خرافات فلسفية (18)
خرافة المجردات
إن المجرد تارة يراد به الجسم الأقل كثافة كالأرواح والملائكة والجن فعند مقارنته بالأجسام الكثيفة يكون ألطف وأقل كثافة فهو من المعاني الصحيحة إذ لم تكن الموجودات على حد واحد في الكثافة وتارة أخرى يراد من المجرد غير المحدود المجرد عن المادة وآثارها يقول السيد الطباطبائي : (انقسام المجرد إلى مجرد عقلي ومجرد مثالي ، وأشرنا هناك إلى أن عوالم الوجود الكلية ثلاثة : عالم التجرد التام العقلي ، وعالم المثال ، وعالم المادة والماديات ، فالعالم العقلي مجرد تام ذاتا وفعلا عن المادة وآثارها ، وعالم المثال مجرد عن المادة دون آثارها من الأشكال والأبعاد والأوضاع وغيرها)([1]).
ويقول السيد الطباطبائي أيضا : (إن المتحصل مما تقدم من المباحث وما سيأتي أنّ هذا العالم المادي معلول لعالم نوري مجرد عن المادة متقدّس عن القوة)([2]).
وعقب الشيخ غلام فياضي على كلامه قائلا : (مراده قدس سره من العالم النوري هو العقل الفعال الذي يقول به المشاؤون)([3]).
والفلاسفة قالوا بوجود المجردات والتي من ضمنها الملائكة ولكن القول بتجرد الملائكة مبني على الفلسفة لا الملة كما يقول التفتازاني في شرح المقاصد : (العقليات فمنها أن الملائكة روحانيات مجردة في ذواتها ، متعلقة بالهياكل العلوية ، مبرأة عن ظلمة المادة ، وعن الشهوة والغضب اللذين هما مبدأ الشرور والقبائح ، متصفة بالكمالات العلمية والعملية بالعقل من غير شوائب الجهل والنقص والخروج من القوة إلى الفعل على التدريج ، ومن احتمال الغلط ، قوية على الأفعال العجيبة وإحداث السحب والزلازل ، وأمثال ذلك ، مطلعة على أسرار الغيب ، سابقة إلى أنواع الخير ، ولا كذلك حال البشر . والجواب أن مبنى ذلك على قواعد الفلسفة دون الملة)([4]).
والعلامة الحلي يقول بوجود المجردات غير الله تعالى : (ثابت في الباري تعالى وغيره من المجردات)([5]).
والشيخ محمد مهدي النراقي ممن قال بوجود المجرد غير الله عز وجل :(والحاصل انّ القواعد العقلية والنقلية وكلمات أساطين الحكمة متفقة الدلالة على أن الواجب – تعالى شأنه – وغيره من المجردات الصرفة متعال عن الزمان ومحيط به ، وليس له ربط ونسبة إليه أصلا)([6]).
والشيخ محمد تقي مصباح اليزدي في تعليقته على البحار أقر أن من فلاسفة الإسلام جعلوا الملائكة من العقول العشرة المجردة : (إن فئة من فلاسفة الإسلام الذين كانوا يعجبهم تطبيق الظواهر الدينية على المباني الفلسفية وآرائهم في العلوم العقلية عمدوا إلى تطبيق الملائكة على العقول المجردة والنفوس الفلكية كما أنهم فسروا السماوات السبع والكرسي والعرش بالأفلاك التسعة مع أنها فرضية في نفسها أبطلها العلم الحديث)([7]).
وبعض شراح الأسفار قال أن المشائين يعتقدون بأن العقول العشرة مجردة عن المادة : (العقول العشرة عند المشائين ، فإنهم يعتقدون أن العقول في عالم المجردات عشرة ، كما يعتقدون أيضاً بأن العقول مجردة عن المادة ذاتاً وفعلاً في الخارج)([8]).
ولكن أخبار أهل البيت عليهم السلام لا تدل على وجود المجرد سوى الله عز وجل ؛ يقول العلامة المجلسي لا يظهر من الأخبار وجود المجردات : (مع أنه لا يظهر من الأخبار وجود مجرد سوى الله تعالى)([9]).
بل إن الأخبار تثبت بطلان وجود غيره تعالى من المجردات وإليك ثلة منها :
عن الإمام الصادق عليه السلام : (الروح : جسم رقيق ، قد ألبس قالبا كثيفا)([10]).
وعنه عليه السلام : (ما سواه من الواحد متجزي وهو تبارك وتعالى واحد لا يتجزى ، ولا يقع عليه العد)([11]).
وعنه عليه السلام : (كل شيء جرى فيه أثر تركيب لجسم ، أو وقع عليه بصر للون فما أدركته الأبصار ونالته الحواسّ فهو غير اللّه سبحانه لأنّه لا يشبه الخلق ولا يشبهه الخلق)([12]).
