ما بين الخوف والرجاء وعدم الإغراء بالمعاصي

جواهر الخطابة (20)
ما بين الخوف والرجاء وعدم الإغراء بالمعاصي
إن البكاء على الإمام الحسين وزيارته عليه السلام يحط الذنوب العظام كما روي عن الإمام السجاد عليه السلام : (أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليهما السلام دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا)([1]).
وعن الإمام الصادق عليه السلام : (من ذكر الحسين عليه السلام عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب ، كان ثوابه على الله عز وجل ، ولم يرض له بدون الجنة)([2]).وعن الإمام الرضا عليه السلام : (فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإن البكاء يحط الذنوب العظام)([3]).وعنه عليه السلام : (يا بن شبيب إن بكيت على الحسين عليه السلام حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته ، صغيرا كان أو كبيرا قليلا كان أو كثيرا)([4]).
ومما روي في ثواب زيارة الإمام الحسين فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام : (من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي عليهما السلام إن كان ماشيا كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحى عنه سيئة ، حتى إذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين ، حتى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين ، حتى إذا أراد الانصراف أتاه ملك فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله يقرؤك السلام ويقول لك : استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى)([5]).
ولا يخفى أن الأحاديث في فضل البكاء على سيد الشهداء عليه السلام وزيارته كثيرة جدا مما يُقطع بصدور بعضها على أقل تقدير ولست بصدد استقصائها أجمع.ولكن قد يُعترض أن ذكر الثواب في البكاء على الإمام الحسين عليه السلام وزيارته فيه إغراء للناس لارتكاب الذنوب.
وفي مقام الإجابة عن ذلك أن تكفير الذنوب ورد في القرآن الكريم والحديث الشريف على جملة من الأعمال ولم يكن تكفير الذنوب مختصاً بالبكاء على الإمام الحسين وزيارته عليه السلام ، فمثلا قوله تعالى : [إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ] أو مثل قوله تعالى : [إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ] فهل غفران جميع الذنوب سوى الشرك فيه إغراء بكل المعاصي غير الشرك؟!
والحج من الأعمال التي روي فيها غفران الذنوب حيث روي عن الإمام الصادق عليه السلام : (إن العبد المؤمن حين يخرج من بيته حاجاً لا يخطو خطوة ولا يخطو به راحلته إلا كتب الله له بها حسنة ، ومحى عنه سيئة ، ورفع له بها درجة ، فإذا وقف بعرفات فلو كانت له ذنوباً عدد الثرى رجع كما ولدته أمه ، فقال له : استأنف العمل)([6]).
وأيضا البكاء من خشية الله عز وجل ورد فيه الكثير من الثواب على كل قطرة من ضمنها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله : (ألا ومن ذرفت عيناه من خشية الله ، كان له بكل قطرة قطرت من دموعه قصر في الجنة مكلل بالدر والجوهر فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر)([7]).
وعنه صلى الله عليه وآله : (من بكى على ذنبه حتى تسيل دموعه على لحيته حرم الله ديباجة وجهه على النار)([8]).وعنه صلى الله عليه وآله : (من خرج من عينيه مثل الذباب من الدمع من خشية الله آمنه الله يوم الفزع الأكبر)([9]).
وأيضا روي تكفير الذنوب والثواب الجزيل في الصلاة والصوم وحسن الخلق والصدقة وإغاثة الملهوف وغيرها من الأعمال الحسنة فهل يمكن أن يعترض على كل تلك الأحاديث ويُقال فيها إغراء لارتكاب المعاصي؟!
وهذا جواب نقضي ويمكن أن يُجاب بأن هذه الأحاديث ترغيب في نفس العمل ، وليس فيها إغراء بالعاصي والذنوب ، كما أنها تفتح باب التوبة وعدم اليأس.ثم إن الأحاديث تشير إلى تكفير الذنوب السابقة لا اللاحقة مما يعني أن ارتكاب الذنوب بعد الأعمال الحسنة مؤاخذ عليها الإنسان ما لم يوفق لتكفيرها فأي أغراء بالذنوب حينها.
ولكن لا بد من التفريق بين رجاء غفران الذنوب في البكاء والزيارة وبين التهاون في المعصية اتكالاً على البكاء والزيارة يوجد فرق بين الاثنين ؛ فينبغي أن لا يُغرر أهل العصيان بما هم عليه من المعاصي ولا يقول ما يتجرأ به على ارتكاب المحارم ، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام : (ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه ؟ من لم يقنط الناس من رحمة الله ، ولم يؤمنهم من عذاب الله ، ولم يرخص لهم في معاصي الله)([10]).وعنه عليه السلام : (لا تؤيس مذنباً ، فكم من عاكف على ذنبه ختم له بخير ، وكم من مقبل على عمله مفسد في آخر عمره ، صائر إلى النار ، نعوذ بالله منها)([11]).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) كامل الزيارات،ص201.
[2] ) كامل الزيارات،ص202.
[3] ) أمالي الصدوق،ص190.
[4] ) أمالي الصدوق،ص192.
[5] ) كامل الزيارات،ص253.
[6] ) تفسير العياشي،ج1،ص100.
[7] ) أمالي الصدوق،ص518.
[8] ) روضة الواعظين،ص452.
[9] ) روضة الواعظين،ص452.
[10] ) أصول الكافي،ج1،ص36.
[11] ) تحف العقول،ص91.

Comments (0)
Add Comment