ومريداً وكارهاً ومدركاً – يشاركه غيره من المحدثات قديماً ولا يشاركه في القدم ، فبان أنه يكون قديماً يخالف المحدثات . والشيء إنما يخالف غيره بصفته الذاتية وبها يتماثل ما تماثله ، كما أن ما شارك السواد في كونه سواداً ويخالف غير السواد من أن السواد يخالف البياض والحموضة وغيرهما أيضا بكونه سواداً ويشارك سواداً آخر بكونه سواداً ، فعلم بذلك أن الاشتراك في صفة الذات يوجب التماثل ، وكان يجب من ذلك مشاركة القديمين في كونهما قادرين عالمين حيين وفي جميع صفاتهما … فإذا ثبت ذلك بطل إثبات قديمين ، وإذا بطل وجود قديمين بطل قول الثنوية القائلين بالنور والظلمة ، وبطل قول المجوس القائلين بالله والشيطان وبطل قول النصارى القائلين بالتثليث)([9]).

الخواجة الطوسي : (الحق أن الباري تعالى ليس بزماني ، والزمان من مبدعاته ؛ والوهم يقيس ما لا يكون في الزمان على ما في الزمان ، كما مر في المكان ، والعقل كما يأبى عن إطلاق التقدم المكاني على الباري كذلك يأبى عن إطلاق التقدم الزماني عليه ، بل ينبغي أن يقال : إن للباري تعالى تقدّما خارجاً عن القسمين ، وإن كان كل الموجودات)([10]).

العلامة المجلسي  : (اعلم أن المقصود الأصلي من هذا الباب أعني حدوث العالم لما كان من أعظم الأصول الإسلامية لاسيما الفرقة الناجية الإمامية وكان في قديم الزمان لا ينسب القول بالقدم إلا إلى الدهرية والملاحدة والفلاسفة المنكرين لجميع الأديان ولذا لم يورد الكليني  وبعض المحدثين لذلك باباً مفرداً في كتبهم ، بل أوردوا في باب حدوث العالم أخبار إثبات الصانع تعالى اتكالاً على أن بعد الإقرار بالحق جل وعلا ، لا مجال للقول بالقدم ، لاتفاق أرباب الملل عليه وفي قريب من عصرنا لما ولع الناس بمطالعة كتب المتفلسفين ، ورغبوا عن الخوض في الكتاب والسنة وأخبار أئمة الدين ، وصار بعد العهد عن أعصارهم عليهم السلام سببا لهجر آثارهم ، وطمس أنوارهم ، واختلطت الحقائق الشرعية بالمصطلحات الفلسفية صارت هذه المسألة معترك الآراء ومصطدم الأهواء ، فمال كثير من المتسمين بالعلم المنتحلين للدين ، إلى شبهات المضلين ، وروجوها بين المسلمين فضلوا وأضلوا ، وطعنوا على أتباع الشريعة حتى ملوا وقلوا ، حتى إن بعض المعاصرين منهم يمضغون بألسنتهم ، ويسودون الأوراق بأقلامهم أن ليس في الحدوث إلا خبر واحد هو : (كان الله ولم يكن معه شيء) ثم يؤولونه بما يوافق آراءهم الفاسدة ، فلذا أوردت في هذا الباب أكثر الآيات والأخبار المزيحة للشك والارتياب ،وقفيتها بمقاصد أنيقة، ومباحث دقيقة ، تأتي بنيان شبههم من قواعدها وتهزم جنود شكوكهم من مراصدها ، تشييدا لقواعد الدين ، وتجنبا من مساخط رب العالمين ، كما روي عن سيد المرسلينصلى الله عليه وآله : إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه ، وإلا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)([11]).

والشيخ الأنصاري يرى القول بقدم العالم شبهة مقابلة البديهي حيث قال في بحث القطع : (كلما حصل القطع من دليل نقلي مثل القطع الحاصل من إجماع جميع الشرائع على حدوث العالم زماناً فلا يجوز أن يحصل القطع على خلافه من دليل عقلي مثل استحالة تخلف الأثر عن المؤثر ولو حصل منه صورة برهان كانت شبهة في مقابلة البديهة)([12]).

