خرافات فلسفية (30) خرافة عِلم الله حضوري أم حصولي ؟!

 

خرافات فلسفية (30)

خرافة عِلم الله حضوري أم حصولي ؟!

إن من أعظم المتاهات والمزالق التي وقع فيها الفلاسفة والصوفية هو خوضهم في كيفية عِلم الله U ، وإخضاعه إلى التقسيم الشائع للعلم الحصولي والحضوري في المنطق والفلسفة ؛ فقال أغلبهم بأن علمه حضوري ، واختلفوا في بعض جوانبه وتفسيراته على أقوال كثيرة لا تدل إلا على الزلل وقصورهم فيما هم يتكلمون فيه ؛ لأنهم حسبوا إمكان معرفة كيفية اتصاف الله  Uبالعلم وما ذاك إلا عن قصور نظر وقلة تبصر في ما جاء في معارف الدين ، وقد أشار عبد الرزاق اللاهيجي (من أعلام القرن الحادي عشر)  إلى وجود خمسة أقول للفلاسفة في كيفية علمه تعالى : (اختلفت الحكماء في كيفية علمه تعالى بالأشياء إلى خمسة مذاهب)([1]).

 والشيخ محمد مهدي النراقي (ت:1209هـ) في جامع الأفكار عقد البحث الثاني من الجزء الثاني في كيفية علمه تعالى بالأشياء حيث استفاض كثيرا في تتبع كلمات الفلاسفة والصوفية حتى تجاوز المائتين صفحة في كيفية علمه تعالى فذكر أقوالا كثيرة وتفصيلات عديدة.([2])  أجملها في سبعة أقوال :

الأول : مذهب المعتزلة.

الثاني : مذهب أفلاطون .

الثالث : مذهب فرفوريوس ومن تبعه من المشائين.

الرابع : مذهب جمهور المشائين. وابن سينا اختاره كما يقول النراقي : (ثم الحق أن مذهب الشيخ الرئيس في العلم هو المذهب الرابع ــ أعنى : كون علمه تعالى بجميع الأشياء بالصور المرتسمة في ذاته تعالى ــ لا المذهب الخامس ــ أي : كون علمه تعالى بما عدا المعلول الأول بالصور المرتسمة في هذا المعلول ــ وقد صرح جماعة بأن مختاره هو المذهب الخامس في جميع كتبه . وقيل هو متحيّر بين المذهبين في الشفا ولكنه اختار المذهب الرابع في الإشارات)([3]).

الخامس : مذهب تالس المليطي . وهو ما ذهب إليه الخواجا الطوسي كما ذكر الشيخ النراقي : (المحقق الطوسي أيضا اختار هذا المذهب ــ أي المذهب الخامس ــ فإنه صرّح بأن علمه تعالى بالحضور في المعلولات القريبة ، وأما في المعلولات البعيدة فبحصول صورها في القريبة . قال رحمه اللّه في شرحه للإشارات : (العاقل كما لا يفتقر في إدراكه لذاته إلى صورة غير ذاته التي هو بها هو ، كذلك لا يفتقر في إدراكه لما يصدر عن ذاته إلى صورة غير صورة ذلك الصادر التي بها هو هو . واعتبر من نفسك أنك تعقل شيئا بصورة تتصورها أو تستحضرها ، فهي صادرة عنك لا بانفرادك مطلقا بل بمشاركة ما من غيرك)([4]).

السادس : ما ذهب إليه جماعة وهو : أن للواجب علمين : علم إجمالي كمالي متحقق في مرتبة ذاته ، وعلم تفصيلي متحقق في مرتبة وجودات الأشياء([5]).

السابع : ما ذهب إليه شيخ الإشراق ومتابعوه ــ كشارح التلويحات والعلامة الشهرزوري ، بل أكثر من تأخر عنه وهو : أن علمه تعالى بجميع الأشياء بحضور نفس الأشياء له تعالى وانكشاف ذواتها عنده بدون حاجة إلى حضور صور زائدة على ذواتها فعلمه بها نفس وجوداتها العينية([6]).

