الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي (33)
الفناء والبقاء
عنون أحد عناوين المجلي بـ : (البقاء بعد الفناء) وقال فيه : (ليس وراء هذه الدرجة إلا درجة البقاء به بعد الفناء فيه ، وهو عبارة عن الانغماس والانطماس في الأنوار السبحانية والسير في تلك الفلوات والتنزه في حظائر القدس لا إلى نهاية . وهذا مقام عظيم شريف لا يصل إليه إلا الأفراد من الأنبياء والأولياء ، وقد يُعبرون عنه بمقام الطمس، والمشهور بينهم أنه مقام البقاء بعد الفناء وهو المشار إليه بقولهم: ليس وراء عبادان قرية)([1]).
إن البقاء بعد الفناء من اصطلاحات الصوفية وهو ما يصطلحون عليه بالسفر الرابع من أسفارهم الأربعة ؛ يقول عبد الرزاق الكاشاني في اصطلاحات الصوفية : (الأسفار أربعة ؛ الأول : هو السير إلى اللّه من منازل النفس إلى الوصول إلى الأفق المبين ، وهو نهاية مقام القلب ، ومبدأ التجليات الأسمائية . الثاني : هو السير في اللّه بالاتصاف بصفاته ، والتحقق بأسمائه إلى الأفق الأعلى ونهاية الحضرة الواحدية . الثالث : هو الترقي إلى عين الجمع والحضرة الأحدية وهو مقام قاب قوسين ما بقيت الإثنينية فإذا ارتفعت فهو مقام أو أدنى وهو نهاية الولاية . السفر الرابع : هو السير باللّه عن اللّه للتكميل . وهو مقام البقاء بعد الفناء والفرق بعد الجمع)([2]) .
أن مصطلح الفناء في الله من مصطلحات الصوفية ويقصدون منه معاني غير صحيحة شرعاً ، أو مجرد أوهام لا يمكن للمخلوق أن يتصف بها.
والفناء من مصطلحات الصوفية المعروفة في مصنفاتهم ؛ يقول أبو حامد الغزالي (ت:505هـ) في تعريف الفناء عند الصوفية : (إن لا يرى في الوجود إلا واحداً وهي مشاهدة الصديقين ، وتسميه الصوفية الفناء في التوحيد لأنه من حيث لا يرى إلا واحداً فلا يرى نفسه أيضاً . وإذا لم ير نفسه لكونه مستغرقاً بالتوحيد كان فانياً عن نفسه في توحيده ، بمعنى أنه فني عن رؤية نفسه والخلق)([3]).
والسهروردي (ت:632هـ) في عوارفه قسَّم الفناء إلى قسمين : (قد يسمى ترك الاختيار والوقوف مع فعل الله فناء يعنون به فناء الإرادة ، والهوى والإرادة ألطف أقسام الهوى ، وهذا الفناء هو الفناء الظاهر ،أما الفناء الباطن فهو محو آثار الوجود عند لمعان نور الشهود ، يكون في تجلي الذات)([4]).
ويقول القيصري (ت:751هـ) في بيان الفناء عند شرح الفصوص : (المراد منه فناء جهة البشرية في الجهة الربوبية إذ لكل عبد جهة من الحضرة الإلهية)([5]).
وعبد الرزاق الكاشاني في اصطلاحات الصوفية أشار إلى خصائص الفناء : (بزوال الرسوم جميعاً بالكلية في عين الذات الأحدية مع ارتفاع الاثنينية وهو مقام المحبوبية)([6]).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) مجلي مرآة المنجي،ج5،ص1763.
[2] ) اصطلاحات الصوفية،ص36.
[3] ) إحياء علوم الدين،ج13،ص158.
[4] ) عوارف المعارف،ص170.
[5] ) مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم،ص146.
[6] ) اصطلاحات الصوفية،ص365.