تكفير العلماء لمن قال بقدم العالم

إن الكثير من العلماء على مر العصور قد كفروا المعتقدين بقدم العالم أقتصرُ على نقل ثلة من أقوالهم توخياً للاختصار :

يقول الشيخ الصدوق : (الدليل على أن الله عز وجل عالم حي قادر لنفسه لا بعلم وقدرة وحياة هو غيره أنه لو كان عالما بعلم لم يخل علمه من أحد أمرين أما أن يكون قديماً أو حادثاً ، فإن كان حادثاً فهو جل ثناؤه قبل حدوث العلم غير عالم ، وهذا من صفات النقص ، وكل منقوص محدث بما قدمنا ، وإن كان قديماً وجب أن يكون غير الله قديماً وهذا كفر بالإجماع)([13]).

وسأل السيد المهنا العلامة الحلي قائلاً : ما يقول سيدنا في من يعتقد التوحيد والعدل والنبوة والإمامة لكنه يقول بقدم العالم ، ما يكون حكمه في الدنيا والآخرة . بين لنا ذلك أدام اللَّه سعدك وأهلك ضدك .

فأجاب العلامة الحلي : من اعتقد قدم العالم فهو كافر بلا خلاف ، لأن الفارق بين المسلم والكافر ذلك ، وحكمه في الآخرة حكم باقي الكفار بالإجماع([14]).

القاضي سعيد القمي : (من ضروريات المذهب المنسوب إليهم حدوث العالم بمعنى كونه مسبوقاً بالعدم الصريح الذي هو غير العدم الذاتي الذي للمكن قبل وجوده وحين وجوده ؛ وأنت بالخيار في توهمك ذلك العدم في زمان موهوم وتسمية به ، فإنه لا طائل في تلك الوهميات ، فإن للوهم سلطاناً على كل شيء لكن إياك أن تقول بانتزاعه من ذات الواحد الحق أو بقائه فإنه كفر غير خفي)([15]).

العلامة المجلسي : (لابد من الاعتقاد بأن كل ما سوى الله تعالى ينتهي وينقطع زمان وجوده في الأزل إلى حد وأمد ، ولكن الله تعالى قديم وليس لوجوده بداية ولا نهاية ، وحدوث العالم بهذا المعنى مما أجمع عليه أهل الأديان كافة ، وهو قول كل طائفة دانت بدين وآمنت برسول ، ودلت على هذا آيات كثيرة وروايات متواترة . ولكن جمعاً من الحكماء الذين لم يؤمنوا بنبي وما تدينوا بدين وجعلوا مدار الأمور على عقولهم الناقصة قالوا : بقدم العالم ، وبالعقول القديمة ، وقدم الأفلاك ، وهيولي العناصر وهذا كفر صريح مع أنه مستلزم لتكذيب الأنبياء وإنكار كثير من الآيات القرآنية لقولهم بأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه)([16]).

الشيخ جعفر كاشف الغطاء : (ما يترتب عليه الكفر بطريق الاستلزام كإنكار بعض الضروريات الإسلامية ، والمتواترات عن سيد البرية ، كالقول بالجبر والتفويض والإرجاء ، والوعد والوعيد ، وقِدَم العالم ، وقِدَم المجردات ، والتجسيم ، والتشبيه بالحقيقة ، والحلول والاتحاد ، ووحدة الوجود أو الموجود أو الاتحاد)([17]).

والشيخ محمد حسن صاحب الجواهر عند تعداد كتب الضلال قال : (ككتب القدماء من الحكماء القائلين بقدم العالم وعدم المعاد)([18]).

الأحاديث تبطل قدم العالم

إن الأحاديث التي تبطل قدم العالم كثيرة جداً تصل إلى مائتين حديث كما أشار إلى ذلك العلامة المجلسي في كتاب حق اليقين وهذا ما ترجمته : (ليس لله تعالى في القدم شريك ، وكل ما سوى الله تعالى حادث ، وعلى هذا اتفق جميع أرباب الملل ، وإن كان الحكماء أطلقوا الحدوث والقدم على معان أما الذي اتفق عليه أرباب الملل هو أن ما سوى الله تعالى مبتدأ له أول ، وينتهي وينقطع أزمنة وجودها في الأزل إلى حد ، وليس موجود أزلي غيره تعالى ، فإن ذلك مما أطبق عليه المليون ودلت عليه الآيات المتكاثرة والأحاديث المتواترة الصريحة في ذلك . وقد أوردت في كتاب بحار الأنوار ما يقرب من مئتي حديث في هذا الباب من الخاصة والعامة ، مع ما أقمت من أدلة عقلية وما أجبت به عن شبهات فلسفية . وقد ورد في الأحاديث المعتبرة بأن من اعتقد بقديم غير الله تعالى فهو كافر)([19]).