والشيخ النراقي اختار القول السابع الذي ذهب إليه شيخ  الإشراق : (وإذا عرفت ذلك فاعلم أن الحق في كيفية علم الواجب سبحانه أنه تعالى عالم بذاته تعالى وبجميع الأشياء بالعلم الحضوري الإشراقي التفصيلي قبل إيجاد الأشياء وبعده على نهج واحد وحقيقة علمه تعالى هو الإضافة الإشراقية التي لا توجب تكثرا ولا تركبا فلا فرق بين انكشاف شيء واحد وأشياء متكثرة في عدم لزوم الكثرة في ذاته . ومصحح هذا الانكشاف وموجبه أما بالنسبة إلى ذاته الحقة فتجرده التام مع عينية المعلوم للعالم ــ كما في علم النفس بذاتها ــ وأما بالنسبة إلى الأشياء المعلومة له تعالى فتجرده أيضا مع تحقق علاقة قوية هي علاقة المبدئية بينه تعالى وبينها كما في علم النفس بقواها الجزئية المرتبطة بها نحو ارتباط . وهذا المذهب هو الذي ثبت عندنا حقيته واخترناه…ثم أنت تعلم بما ذكرناه أن كلام الشيخ الإلهي لا ينافي حمله على ما ذكرناه)([7]).

ويقول أيضا في الرأي المختار لديه  : (إن الحق المختار هو أن علم الواجب سبحانه علم واحد حضوري تفصيلي فعلي غير زماني وغير متغير ومتجدد ومقدم على إيجاد الأشياء يعلم به الأشياء كلياتها وجزئياتها على الوجه الجزئي أزلا وأبدا على نهج واحد من غير تغير وتجدد وإن علمه المتعلق بالأشياء إضافة إشراقية انكشافية وليس فيه تغيّر بالنسبة إلى ذاته ، ومناط هذا الانكشاف مجرد ذاته الحقة وليس هذا الانكشاف حادثا بحدوث الأشياء)([8]).

إلا أن الشيخ النراقي في (اللمعات العرشية) أشكل على انحصار علم الله تعالى بالعلم الحضوري حيث يقول : (لو انحصر علم الواجب سبحانه بالحضوري لزم أن تخرج من علمه معرفة المعاني الكلية وحقائق الأشياء وكنهها لقضاء الضرورة بأن العلم بعدم اجتماع النقيضين وبحقيقة السماء والعقل مثلا ليس حضوريا ، بل ما هو إلا الحصولي الكلي ؛ فلو لم يكن له علم حصولي لم يمكن تعقله الحقائق والمعاني الكلية إلا بارتسامها في بعض المدارك)([9]).

وقد عد السيد الطباطبائي في نهاية الحكمة الأقوال المختلفة إلى عشرة([10]) وهو من متأخري الفلاسفة الذي ذهب إلى أن علم الله تعالى حضوري إذ يقول : (أن ما سواه من الموجودات معاليل له منتهية إليه بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط قائمة الذوات به قيام الرابط بالمستقل حاضرة عنده بوجوداتها غير محجوبة عنه فهي معلومة له في مرتبة وجوداتها علما حضوريا أما المجردة منها فبأنفسها وأما المادية فبصورها المجردة… وأن علمه حضوري كيفما صور)([11]).

وأيضا الشيخ حسن زاده آملي ذهب إلى أن علم الله تعالى حضوري قائلا : (ما موجود إلا وهو علم الحق تعالى لأنه علمه بما سواه حضوري إشراقي).([12])

وكيفية علم الله تعالى من أكثر الأبحاث جدلا بين الفلاسفة والصوفية ولذا يقول الشيخ النراقي : (إن هذه المسألة من أغمض المسائل الإلهية وأصعب المباحث الحكمية ولذا ترى العقلاء فيها كالحيارى وأحدثوا فيها مذاهب شتى)([13]).

أما المقتفون أثر أهل البيت ع في التوحيد فقد أعرضوا عن مثل هذا الكلام لعلمهم بالنهي عن الخوض فيه وأنه ليس بمقدورهم ؛ فالخوض في كيفية حياته تعالى كالخوض في كيفية علمه وقدرته في غير محله لأنه خارج عن إدراك البشر وحيز تصوراتهم ، وهو من التفكر في ذات الله U المنهي عنه ، وإذا لم يكن التفكر في كيفية علمه من التفكر في ذات الله تعالى فما هو التفكر إذن؟!

والأقوال الكثيرة المتناقضة التي جاء بها الفلاسفة في كيفية علم الله تعالى وتشعبها كلها لا دليل عليها من القرآن الكريم ولا الحديث الشريف إذ لم يرد في النصوص الدينية بيان ذلك ولكنهم حسبوا من خلال فلسفتهم إمكان معرفة كل شيء وإن كان متعلقاً في كنه الله عز وجل:[فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ]([14]).

