خرافات فلسفية (15) خرافة الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد

 

خرافات فلسفية (15)
خرافة الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد
إن قاعدة الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد من القواعد الفلسفية المعروفة والرائجة في كتب الفلاسفة وهي مذهب الفلاسفة والمعتزلة كما نقل الخواجة الطوسي عن الفخر الرازي في (تلخيص المحصل) المعروف بنقد المحصل : (العلة الواحدة يجوز أن يصدر عنها أكثر من معلول واحد عندنا خلافا للفلاسفة والمعتزلة)([1]).
وترجع أصولها إلى فلسفة الفرس الثنويين كما يقول آقا بزرك الطهراني : (الواحد لا يصدر منه إلا الواحد من الأصول الفلسفية عند الثنويين الفرس القدماء ، وتخلصا منه جاء النؤأفلاطونيون في الإسكندرية بنظرية العقول العشرة لإثبات التوحيد وعنهما أخذ الإشراقيون الصوفيون من المسلمين القائلين بوحدة الوجود وألفوا في الموضوع رسائل متعددة)([2]).
وقد ذهب ملا صدرا والسيد الطباطبائي لقاعدة الواحد خلافا للخواجة الطوسي والعلامة الحلي :
تبنى الملا صدرا قاعدة الواحد في أسفاره معنونا أحد فصولها : (في أن البسيط الذي لا تركيب فيه أصلا لا يكون علة لشيئين بينهما معية بالطبع) وأخذ الدفاع عن القاعدة وإبطال المؤاخذات عليها في نفس الفصل المذكور تحت عنوان : (شك وإزالة)([3]).
والسيد الطباطبائي عقد الفصل الرابع من المرحلة الثامنة في نهاية الحكمة لإثبات القاعدة تحت عنوان : (في أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد)([4]).
وقال أيضا في الفصل العشرين من المرحلة الثانية عشرة : قد تحقق في مباحث العلة والمعلول أن الواحد لا يصدر منه إلا الواحد ، ولما كان الواجب تعالى واحدا بسيطا من كل وجه، لا يتسرب إليه جهة كثرة لا عقلية ولا خارجية ، واجدا لكل كمال وجودي وجدانا تفصيليا في عين الإجمال ، لا يفيض إلا وجودا واحدا بسيطا له كل كمال وجودي لمكان المسانخة بين العلة والمعلول([5]).
ولكن الخواجة الطوسي لم يتبن القاعدة عند كلامه في أدلة الجوهر المجرد قائلا : وأدلة وجوده مدخولة كقولهم الواحد لا يصدر عنه أمران ولا سبق لمشروط باللاحق في تأثيره أو وجوده وإلا لما انتفت صلاحية التأثير عنه لأن المؤثر هيهنا مختار([6]).
والعلامة الحلي أيضا ذهب إلى بطلان قاعدة الواحد عند شرحه لقول الخواجة : (عمومية العلة تستلزم عمومية الصفة) أقول : يريد بيان أن الله تعالى قادر على كل مقدور وهو مذهب الأشاعرة وخالف أكثر الناس في ذلك فإن الفلاسفة قالوا إنه تعالى قادر على شيء واحد لأن الواحد لا يتعدد أثره وقد تقدم بطلان مقالتهم([7]).
وأيضا مما قاله العلامة الحلي في إبطال قاعدة الواحد قوله : (يلزم لو كان المؤثر موجبا وأما إذا كان مختارا فلا فإن المختار تتعدد آثاره وأفعاله وسيأتي الدليل على أنه مختار)([8]).
لو أن أحد العلماء أو الفضلاء رد على (قاعدة الواحد لا يصد عنه إلا الواحد) لقالوا عنه لم يفهم المقصود كما هو المعروف عند أصحاب التوجه الفلسفي أول ما يردون على منتقديهم أن يرموهم بعدم الفهم . ولا أدري هل يسعهم رمي الخواجة الطوسي والعلامة الحلي بعدم الفهم للقاعدة؟!
وليكن معلوما للمؤالف والمخالف للفلسفة على حد سواء أن كل القواعد والمطالب الفلسفية يوجد عليه نقض من نفس الفلاسفة إلا ما شذ وندر وهذا الاستثناء أيضا لا يخلو من كلام.
من طرائف الملا صدرا أنه طعن على الفخر طعنا شديدا لكونه لم يتبن قاعدة الواحد قائلا في كلامه : (أليس ذلك غيا وضلالا وحمقا وسفاهة)([9]).
إن قاعدة الواحد مع عدم الدليل عليها تسلب القدرة والاختيار عن الله عز وجل وليس له إلا أن يخلق خلقا يتكاثر الخلق منه :
يقول السيد حسن اللواساني (ت:1400هـ) : (وأنه سبحانه يُنشئ بالقدرة الكاملة ما يختار لعباده من مصالحهم ، خلافاً لبعض الملاحدة من الفلاسفة في قولهم باضطراره تعالى في وقوع الحوادث المختلفة في الكون ، ودعواهم أنّه لم يصدر منه جلّ وعلا إلاّ العقل الأوّل ؛ احتجاجاً بأنّ الواحد البحت البسيط لا يصدر منه إلاّ الواحد ، وأنّه لا يمكن تعدد أثره . ولكنّك خبير : بأنّ ذلك على تقدير تسليمه إنّما يتمّ في المؤثّر المضطرّ في ترتّب أثره عليه ، نظير النار والحرارة مثلا حيث إنّها بذاتها علّة لوجود أثرها ، ولا يمكن اختلاف الأثر مع وحدة الذات . وأمّا في القادر المختار المنبعث فعله من إرادته وقدرته على طرفي الوجود والعدم كليهما لامن نفس ذاته وحدها فلا ، ولا موقع للتوهّم المذكور كما هو واضح)([10]).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) تلخيص المحصل،ص237.
[2] ) الذريعة إلى تصانيف الشيعة،ج25،ص5.
[3] ) الحكمة المتعالية،ج2،ص168 .
[4] ) نهاية الحكمة،ص214.
[5] ) نهاية الحكمة،ص381.
[6] ) تجريد الاعتقاد،ص185.
[7] ) كشف المراد،ص308.
[8] ) كشف المراد،ص186.
[9] ) الحكمة المتعالية،ج2،ص170.
[10] ) نور الأفهام في علم الكلام،ج1،ص81.
Comments (0)
Add Comment