ومن ضمن تلك الأحاديث ما رواه الشيخ الطبرسي في الاحتجاج : أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على الدهرية فقال : وأنتم فما الذي دعاكم إلى القول بأن الأشياء لا بدو لها وهي دائمة لم تزل ولا تزال ؟

فقالوا : لأنا لا نحكم إلا بما نشاهد ولم نجد للأشياء حدثاً فحكمناً بأنها لم تزل ، ولم نجد لها انقضاء وفناء فحكمنا بأنها لا تزال .

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أفوجدتم لها قدما أم وجدتم لها بقاءً أبد الآبد . فإن قلتم إنكم وجدتم ذلك أنهضتم لأنفسكم أنكم لم تزالوا على هيئتكم وعقولكم بلا نهاية ولا تزالون كذلك ، ولإن قلتم هذا دفعتم العيان وكذبكم العالمون والذين يشاهدونكم .

قالوا : بل لم نشاهد لها قدماً ولا بقاءً أبد الآبد .

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائماً لأنكم لم تشاهدوا حدوثها ، وانقضاؤها أولى من تارك التميز لها مثلكم ، فيحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع لأنه لم يشاهد لها قدماً ولا بقاءً أبد الآبد ، أو لستم تشاهدون الليل والنهار وأحدهما بعد الآخر ؟

فقالوا : نعم .

فقال ص : أترونهما لم يزالا ولا يزالان ؟

فقالوا : نعم .

فقال ص : أفيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار ؟

فقالوا : لا .

فقال ص فإذا منقطع أحدهما عن الآخر فيسبق أحدهما ويكون الثاني جارياً بعده .

قالوا : كذلك هو .

فقال ص : قد حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل ونهار لم تشاهدوهما فلا تنكروا لله قدرته .

ثم قال ص : أتقولون ما قبلكم من الليل والنهار متناه أم غير متناه ، فإن قلتم إنه غير متناه فقد وصل إليكم آخر بلا نهاية لأوله ، وإن قلتم متناه فقد كان ولا شيء

منهما .

قالوا نعم .

قال ص لهم : أقلتم إن العالم قديم غير محدث وأنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به وبمعنى ما جحدتموه ؟

قالوا : نعم .

قال رسول اللهص : فهذا الذي تشاهدونه من الأشياء بعضها إلى بعض يفتقر لأنه لا قوام للبعض إلا بما يتصل به ، كما نرى البناء محتاجاً بعض أجزائه إلى بعض وإلا لم يتسق ولم يستحكم وكذلك سائر ما نرى.

وقال ص أيضا([20]) : فإذا كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض لقوته وتمامه هو القديم فأخبروني أن لو كان محدثاً كيف كان يكون وماذا كانت تكون صفته؟

قال : فبهتوا وعلموا أنهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها إلا وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنه قديم ، فوجموا وقالوا : سننظر في أمرنا([21]).

عن أمير المؤمنين × : (الحمد لله الواحد الأحد الصمد المتفرد الذي لا من شيء كان ، ولا من شيء… ولا يتكأده صنع شيء كان ، إنما قال لما شاء : كن فكان ، ابتدع ما خلق بلا مثال سبق ولا تعب ولا نصب وكل صانع شيء فمن شيء صنع والله لا من شيء صنع ما خلق خلق ما كان)([22]).

عن الإمام الباقر عليه السلام : (كان الله ولا شيء غيره ولم يزل عالما بما يكون ، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه)([23]).

عن الإمام الصادق عليه السلام : (الحمد لله الذي كان قبل أن يكون كان لم يوجد لوصفه كان بل كان أزلاً كائناً لم يكونه مكون ، جل ثناؤه ، بل كون الأشياء قبل كونها فكانت كما كونها ، علم ما كان وما هو كائن ، كان إذ لم يكن شيء ولم ينطق فيه ناطق فكان إذ لا كان)([24]).

عن الإمام الرضا عليه السلام : (الحمد لله فاطر الأشياء إنشاء ، ومبتدعها ابتداعاً بقدرته وحكمته ، لا من شيء فيبطل الاختراع ولا لعلة فلا يصح الابتداع ، خلق ما شاء كيف شاء ، متوحداً بذلك لإظهار حكمته وحقيقة ربوبيته)([25]).