وذلك حيث زعموا أن ما لديهم هو تمام العلم وحسبوا من خلاله معرفة حقائق الأشياء وكأنهم غاب عنهم قوله تعالى : [وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا]([15])

والله تبارك وتعالى لم يكلف العباد معرفة ما لم يحيطوا به فقد روي عن أمير المؤمنين : (إن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام في السدد المضروبة دون الغيوب فلزموا الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فقالوا : [آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا]([16]). فمدح الله U اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما وسم تركهم التعمق في ما لم يكلفهم البحث عنه منهم رسوخا)([17]).

وعن زرارة بن أعين قال : سألت أبا جعفر ع ما حق الله على العباد ؟ قال : أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون([18]).

وعن هشام بن سالم قال : قلت لأبي عبد الله ع : ما حق الله على خلقه ؟ فقال : أن يقولوا ما يعلمون ويكفوا عما لا يعلمون فإذا فعلوا ذلك فقد أدوا إلى الله حقه([19]).

وعنه ع : (لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا)([20]).

وقد روي عن الإمام الكاظم ع أن علم الله  لا يوصف بأين وكيف وعلى أي كيفية كان كما فعل الذين تكلموا في ذلك ووصفوه بالحضوري والحصولي : (علم الله لا يوصف منه بأين ولا يوصف العلم من الله بكيف ، ولا يفرد العلم من الله ، ولا يبان الله منه ، وليس بين الله وبين علمه حد)([21])

فعلِم الله تعالى لا يدرك على أي كيفية كما أن ذاته لا تدرك ؛ لأنه فوق وسعنا ومدركاتنا ، ولو كان بوسعنا معرفته لعرفنا الذات . والخوض في كيفيته مُهلكٌ ولا يزيد صاحبه إلا حيرةً وبعداً ؛ فقد روي عن عبد الرحمن بن عتيك القصير قال : سألت أبا جعفر ع عن شيء من الصفة فرفع يده إلى السماء ثم قال : تعالى الجبار ، من تعاطي ما ثم هلك)([22]).

 وروي عنه ع : (تكلموا في خلق الله ولا تتكلموا في الله فإن الكلام في الله لا يزداد صاحبه إلا تحيرا)([23]).

وعن الإمام الصادق ع : (من نظر في الله كيف هو هلك)([24]).

 

 

تتمة في مكاشفة لشيخ الإشراق في العلم الحضوري

اتفق الشيخ محمد مهدي النراقي مع شيخ الإشراق السهروردي (ت:587هـ) بأن علم الله تعالى حضوري إشراقي ، وبعد ذلك نقل مكاشفة حصلت لشيخ الإشراق ظهر له فيها أرسطو يشرح له العلم الحضوري الإشراقي على النحو الذي اختاره شيخ الإشراق فيما بعد . نعم نقلها الشيخ النراقي تيمناً وللفوائد كما هو يقول ، وإن صحة هذه المكاشفة لربما تراءى له شيطان من الشياطين على أنه أرسطو كما تراءى إبليس للحسن البصري ؛ فقد روى الشيخ الطبرسي  أن أمير المؤمنين ع مر بالحسن البصري وهو يتوضأ فقال : يا حسن أسبغ الوضوء . فقال : يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أناسا يشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، يصلون الخمس ، ويسبغون الوضوء . فقال له أمير المؤمنين ع : قد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدونا . فقال : والله لأصدقنك يا أمير المؤمنين لقد خرجت في أول يوم فاغتسلت وتحنطت وصببت علي سلاحي وأنا لا أشك في أن التخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر ، فلما انتهيت إلى موضع من الخريبة ناداني مناد : (يا حسن إلى أين أرجع فإن القاتل والمقتول في النار) فرجعت ذعرا وجلست في بيتي ، فلما كان في اليوم الثاني لم أشك أن التخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر ، فتحنطت ، وصببت علي سلاحي وخرجت أريد القتال ، حتى أنهيت إلى موضع من الخريبة فناداني مناد من خلفي : (يا حسن إلى أين مرة بعد أخرى فإن القاتل والمقتول في النار) قال علي ع : صدقك أفتدري من ذلك المنادي ؟ قال : لا . قال ع : ذلك أخوك إبليس ، وصدقك أن القاتل والمقتول منهم في النار ، فقال الحسن البصري الآن عرفت يا أمير المؤمنين أن القوم هلكى([25]).

