(89) س : هل يجب الاعتقاد بوحدة الوجود على المعنى الصحيح؟
ج : إن القول بوحدة الوجود حتى على ما ذُكر لها من المعنى الصحيح منشأه التأثر في التصوف (العرفان) ورموزه ، وذلك لأن المعتقدات الصحيحة تُؤخذ من النصوص الدينية ، وليس من متبنيات الصوفية ومصلحاتهم ، ولا يتوقف الأخذ من النصوص على ما هو موجود لدى الصوفية . بل ما لدى الصوفية من حق وباطل نميزه من خلال النصوص لا أن نتوقف في الأخذ من النصوص على معتقدات الصوفية ، فلا يدل ذلك إلا على الميل للتصوف والتأثر به. ناهيك عما في كلماتهم من اضطراب وغموض لا يكاد يعرف مضامينها حتى أقرانهم من الصوفية ولذا تجدهم يختلفون في كلمات أسلافهم وأقرانهم ، ويحملونها على وجوه متعددة ولربما لا يعرف مضامينها حتى القائلين بها كما قال بذلك السيد المرعشي : (قام بعض الدهاة في التصوف فرأوا مجالاً ورحباً وسيعاً لأن يحوزوا بين الجهال مقاماً شامخاً كمقام النبوة بل الألوهية باسم الولاية والغوثية والقطبية بدعوى التصرف في الملكوت بالقوة القدسية فكيف بالناسوت فوسعوا فلسفة التصوف بمقالات مبنية على مزخرف التأويلات والكشف الخيالي والأحلام والأوهام ، فألفوا الكتب المتظافرة الكثيرة ككتاب التعرف ، والدلالة ، والفصوص ، وشروحه ، والنفحات ، والرشحات ، والمكاشفات ، والإنسان الكامل ، والعوارف ، والمعارف ، والتأويلات ونحوها من الزبر والأسفار المحشوة بحكايات مكذوبة ، وقضايا لا مفهوم لها البتة ، حتى ولا في مخيلة قائليها كما أن قارئيها أو سامعيها لا يتصورون لها معنًى مطلقاً وإن كان بعضهم يتظاهر بحالة الفهم ويقول بأن للقوم اصطلاحات لا تدرك إلا بالذوق الذي لا يعرفه إلا من شرب من شرابهم وسكر من دنهم وراحهم)([1]).
وأبو الوفاء التفتازاني يتحدث عن خفاء كلام الفلاسفة ـــ سواء فلاسفة المشاء أم الإشراق أي الصوفية ـــ إلى حد بدا كلامهم غير مفهوم : (إنهم أسرفوا في الرمزية إسرافا إلى حد بدا معه كلامهم غير مفهوم للغير)([2]).
وقال عن ابن سبعين الذي هو من أشهر القائلين بوحدة الوجود:(أسلوب ابن سبعين في مصنفاته على اختلافها رمزي شديد الخفاء والتعقيد وهو يستخدم أحياناً في كتبه رموزاً على طريقة علماء الحروف والأسماء تعبيراً عن مذهبه)([3]).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) شرح إحقاق الحق، ج1،ص185.
[2] ) مدخل إلى التصوف الإسلامي، ص192.
[3] ) مدخل إلى التصوف،ص208.