خرافات فلسفية (20)
خرافة المعلول الفلسفي
إن قانون العلة والمعلول والمعنى المراد منه في علم الكلام يختلف عن المعنى الفلسفي :
المعلول الفلسفي :
إن المعلول يستحيل أن يتخلف عن علته مما يعني صدور الفعل عن العلة بالاضطرار وليس بالاختيار ، وهذا يلزم منه سلب الإرادة عن الله عز وجل التي مفادها إن شاء فعل وإن شاء ترك ، أو إمكان تخلف المعلول ؛ يقول ابن سينا:(صدور الموجودات عنه على سبيل اللزوم لا لإرادة تابعة لعرض بل لذاته ، وكان صدورها عنه دائما بلا منع ولا كلفة تلحقه فى ذلك)([1]).
ويلزم منه أيضا القول بقدم العالم حيث وجود المعلول مع علته إذ يستحيل تخلفه عن علته ولذا قالوا : (الشيء ما لم يجب لم يوجد) الذي يأتي تفصيل الكلام فيها إن شاء الله تعالى.
يقول الشيخ الطوسي : أن صانع العالم لا يخلو من أن يكون قادرا مختارا أو موجبا ((يقصد الشيخ بـ : (موجبا) أي : يكون مضطرا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا)) هو علة أو سبب ، ولا يجوز أن يكون علة ولا سببا ، لأنهما لا يخلو من أن يكونا قديمين أو محدثين ، فلو كانا محدثين لاحتاجا إلى علة أخرى أو سبب آخر ، وذلك يؤدي إلى ما لا نهاية له من العلل والأسباب ، وإن كانا قديمين وجب أن يكون العالم قديما ، لأن العلة توجب معلولها في الحال والسبب يوجب المسبب إما في الحال أو الثاني ، وكلاهما يوجبان قدم الأجسام وقد دللنا على حدوثها ، فبطل بذلك أن يكون صانع العالم موجبا ولم يبق بعد ذلك إلا أن يكون مختارا له صفة القادرين.وإذا ثبت كونه قادرا وجب أن يكون حيا موجودا ، لأن من المعلوم أن القادر لا يكون إلا كذلك ، فثبت أنه تعالى قادر حي موجود ([2]).
وقد كفر العلماء بعض الفلاسفة القائلين بقدم العالم وسلب الإرادة عن الخالق عز وجل بسبب عدم إمكان تخلف المعلول عن علته.
والسيد الخوئي له كلام في قاعدة : (الشيء ما لم يجب لم يوجد) يمكن تلخيصه في ثلاث نقاط :
النقطة الأولى : إن الشيء ما لم يجب لم يوجد ، أو إن الشيء ما لم يوجد لم يجب . وهذه القاعدة قد ذكرها الفلاسفة في باب لزوم معية المعلول ، وهي من الأصول الموضوعة عندهم في الفلسفة العالية وغيرها من أبواب الفلسفة .
النقطة الثانية : الذي ظهر لنا في معنى أصل القاعدة من كلماتهم : أن تكوّن كل شيء وتحصله في الأعيان أو الأذهان فرع تمامية علته بما لها من الأجزاء والشرائط وارتفاع الموانع، وعند ذلك يجب وجود المعلول ، فوجود كل شيء مسبوق بضرورة سابقة وتعين وجوبي في مرتبة علته.
النقطة الثالثة : ومما ذكرنا بطل قول من زعم قدم العالم ، بدعوى أنه يستحيل تخلف المعلول عن علّته التامة ، وأن المفروض أنه لا علة غيره تعالى ، وهو قديم ، فالعالم يلزم أن يكون قديما . والجواب : أن لا علية في ذلك المقام الشامخ ولا اضطرار فيه إلى إيجاد فعلٍ ما وإنما هو تحت إرادته وسلطانه ، فمتى شاء إيجاد فعل حسب ما تقتضيه الحكمة الإلهية أوجده ، ومتى لم يشأ لم يوجده([3]).
ووُجِّه سؤالٌ للشيخ جواد التبريزي : هل الكون (الإمكاني) ما سوى (الله سبحانه) مسبوق بالعدم ، إذا كان الجواب نعم ، فيأتي سؤال : أين قدم الفيض (أي لا بخل في ساحته سبحانه) وأين قولهم إن ذاته تعالى – علة تامة – والمعلول لا يتخلف عن علته ، وإذا كان الجواب لا ، وليس مسبوقا بالعدم ، فما معنى الرواية المتقدمة ، ومعنى أنه تعالى مختص بالقدم ، وما معنى أن الله خلقه ، إذا كان الكون غير مسبوق بالعدم ، وهل توافقون أن ذاته – سبحانه – علة تامة ، لا يتخلف عنها معلولها ، أوليس هذا جبر ( وهم يسمونه جبرا فلسفيا ) حيث قالوا : (الشيء ما لم يجب لم يوجد) ؟
فأجاب & : أما مسألة العلة والمعلول فهو غير صحيح ، فإن الله سبحانه فاعل ومكون للأشياء بإرادته ومشيئته ، من باب صدور الفعل عن الفاعل ، ومشيئته أمر حادث كما يستفاد ذلك من الروايات ، نعم العلم بمشيئته الحادثة أزلي ، لأنه عين القدرة ، كما ذكرنا ، وأن المقام يقتضي بسط في المقال ، لا يسعه المجال،والله العالم([4]).
والقول بقد العالم نشأ بعد أرسطاطاليس كما يقول ملا صدرا : القول بقدم العالم إنما نشأ بعد الفيلسوف الأعظم أرسطاطاليس([5]).
المعلول في علم الكلام :
إن قانون العلة والمعلول في علم الكلام معناه أن وجود المعلول يدل ويلزم منه وجود علته وعدم إمكان تحققه من غيرها لا أن المعلول يجب حين وجود علته بالاضطرار ويستحيل التخلف عنها.
وبسبب المعنى الفلسفي للعلة والمعلول نفى بعضهم قانون العلية وقالوا يحمل لوازم فاسدة لا يمكن الالتزام بها مع أن تلك المعاني تلزم حسب المراد الفلسفي دون المعنى الكلامي .
والمعلول الفلسفي له صلة في بحثي : (قدم العالم) وقاعدة (الشيء ما لم يجب لم يوجد) اللذين يأتي البحث عنهما إن شاء الله تعالى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) التعليقات،ص100.
[2] ) الاقتصاد ،ص27.
[3] ) انظر مجمع الرسائل،ج49،رسالة الأمر بين الأمرين،ص10ـ14
[4] ) صراط النجاة،ج2،ص565.
[5] ) رسالة في الحدوث،ص15.