 وكما تراءى إبليس لأبي الخطاب ففي خبر عن الإمام الصادق ع قال : (تراءى واللّه إبليس لأبي الخطاب على سور المدينة أو المسجد فكأني أنظر إليه وهو يقول له أيها نظفر الآن أيها نظفر الآن)([26]).

وعن حفص بن عمرو النخعي قال كنت جالسا عند أبي عبد الله ع فقال له رجل : جعلت فداك أن أبا منصور حدثني أنه رفع إلى ربه وتمسح على رأسه وقال له بالفارسية (يا پسر)([27]) فقال له أبو عبد الله ع : حدثني : أبي عن جدي أن رسول الله ’ قال : إن إبليس اتخذ عرشا فيما بين السماء والأرض، واتخذ زبانية كعدد الملائكة فإذا دعا رجلا فأجابه ووطئ عقبه وتخطت إليه الأقدام ، تراءى له إبليس ورفع إليه ، وان أبا منصور كان رسول إبليس ، لعن الله أبا منصور ، لعن الله أبا منصور ثلاثا([28]).

وقد علق السيد عبد الأعلى السبزواري  على هذا الخبر قائلا : هذه الرواية تبطل جملة مما يدعونه أهل الكشف والشهود خصوصا مثل مكاشفات محيي الدين كما في جملة من كتبه سيما ما سماه بالفتوحات المكية([29]).

وإليك مكاشفة شيخ الإشراق نصا كما نقلها الشيخ النراقي قائلا :

إن هذه الطريقة في العلم ــ أي أن علم الله حضوري على طريقة شيخ الإشراق ــ قد ظهرت للشيخ الإلهي من بيان المعلم الأول له في بعض الخلسات كما أشار إليه في التلويحات : إني رأيت المعلم الأول في بعض خلساتي فشكوت إليه من صعوبة مسئلة العلم فقال لي:ارجع إلى نفسك ينجلى لك !

فقلت : وكيف ذلك ؟

قال : إنك تدرك نفسك فإدراكك لنفسك إنما هو بذاتك لا بغير ذاتك حتى تكون إذن قوة أخرى أو ذات أخرى بها تدرك ذاتك – إذ لو كان كذلك يلزم التسلسل – فإذن تدرك ذاتك باعتبار اثر في ذاتك وهذا الأثر إن لم يطابق ذاتك فلا يكون صورتها وحينئذ ما أدركتها.

قلت : ولعل الأثر صورة ذاتي !

فقال : هذه الصورة هل هي مطلقة أو مخصصة بصفات أخرى؟

فاخترت الثاني ؛ فقال : كل صورة في النفس هي كلية وإن تركّبت من كليات كثيرة فهي لا يمنع الشركة لنفسها وأنت تدرك ذاتك وهي مانعة للشركة بذاتها فليس هذا الإدراك بالصور.

قلت : لعل المدرك في مفهوم أنا.

فقال : مفهوم أنا من حيث هو مفهوم أنا لا يمنع وقوع الشركة فيه وقد علمت أن الجزئي من حيث هو جزئي يمنع وقوع الشركة فيه فهو لا يكون كليا مع أن هذا و (أنا) و (نحن) و (هو) لها معان كلية من حيث مفهوماتها المجردة من دون إشارة جزئية ؛ فقلت : فكيف إذن ؟

فقال : فلما لم يكن علمك بذاتك غير ذاتك – بل كان عين ذاتك – فأنت تعلم أنت المدرك لذاتك لا غير ولا تأثير غير مطابق فذاتك هي العقل والعاقل والمعقول.

فقلت : زدني !

فقال : ألست تدرك بذلك الذي تتصرّف فيه إدراكا مستمرا لا تغيب عنه؟

فقلت : بلى !

فقال : هذا الإدراك لا يجوز أن يكون بحصول صورة شخصية في ذاتك – لما تقدم من استحالته –

فقلت : لعل يكون هذا الإدراك بأحد صفات كلية.

