خرافات فلسفية (9)
خرافة شرح النصوص الدينية شرحاً فلسفياً
إن من الخرافات الفلسفية خرافة شرح النصوص الدينية شرحاً فلسفياً وزعم عدم إمكان شرح ثلة منها إلا ضمن إطار المفاهيم الفلسفية ، مع أن شرحها شرحاً فلسفياً هو جمعٌ بين الأمور المتباينة وتحميل النصوص ما لا تحتمل . وهذه الخطوة بدأها أبو إسحاق الكندي (ت:266هـ) ـــ الذي حاول تأليف كتاب في تناقض القرآن لولا تنبيه الإمام الحسن العسكري([1]) عليه السلام ـــ يقول السيد الأمين متحدثاً عن الكندي : فهم الوحي الإسلامي فهماً فلسفياً … ويخرجُ من نظره الفلسفي بوجهة نظر عامة تقوم على فهم الدين بالعقل الفلسفي([2]).
ويرى الفيض الكاشاني فيمن يعلل بأن غرضه من النظر إلى كتبالفلاسفة تحصيل الاستعداد لفهم القرآن والحديث من تسويلات النفس والشيطان : (من هؤلاء من يتعلّل بأن غرضه من ذلك تحصيل الاستعداد لفهم الحديث والقرآن وكذلك سولت له نفسه والشيطان ، مع أنه لا يتفرغ للحكمة العملية ، لا المنقولة عنهم ولا النبوية ؛ مع أن العمل متقدم على العلم عند كلا الفريقين ، وشرط له في كلا المنهجين ، ولكل شيطان يصده عنه ، [فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ] ، فيصرف قلبه عن فهم أسرار الشرايع والأحكام ؛ [وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ ]([3])
وعلماء المسلمين من الخاصة والعلماء لم يرتضوا تفسير القرآن الكريم تفسيرا فلسفيا ولم يعدوا التفسير الفلسفي سواء للقرآن الكريم أو الحديث الشريف من التفسير ولذا كان من السيوطي أن يقول متحدثا عن الفخر الرازي (ت:606هـ) : قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة وشبهها ، وخرج من شيء إلى شيء حتى يقضي الناظر العجب من عدم مطابقة المورد للآية ، وقال أبو حيان في البحر([4]): جمع الإمام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير ، ولذلك قال بعض العلماء : فيه كل شيء إلا التفسير([5]).
وأيضا يقول أبو حيان في الفخر الرازي وتفسيره : (هذا الرجل كثيرا ما يورد كلام الفلاسفة وهم مباينون لأهل الشرائع في تفسير كلام الله تعالى المنزل بلغة العرب ، والعرب لا تفهم شيئا من مفاهيم أهل الفلسفة ، فتفسيرهم كاللغز والأحاجي ، ويسميهم هذا الرجل حكماء ، وهم من أجهل الكفرة بالله تعالى وبأنبيائه)([6]).
ومثال آخر شرح الملا صدرا لأصول الكافي لم يرتضه العلماء ولم يعدوه من شروحات الكافي ولهم إشكالات حقيقية عليه ذكر قسما منها العلامة النوري في خاتمة المستدرك([7]).
وقد انتقده علماء عصره على شرحه هذا ، ومنهم من وصف شرحه لأصول الكافي بأنه شرح بالكفر كما نقل الخوانساري : (أوجب ذلك سوء ظن جماعة من الفقهاء الأعلام به وبكتبه بل فتوى طائفة بكفره فمنهم من ذكر في وصف شرحه على الأصول:شروح الكافي كثيرة جليلة قدرا وأول من شرحه بالكفر صدرا هذا)([8]).
ويقول الشيخ المظفر متحدثاً عن ملا صدرا في المقدمة التي وضعها للأسفار:(حتى يكاد أن يجعل كتبه الفلسفية تفسيرا للدين ، وكتبه الدينية كتفسير القرآن الكريم وشرح أصول الكافي تفسيرا للفلسفة . ولذا نقول إن كتبه في التفسير وشرح الحديث هي امتداد لفلسفته)([9]).
وفي موضع آخر يقول : (فكتبه الفلسفية ألفها ويستهدف فيها تأييد ما جاء في الشرع الإسلامي بالفلسفة ، وكتبه الدينية ألفها ويستهدف فيها تأييد ما جاء في فلسفته بالشرع . فحق أن نعد كتبه الفلسفية كتبا دينية ونعد كتبه الدينية كتباً فلسفية وهذا معنى ما قلناه آنفا أن كتبه الدينية كانت امتدادا لفلسفته)([10]).
ويقول أيضا : (حتى كتبه الدينية التي يعنيه منها تطبيق الشرع على فلسفته)([11]).
وقد يقال فهم بواطن النصوص يتوقف على الفلسفة ؟
والجواب : لا دليل على أن ما جاءت به الفلاسفة من المعاني الباطنية بل المقطوع به هو خلاف ذلك إذا المطالب الفلسفية لم تكن ناظرة للنصوص الدينية.
وخيرُ ما يُقال فيمن رام شرح النصوص الدينية شرحاً فلسفياً ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام : (وآخر قد تسمى عالما وليس به . فاقتبس جهائل من جهال ، وأضاليل من ضلال . ونصب للناس شركا من حبائل غرور وقول زور . قد حمل الكتاب على آرائه . وعطف الحق على أهوائه)([12]).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) انظر مناقب آل أبي طالب،ج3ص٥٢٦
[2] ) أعيان الشيعة،ج10،ص311.
[3] ) سفينة النجاة والكلمات الطريفة،ص197.
[4] ) يقصد البحر المحيط في التفسير . وهذا نص ما ذكره أبو حيان الأندلسي : نخرج عن طريقة التفسير ، كما فعله أبو عبد اللّه محمد بن عمر الرازي ، المعروف بابن خطيب الري ، فإنه جمع في كتابه في التفسير أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير.البحر المحيط،ج1،ص547.
[5] ) الإتقان في علوم القرآن،ج4،ص242.
[6] ) البحر المحيط،ج6،ص425.
[7] ) انظر خاتمة المستدرك ج2،ص241.
[8] ) روضات الجنات،ج4،ص121.
[9] ) المقدمة الكاملة للأسفار،ص20.
[10] ) المقدمة الكاملة للأسفار،ص21.
[11] ) المقدمة الكاملة للأسفار،ص22.
[12] ) نهج البلاغة ، خطبة : (87) .