الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي(36)
نقل أباطيل ابن الفارض بعنوان دقيقة شريفة
إن من تـأثَّر ابن أبي جمهور في أباطيل الصوفية إكباره لما ذكره ابن الفارض ونعته بدقيقة شريفة : (هذه دقيقة شريفة فافهمها ، وإليها أشار ابن الفارض بقوله:
ولو كنت بي من نقطة الباء خفضة…رفعت إلى ما لم تنله بحيلة
وتقديره لو كنت في الخفضة والتذلل والانكسار كالنقطة الواقعة تحت الباء التي بها يتميز العبد عن الرب لقولهم : (بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تميز العابد عن المعبود) لرفعتك إلى مرتبة لم تكن تحصلها بحيلة من حيل العلم والعمل، وهو إشارة إلى فناء العبد في الرب والبقاء به والرفعة الحاصلة له بعد انخفاضه عند عظمته، ولهذا جاء في الحديث القدسي: (أنا عند منكسرة القلوب). وعلة تشبيه هذا المعنى بالباء والنقطة قول علي عليه السلام : (أنا النقطة تحت الباء)([1]) وقول النبي صلى الله عليه وآله : ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم([2]). ولهذا قال علي عليه السلام : (لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً من باء بسم الله الرحمن الرحيم، وتكلم فيها لابن عباس من أول الليل إلى آخره وقال : يا ابن عباس لو طال الليل أطلنا لك. وذلك لأن الباء الصورية حين انخفضت عند الألف بتعينها للبائية بواسطة النقطة الحرفية فيه أعطاها الألف ارتفاعه وانحجب عن الوسط وطولها وجعلها قائماً مقامه في البسملة ؛ لعدم الابتداء بالساكن المطلق دون المتحرك المقيد. وكل عبد يصير كالباء التي هي أول التعين والتقيد بالنسبة إلى الألف التي هي كالوجود المطلق يقوم المطلق من الوسط بإضافة وجوده إليه ويتقيد بتقيده ويجعله قائما مقامه في باقي خلقه ويسميه خليفة كآدم وغيره من الأنبياء والأولياء وأمثالهم)([3]).
إن مما يدل على تأثر الأحسائي بالتصوف ورموزه هو إكباره لأباطيل الصوفية ورموزها مثل ما نقله عن ابن الفارض ، ولو لم يكن من المتأثرين في هذا الاتجاه لما جاء بما ذكره ابن الفارض . ثم نعته بما يدل على إعظامه وإعجابه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) تقدم الكلام في خبر النقطة تحت الباء وأنه لا مصدر له إلا في مصنفات الصوفية تحت عنوان : (أنا النقطة تحت الباء).
[2] ) لا مصدر له إلا في مصنفات الصوفية وتقدم الكلام فيه تحت عنوان : (ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم).
[3] ) مجلي مرآة المنجي،ج4،ص1261