(14) س : هل كتب نظرية المعرفة من أصداء ردود الأفعال على التجربة؟
ج : إن أصحاب التجريبية لا يذعنون بوجود شيء لم تثبته التجربة سواء كان ذلك متعلقاً في مجال علم من العلوم ، أم في الإذعان بوجود الخالق والاعتقاد بوجوده ، واقتصرت معرفتهم على الحس والتجربة المادية ؛ ولهذا رفضوا الفلسفة وقالوا في نقدها أنها مجرد آراء وأفكار لم تثبُت صحتها وواقعيتها. وقد ولدت نظرتهم هذه إزاء الفلسفة ردود الأفعال عند أصحاب الفلسفة ، وكرسوا كل ما يمتلكون من أدوات ومعرفة في صد السهام القاتلة التي وجهتها إليهم النزعة التجريبية.
وقد كان من أبرز الكتب وفي مقدمتها مما صنف في نقض الرؤية التجريبية اتجاه الفلسفة في الوسط الشيعي ، هو ما كتبه السيد الطباطبائي في (أصول الفلسفة) ، ولم يكن النقض فيه على الرؤية التجريبية من خلال المتبنيات الفلسفية ، وإنما من خلال الرؤية العقلية ، وما تدفع إليه من تحليلات تصب في معرفة حقائق الموجودات.
وقد كان لـ (أصول الفلسفة) الجذوة الكبرى لمن كتب بعده في هذا المجال سواء عُنون الكتاب بـ (نظرية المعرفة) كما فعل بعضهم ، أو لم يعنون مثل كتاب (فلسفتنا) ، وهو أيضاً اعتمد الجانب التحليل العقلي في مناقشة الآراء ودحضها ، ولم يعتمد المتبنيات الفلسفية كما توهم الكثيرون ذلك.
وقد حاول السيد محمد باقر الصدر انتقاد التجربة والتقليل من أهميتها عندما قال في (فلسفتنا) : إن التجربة لا يمكنها أن تفيد معنًى كلياً إلا في ظل مبدأ العلية ، إلا أنه في كتاب : (الأسس المنطقية للاستقراء) تغير رأيه ورفع اليد عنها ، وقال بإثبات العام في العلوم التجريبية بمعزل على مبدأ العلية الذي يفيد كبرى عقلية ، كما تقدم بيان ذلك عند الحديث عن طابع كتاب فلسفتنا.