خرافات فلسفية (27) خرافة مدح الإمام الصادق لأرسطو

خرافات فلسفية (27) 

خرافة مدح الإمام الصادق لأرسطو

روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : (وقد كان أرسطاطاليس رد عليهم فقال إن الذي يكون بالعرض والاتفاق إنما هو شيء يأتي في الفرط مرة لأعراض تعرض للطبيعة فتزيلها عن سبيلها ، وليس بمنزلة الأمور الطبيعية الجارية شكل واحد جريا دائما متتابعا)([1]).

إن أصحاب الاتجاه الفلسفي جعلوا ذكر الإمام الصادق عليه السلام لأرسطو مدحا له، وعندما ترى كلماتهم في اجترار قول الإمام وتصيِّرُها في مدح أرسطو ترى التكلف المقيت ونحوا من الاستدلال يترفع عنه أصاغر المبتدئين!

إن الإمام في معرض كلامه عن أصحاب الطبائع الذين زعموا أن الطبيعة لا تفعل شيئا لغير معنى واستشهدوا لها بالحكمة (أي الفلسفة) حيث يقول عليه السلام : فأما (أصحاب الطبائع) فقالوا : (إن الطبيعة لا تفعل شيئا لغير معنى ولا عما فيه تمام الشيء في طبيعته ، وزعموا أن الحكمة تشهد بذلك ، فقيل لهم : فمن أعطى الطبيعة هذه الحكمة ، والوقوف على حدود الأشياء بلا مجاوزة لها ، وهذا قد تعجز عنه العقول بعد طول التجارب ؟ فإن أوجبوا للطبيعة الحكمة والقدرة على مثل هذه الأفعال ، فقد أقروا بما أنكروا ، لأن هذه في صفات الخالق . وإن أنكروا أن يكون هذا للطبيعة ، فهذا وجه الخلق يهتف بأن الفعل للخالق الحكيم ، وقد كان من القدماء طائفة أنكروا العمد والتدبير في الأشياء، وزعموا أن كونها بالعرض والاتفاق وكان مما احتجوا به هذه الآيات التي تكون على غير مجرى العرف والعادة كانسان يولد ناقصا أو زائدا أصبعا ، أو يكون المولود مشوها مبدل الخلق فجعلوا هذا دليلا على أن كون الأشياء ليس بعمد وتقدير بل بالعرض كيف ما أتفق أن يكون)([2]).

ومن ثم ذكر كلامه عليه السلام عن أرسطو الذي فيه رد على أصحاب الطبائع من الفلاسفة ، حيث يكون ردا على زعم بعض الفلاسفة من رموز صنفهم الذين يختلفون معهم وإلزاما بأقوالهم وبيانا لتهافت آراؤهم ، ولم يكن فيه مدحٌ لأرسطو طاليس.

وإذا كانت الفلسفة ممن ينتصر بها للدين لم يَعرض الأئمة عليهم السلام عنها ونشروها بين أصحابهم تدريسا لها وحثا على معرفتها ، بل إنهم عليهم السلام لم يرتضوها منهجها أو أن يكونوا من أصحابها ، وإذا أردنا النظر في الأحاديث وتبين هذا الجانب نرى أنه روي أن بعض اليهود اجتاز به أمير المؤمنين عليه السلام وهو يتكلم مع جماعة فقال له : يا ابن أبي طالب لو أنك تعلّمت الفلسفة لكان يكون لك شأنا من الشأن . فقال عليه السلام : وما تعنى بالفلسفة ، أليس من اعتدلت طباعه صفا مزاجه ومن صفا مزاجه قوى أثر النفس فيه ومن قوى أثر النفس فيه سما إلى ما يرتقيه ومن سما إلى ما يرتقيه فقد تخلق بالأخلاق النفسانية . ومن تخلق بالأخلاق النفسانية فقد صار موجودا بما هو إنسان دون أن يكون موجودا بما هو حيوان ، فقد دخل في الباب الملكي الصوري وليس له عن هذه الغاية مغير. فقال اليهودي : اللّه أكبر ، يا ابن أبي طالب لقد نطقت بالفلسفة جميعها في هذه الكلمات([3]).

ومما يمكن استظهاره من الخبر هو أن الحكمة الحقيقية تعطي هذه النتائج والآثار أما الحكمة المزعومة من تراث اليونان والتي تُسمى بالفلسفة لا ثمرة علمية وعملية فيها ولذا أعرض عنها سلام الله عليه.  

وعن الإمام الصادق عليه السلام : (تبا وخيبة وتعسا لمنتحلي الفلسفة)([4]).

ولم يرتضوا هذا الخبر في ذم الفلسفة وقالوا هو في ذم مدعي الفلسفة مع أن الانتحال كما يأتي للإدعاء يأتي في الاتخاذ والتبني والانتساب للشيء بمعنى يكون الذم لمن اتخذ وتبنى وانتسب للفلسفة ، وتفصيل الكلام في الخبر ودلالاته في ذم الفلاسفة والفلسفة تحت عنوان : (إذا كانت الفلسفة سيئة لِمَ لم ينه الأئمة عنها).

ولا تكمن المعضلة في مطالعة المنطق الأرسطي ، وإنما في التعويل عليه وتوهم أن له الدور الكبير في البحوث العلمية والمحاورات الجدلية ، والخبير البصير يعرفه خالي الوفاض ومنعدم الجدوى في هذه المجالات ، أما كليل الوعي والمعرفة يحسبه أنشودةً لضالته وهو كسراب بقيعة .

يقول أبو حيان الأندلسي (ت:745هـ) :  (قد غلب في هذا الزمان وقبله بقليل الاشتغال بجهالات الفلاسفة على أكثر الناس ويسمونها الحكمة ويستجهلون من عرى عنها ويعتقدون أنهم الكملة من الناس ويعكفون على دراستها ولا تكاد تلقى أحدا منهم يحفط قرآنا ولا حديثا عن رسول الله ص . ولقد غضضت مرة من ابن سينا ونسبته للجهل فقال لي بعضهم وأظهر التعجب من كون أحد يغض من ابن سينا : كيف يكون أعلم الناس بالله ينسب للجهل!… ولما حللت بديار مصر ورأيت كثيرا من أهلها يشتغلون بجهالات الفلاسفة ظاهرا من غير أن ينكر ذلك أحد تعجبت من ذلك ، إذ كنا نشأنا في جزيرة الأندلس على التبرؤ من ذلك والإنكار له ، وأنه إذا بيع كتاب في المنطق إنما يباع خفية ، وأنه لا يتجاسر أن ينطق بلفظ المنطق ، إنما يسمونه المفعل ، حتى أن صاحبنا وزير الملك ابن الأحمر أبا عبد الله محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن الحكيم كتب إلينا كتابا من الأندلس يسألني أن أشتري أو أستنسخ كتابا لبعض شيوخنا في المنطق ، فلم يتجاسر أن ينطق بالمنطق وهو وزير فسماه في كتابه لي بالمفعل)([5]).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) توحيد المفضل،ص121 .

[2] ) توحيد المفضل،ص120.

[3] ) أصول المعارف للفيض الكاشاني،ص541.

[4] ) توحيد المفضل،ص30.

[5] ) البحر المحيط،ج6،ص46.

Comments (0)
Add Comment