(80) س : ما هو محتوى كتاب (أصول المعارف) للفيض الكاشاني ؟
ج : إن الفيض الكاشاني لخص كتاب (أصول المعارف) من كتابه (عين اليقين) ، وحاول الجمع فيه والتوفيق ما بين الأخبار وكلمات الفلاسفة كما يقول آغا بزرك الطهراني : (أصول المعارف للمحدث المحقق الفيض المولى محسن بن شاه مرتضى الكاشاني المتوفى سنة 1091 ، لخصه من كتابه عين اليقين فيما يقرب من أربعة آلاف بيت[1] أوله (الحمد لله على حسن توفيقه) رتبه على عشرة أبواب ذوات فصول . ذكر في أوله أن فيه الجمع والتوفيق بين كلمات الحكماء ومرادات الأخبار وفيه بيان متشابهات كلماتهم . وفرغ منه سنة 1089)([2]).
إن أول من حاول التوفيق بين الدين والفلسفة([3]) هو يعقوب بن إسحاق الكندي (ت:252هـ) تخفيفاً للموقف الإسلامي الناقم على الفلسفة ، وهذا التوفيق جعل غير المدرك لحقيقة الأمر يتوهم أن ثمة فلسفة إسلامية في البين !
وقد كانت توفيقات الكندي محل استياء واعتراض العلماء والأوساط العلمية بصورة عامة حتى أن الشاعر أبا العباس الناشئ رد عليه بقصيدة من جملة ما جاء فيها :
| أبا يوسف إني نظرت فلم أجد | على الفحْص رأيا صح منك ولا عقدا |
|
| وصرت حكيما عند قوم إذا امرؤ |
بلاهم جميعا لم يجد عندهم عندا
|
|
| أتقْرنُ إلحادا بدين محمد | لقد جئت شيئا يا أخا كندةٍ إدَّا | |
| وتخلط يوناناً بقحطان ضلَّة | لعمري لقد باعَدْت بينهما جدا([4]) |
وخطى الكندي سار عليها من العامة الفخر الرازي (ت:606هـ) ورام التوفيق بين الدين والفلسفة في تفسيره . ولكن المباينة بينهما كانت واضحة للعلماء وكان من السيوطي أن يقول متحدثاً عن الرازي : (قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة وشبهها ، وخرج من شيء إلى شيء حتى يقضي الناظر العجب من عدم مطابقة المورد للآية ، وقال أبو حيان في البحر([5]) : جمع الإمام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير ، ولذلك قال بعض العلماء : فيه كل شيء إلا التفسير)([6]).
وأيضا يقول أبو حيان في الفخر الرازي وتفسيره : (هذا الرجل كثيراً ما يورد كلام الفلاسفة وهم مباينون لأهل الشرائع في تفسير كلام الله تعالى المنزل بلغة العرب ، والعرب لا تفهم شيئاً من مفاهيم أهل الفلسفة ، فتفسيرهم كاللغز والأحاجي ، ويسميهم هذا الرجل حكماء ، وهم من أجهل الكفرة بالله تعالى وبأنبيائه)([7]).
وفي الوسط الشيعي رام السيد حيدر الآملي موافقة الدين للفلسفة والتصوف في كتبه ، وتبعه على ذلك ملا صدرا حتى جعل كتبه الفلسفية شرحاً للدين وكتبه الدينية شرحاً للفلسفة كما فعل في شرحه لأصول الكافي، وفعله هذا للعبث والهزل أقرب من الجد والعمل حتى كانت كتبه محل سخط واحتدام العلماء : يقول الخوانساري :(أوجب ذلك سوء ظن جماعة من الفقهاء الأعلام به وبكتبه بل فتوى طائفة بكفره فمنهم من ذكر في وصف شرحه على الأصول : شروح الكافي كثيرة جليلة قدرا وأول من شرحه بالكفر صدرا هذا)([8]).
إن التوفيق ما بين الدين والفلسفات الأخرى الذي رام إليه الفيض الكاشاني وغيره لا يعدو عن كونه تأويل النصوص واجترارها بغير حق . لكي تتوافق مع تلك الفلسفات . ومحاولة لإضفاء القبول والشرعية لتلك الفلسفات الدخيلة على الدين وقد تعبوا وما أغنوا ونصبوا وما أجدوا كما قال الشيخ أبو سليمان محمد بن بهرام ([9]).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) أي حجم الكتاب يقرب من أربعة آلاف بيت.