وعنه عليه السلام : (إن الله تبارك وتعالى قديم ، والقدم صفة دلت العاقل على أنه لا شيء قبله ولا شيء معه في ديموميته ، فقد بان لنا بإقرار العامة مع معجزة الصفة لا شيء قبل الله ولا شيء مع الله في بقائه وبطل قول من زعم أنه كان قبله أو كان معه شيء وذلك أنه لو كان معه شيء فبقاؤه لم يجز أن يكون خالقا له لأنه لم يزل معه : فكيف يكون خالقا لمن لم يزل معه ، ولو كان قبله شيء كان الأول ذلك الشيء لا هذا ، وكان الأول أولى بأن يكون خالقا للأول الثاني)([26]).

وقال عمران الصابئ للإمام الرضا عليه السلام : أخبرني عن الكائن الأول وعما خلق ، قال عليه السلام : سألت فافهم ، أما الواحد فلم يزل واحداً كائناً لا شيء معه بلا حدود ولا أعراض ولا يزال كذلك ، ثم خلق خلقاً مبتدعاً مختلفاً بأعراض وحدود مختلفة لا في شيء أقامه ولا في شيء حده ولا على شيء حذاه ولا مثله له…إلى أن قال عمران : يا سيدي ألا تخبرني عن الله هل يوحد بحقيقة أو يوحد بوصف ؟ قال الرضا عليه السلام : إن الله المبدئ الواحد الكائن الأول لم يزل واحداً لا شيء معه ، فردا لا ثاني معه ، لا معلوماً ولا مجهولاً ولا محكماً ولا متشابهاً ولا مذكوراً ولا منسياً ، ولا شيئاً يقع عليه اسم شيء من الأشياء غيره ، ولا من وقت كان ولا إلى وقت يكون ، ولا بشيء قام ، ولا إلى شيء يقوم ، ولا إلى شيء استند ، ولا في شيء استكن وذلك كله قبل الخلق إذ لا شيء غيره وما أوقعت عليه من الكل فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم([27]).

وعن علي بن مهزيار ، قال : كتب أبو جعفر ــ أي الإمام الجواد ــ عليه السلام إلى رجل بخطه وقرأته في دعاء كتب به أن يقول : (يا ذا الذي كان قبل كل شيء، ثم خلق كل شيء ، ثم يبقى ويفنى كل شيء ، ويا ذا الذي ليس في السماوات العلى ولا في الأرضين السفلى ولا فوقهن ولا بينهن ولا تحتهن إله يعبد غيره)([28]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) مجلي مرآة المنجي،ج2،ص54.

[2] ) مجلي مرآة المنجي،ج1،ص411.

[3] ) القبسات،ص2.

[4] ) نقلَ كلام صاحب الإشراق المير داماد في القبسات،ص11 . أبو البركات هبة اللّه بن علي بن ملكا البغدادي المولود سنة 480 هجرية والمتوفى سنة 560 هجرية ، كان طبيباً سكن بغداد وعرف بفيلسوف العراقيين ، ولقب بأوحد الزمان ، كان يهودياً فأسلم ، وكان في خدمة المستنجد باللّه العباسي ، له كتاب : (اختصار التشريح من كلام جالينوس) بالإضافة إلى كتاب المعتبر في الحكمة وغيره .ريحانة الأدب،7،ص30.

[5] ) القبسات،ص18.

[6] ) رسالة في الحدوث،ص9.

[7] ) المسائل العبكرية،ص65.

[8] ) الملخص في أصول الدين،ج2،ص10.

[9] ) الاقتصاد،ص44.

[10] ) تلخيص المحصل المعروف بنقد المحصل،ص252.

[11] ) بحار الأنوار،ج54،ص233.

[12] ) فرائد الأصول،ج1،ص18.

[13] ) توحيد الصدوق،ص223.

[14] ) أجوبة المسائل المهنائية،ص88.

[15] ) شرح الأربعين،ص487.

[16] ) عين الحياة  : الأصل الرابع في حدوث العالم .

[17] ) كشف الغطاء،ج2،ص356.

[18] ) جواهر الكلام،ص22،ص95.

[19] ) حق اليقين،ص15.

[20] ) هذه تتمة الخبر كما هو مروي وليس خبراً مستقلاً.

[21] ) الاحتجاج،ج1،ص20.

[22] ) أصول الكافي،ج1،ص134.

[23] ) أصول الكافي،ج1،ص107.

[24] ) توحيد الصدوق،ص60.

[25] ) أصول الكافي،ج1،ص105.

[26] ) توحيد الصدوق،ص186.

[27] ) توحيد الصدوق،ص430.

[28] ) توحيد الصدوق،ص47.

Comments (0)
Add Comment