عن الإمام الرضا عليه السلام : (لا يوصف بالكون على العرش لأنه ليس بجسم تعالى عن صفه خلقه علوا كبيرا)([13]).
عن الإمام الجواد عليه السلام : ( ما سوى الواحد متجزئ والله واحد ، لا متجزئ ، ولا متوهم بالقلة والكثرة ، وكل متجزئ ومتوهم بالقلة والكثرة فهو مخلوق دال على خالق له)([14]).
ومما يلاحظ في أخبار أهل البيت عليهم السلام هو أنها جعلت نفي التشبيه والتجسيم عن الله عز وجل صفتان خاصتان يفترق بها عن سائر مخلوقاته فلو كانت نفي المادة متحقق في بعض مخلوقاته لم يجعلوا نفي التشبيه والتجسيم من صفاته التي يمتاز بها عن خلقه كما روي عن الإمام الحسين عليه السلام : (لا يوصف بشيء من صفات المخلوقين)([15]).
عن الإمام الصادق عليه السلام في وصف الله تبارك وتعالى : (إنه لا جسم ولا صورة)([16]).
وعنه عليه السلام : (التوحيد فأن لا تجوز على ربك ما جاز عليك)([17]).
وعنه عليه السلام في وصف الباري تعالى : (لا جسم ولا صورة وهو مجسم الأجسام ومصور الصور ، لم يتجزء ولم يتناه ولم يتزايد ولم يتناقص ، لو كان كما يقولون لم يكن بين الخالق والمخلوق فرق)([18]).
وعن الإمام الكاظم عليه السلام : (ما سواه مخلوق محدث تعالى عن صفات المخلوقين علوا كبيرا)([19]).
وروي بواسطة السفير الثاني محمد بن عثمان العمري رضوان الله عليه عن الإمام المهدي عليه السلام : (إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسم الأرزاق ، لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم ، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم ، وأما الأئمة عليهم السلام فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألونه فيرزق ، إيجابا لمسألتهم وإعظاما لحقهم([20]).
يقول السيد الخوئي : (دعوى أن الملك من عالم المجردات فليس له مادة كما اشتهر في ألسنة الفلاسفة دعوى جزافية ، فإنه مع الخدشة في أدلة القول بعالم المجردات ما سوى الله كما حقق في محله ، أنه مخالف لظاهر الشرع ، ومن هنا حكم المجلسي & في اعتقاداته بكفر من أنكر جسمية الملك)([21]).
عن الإمام الصادق عليه السلام : (إن الروح متحرك كالريح وإنما سمي روحا لأنه اشتق اسمه من الريح وإنما أخرجه عن لفظة الريح ، لان الأرواح مجانسة الريح)([22]).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) نهاية الحكمة،ص٣٧٩.
[2] ) نهاية الحكمة،ص341.
[3] ) نهاية الحكمة،ج ٤،ص١٠٩٣.
[4] ) شرح المقاصد،ج5،ص71.المقاصد هو كتاب مختصر في علم الكلام ثم شرحه بكتاب آخر سماه : (شرح المقاصد) ؛ يقول المصنف في مقدمة (شرح المقاصد) : انتهزت فرصة من عين الزمان وخفة من زحام الشوائب ، وأخذت في تصنيف مختصر موسوم بالمقاصد ، منظوم فيه غرر الفرائد ودرر الفوائد ، وشرح له يتضمن بسط موجزه ، وحل ملغزه ، وتفصيل مجمله ، وتبيين معضله.
[5] ) نهاية المرام في علم الكلام،ج 2ص٥٦٣.
[6] ) جامع الأفكار وناقد الأنظار،ج ٢،ص ٢٩٨.
[7] ) بحار الأنوار،ج56،ص202.
[8] ) الفلسفة لكمال الحيدري،ج1،ص337.
[9] ) بحار الأنوار،ج ١،ص101.
[10] ) الاحتجاج،ج2،ص96.
[11] ) الاحتجاج،ج2،ص ٧٩.
[12] ) الإهليلجة،72.
[13] ) عيون أخبار الرضا،ج١،ص123.
[14] ) توحيد الصدوق،ص١٩٣.
[15] ) تحف العقول،ص٢٤٤.
[16] ) توحيد الصدوق،ص ١٠٤.
[17] ) توحيد الصدوق،ص96.
[18] ) أصول الكافي،ج ١،ص ١٠٦.
[19] ) توحيد الصدوق،ص ٧٦.
[20] ) غيبة الطوسي،ص٢٩٣.
[21] ) مصباح الفقاهة،ج35،ص360 .
[22] ) أصول الكافي،ج1،ص134.