سبب تأليف الشيخ الصدوق لكتاب:(كمال الدين وتمام النعمة)
يقول عليه الرحمة : ورد إلينا من بخارا شيخ من أهل الفضل والعلم والنباهة ببلد قم طالما تمنيت لقاءه واشتقت إلى مشاهدته لدينه وسديد رأيه واستقامة طريقته ، وهو الشيخ نجم الدين أبو سعيد محمد بن الحسن بن محمد بن أحمد بن علي بن الصلت القمي أدام الله توفيقه وكان أبى يروي عن جده محمد بن أحمد بن علي بن الصلت – قدس الله روحه – ويصف علمه وعمله وزهده وفضله وعبادته ، وكان أحمد بن محمد بن عيسى في فضله وجلالته يروي عن أبي طالب عبد الله ابن الصلت القمي – رضي الله عنه – وبقي حتى لقيه محمد بن الحسن الصفار وروى عنه ، فلما أظفرني الله تعالى ذكره بهذا الشيخ الذي هو من أهل هذا البيت الرفيع شكرت الله تعالى ذكره على ما يسر لي من لقائه وأكرمني به من إخائه وحباني به من وده وصفائه ، فبينا هو يحدثني ذات يوم إذ ذكر لي عن رجل قد لقيه ببخارا من كبار الفلاسفة والمنطقيين كلاما في القائم عليه السلام قد حيره وشككه في أمره لطول غيبته وانقطاع أخباره ، فذكرت له فصولا في إثبات كونه عليه السلام ورويت له أخبارا في غيبته عن النبي والأئمة عليهم السلام سكنت إليها نفسه ، وزال بها عن قلبه ما كان دخل عليه من الشك والارتياب والشبهة ، وتلقى ما سمعه من الآثار الصحيحة بالسمع والطاعة والقبول والتسليم ، وسألني أن أصنف (له) في هذا المعنى كتابا ، فأجبته إلى ملتمسه ووعدته جمع ما ابتغى إذا سهل الله لي العود إلى مستقري ووطني بالري . فبينا أنا ذات ليلة أفكر فيما خلفت ورائي من أهل وولد وإخوان ونعمة إذ غلبني النوم فرأيت كأني بمكة أطوف حول بيت الله الحرام وأنا في الشوط السابع عند الحجر الأسود أستلمه وأقبله ، وأقول : (أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة) فأرى مولانا القائم صاحب الزمان – صلوات الله عليه – واقفا بباب الكعبة ، فأدنو منه على شغل قلب وتقسم فكر ، فعلم عليه السلام ما في نفسي بتفرسه في وجهي،فسلمت عليه فرد علي السلام ، ثم قال لي : لِم لا تصنف كتابا في الغيبة حتى تكفي ما قد همك ؟ فقلت له : يا ابن رسول الله قد صنفت في الغيبة أشياء ، فقال عليه السلام : ليس على ذلك السبيل آمرك أن تصنف (ولكن صنف) الآن كتابا في الغيبة واذكر فيه غيبات الأنبياء عليهم السلام.ثم مضى صلوات الله عليه ، فانتبهت فزعا إلى الدعاء والبكاء والبث والشكوى إلى وقت طلوع الفجر ، فلما أصبحت ابتدأت في تأليف هذا الكتاب ممتثلا لأمر ولي الله وحجته ، مستعينا بالله ومتوكلا عليه ومستغفرا من التقصير ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.كمال الدين وتمام النعمة ص3