[2] ) الذريعة،ج2،ص212.
[3] ) الكندي له واحد وثلاثون كتاباً في دلالة علوم الفلسفة على الإسلام وعلوم النبوة كما ذكر السيد ابن طاووس في فرج المهموم متحدثاً عما نقله ابن النديم : (ذكر محمد بن إسحاق النديم في الجزء الرابع من الفهرست نسب الكندي وأنه من ولد محمد بن الأشعث بن قيس . وقال : إنه فاضل دهره في علومه ، واحد عصره في نجومه ، ثم ذكر له أحد وثلاثين كتاباً ورسالة في دلالة علوم الفلاسفة على مذهب الإسلام وعلوم النبوة).فرج المهموم،ص128.
وعلى ما يبدو أن السيد ابن طاووس استشف من الكتب التي ذكرها ابن النديم أحد وثلاثين كتاباً ورسالة في دلالة علوم الفلاسفة على الإسلام ؛ لأنه لا يوجد نص صريح لابن النديم في الفهرست لهذه العبارة.
ويقول البيهقي : (يعقوب بن إسحاق الكندي كان مهندسا خائضا غمرات العلم ، وله تصانيف كثيرة ، وقد جمع في بعض تصانيفه بين أصول الشرع وأصول المعقولات).تاريخ حكماء الإسلام،ص41
[4] ) مروج الذهب،ج1ص٣٢٣.
[5] ) يقصد البحر المحيط في التفسير . وهذا نص ما ذكره أبو حيان الأندلسي : (نخرج عن طريقة التفسير ، كما فعله أبو عبد اللّه محمد بن عمر الرازي ، المعروف بابن خطيب الري ، فإنه جمع في كتابه في التفسير أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير).البحر المحيط،ج1،ص547.
[6] ) الإتقان في علوم القرآن،ج2،ص475.
[7] ) البحر المحيط،ج6،ص425.
[8] ) روضات الجنات،ج4،ص121.
[9] ) يقول الصفدي (ت:764هـ) : زيد بن عبد الله بن رفاعة الهاشم أبو الخير أحد الأدباء العلماء الفضلاء كان معاصر الصاحب بن عباد قال ياقوت وكان يعتقد رأي الفلاسفة ذكروا عنه أنه قال متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال.أقام بالبصرة زماناً طويلاً وصادف بها جماعة جامعة لأصناف العلم منهم أبو سليمان محمد بن مسعر البستي ويعرف بالمقدسي وأبو الحسن علي بن هارون الريحاني وأبو أحمد النهرجوري والعوفي وغيرهم فصحبهم وخدمهم وكانت هذه الجماعة قد تألفت بالعشرة وتصافت بالصداقة فوضعوا بينهم مذهباً وزعموا أنهم قد قربوا به من الطريق إلى الفوز برضوان الله والمصير إلى جنته وقالوا إن الشريعة قد دنست بالجهالات واختلطت بالضلالات ولا سبيل إلى عملهم وتطهيرها إلا بالفلسفة لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية والمصلحة الاجتهادية وصنفوا خمسين رسالة في جميع أجزاء الفلسفة علمها وعملها وسموها رسائل إخوان الصفاء وكتموا أسماءهم وبثوها في الوراقين ووهبوها للناس وادعوا أنهم ما فعلوا ذلك إلا ابتغاء وجه الله وطلب رضوانه وحملت هذه الرسائل إلى الشيخ أبي سليمان محمد بن بهرام المنطقي السجستاني فنظر فيها أياما وتبحر فيها دهراً طويلاً وقال تعبوا وما أغنوا ونصبوا وما أجدوا وحاموا وما وردوا وغنوا وما أطربوا ظنوا ما لم يكن ولا يكون ولا يستطاع ظنوا أنهم يدسون الفلسفة التي هي علم النجوم والأفلاك والمقادير والمجسطي وآثار الطبيعة والموسيقى الذي هو علم معرفة النغم والإيقاع والنقرات والأوزان والمنطق الذي هو اعتبار الأقوال بالإضافات والكميات والكيفيات وأن يطفئوا الشريعة بالفلسفة وقد رام هذا قبلهم قوم كانوا أحد أنياباً وأحضر أسباباً وأعظم قدراً فلم يتم لهم ما أرادوا ولا بلغوا ما أملوه وحصلوا على لوثات قبيحة وعواقب محزنة.الوافي بالوفيات،ج15،ص30.