فقال : ذاتك غير بدنك الخاص وأنت بذاتك تعرف بدنا خاصا جزئيا وما أحدث من الشعور والصفات لا يمنع لنفسها وقوع الشركة فيها فليس إدراكك لها إدراكا لبدنك الذي لا يتصور أن يكون مفهومه ثابتا لغيره .

ثم قال أما قرأت من كتبنا أن النفس يتفكر باستخدام المتفكرة وهي تفصل وتركب الجزئيات وترتب الحدود الوسطى والمتخيلة لا سبيل لها إلى إدراك الكليات لأنها جزئية فإن لم يكن للنفس اطلاع على الجزئيات فكيف تركب مقدماتها؟! وكيف ينتزع الجزئيات من الكليات؟! وفي أي شيء يستعمل المفكرة ؟! وكيف يأخذ الخيال؟!

ما ذا يفيد تفصيل المتخيلة؟! وكيف يستعد بالفكر للعلم بالنتيجة؟!

ثم المتخيلة جزئية فكيف يدرك نفسها والصورة المأخوذة عنها في النفس كلية وأنت عالم بتخيلك ووهمك الشخصين الموجودين ودريت أن الوهم ينكرهما.

قلت : فارشدني جزاك اللّه عن زمرة العلم خيرا !

قال : وإذا رأيت أنها تدرك لا بأثر مطابق ولا بصورة فاعلم!:أن التعقل حضور الشيء للذات المجردة عن المادة – وإن شئت قلت عدم غيبته عنها –  وهذا أتم لأنه يعلم إدراك الشيء لذاته وغير الشيء لا ينحصر لنفسه ولكن لا يغيب عنها.وأما النفس فهي مجردة غير غائبة عن ذاتها فبقدر تجردها أدركت ذاتها،وما غاب عنها إذ لم يكن لها استحضار عينه – كالسماء والأرض ونحوهما – فاستحضرت صورته . وأما الجزئيات ففي قوى حاضرة لها فاستحضرت،وأما الكليات ففي ذاتها إذ المدركات الكلية لا ينطبع في الأوهام،والمدرك هو نفس الصورة لا ما خرج عن التصور،وإن قيل للخارج أنه مدرك فذلك بقصد ثان وذاتها غير غائبة عن ذاتها ولا بدنها جملة ما ولا قوى لبدنها جملة ما وكان الخيال غير غائب عنها.وكذلك الصور الخيالية فتدركها النفس بحضورها لا لتمثلها في ذات النفس،ولو كان تجردها أكثر لكان الإدراك بذاتها أكثر وأشد،ولو كان تسلطها على البدن أشد كان حضور قواها وأجزائها أشد.

ثم قال : اعلم إن العلم كمال للموجود من حيث هو موجود ولا يوجب تكثرا ولا يمتنع.وما يمكن للواجب بالإمكان العام يجب أن يكون له بالفعل ، إذ لا يمكن له – تعالى – شيء بالإمكان الخاص،إذ ذلك يوجب أن يتحقق فيه جهة إمكانية ، فيلزم التكثر فيه .

ثم قال : فواجب الوجود ذاته مجردة عن المادة وهو الوجود البحت،والأشياء حاضرة له على إضافة مبدئيته وسلطنته لأن الكل لازم ذاته فلا يغيب عنه ذاته ولا لازم ذاته وعدم غيبته عن ذاته ولوازمه مع التجرد عن المادة هو إدراكه – كما قررناه في النفس – ويرجع الحاصل في العلم كله إلى عدم غيبته عن المجرد عن المادة – صورة كانت أو غيرها – ، فالإضافة جائزة في حقه – تعالى – وكذا السلوب،ولا تخل بوحدانيته.وتكثر أسمائه بهذا السلوب والإضافات،ولو كانت لنا على غير بدننا سلطنة – كما على بدننا – لأدركناه كادراك البدن من غير حاجة إلى صورة،فتعين بهذا أنه على كل شيء محيط . وإدراك أعداد الوجود نفس الحضور له من غير صورة ومثال .

ثم قال لي : كفاك في العلم هذا.

 انتهى ما أفاده المعلم الأول بأدنى تغيير.وإنما تعرضنا لنقل هذا الكلام بطوله مع سبق ذكر ما هو حاصله أيضا تيمّنا بذكر عباراته وزيادة للتوضيح وبعض الفوائد([30]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام،ج5،ص148.

[2] ) انظر جامع الأفكار وناقد الأنظار،ج2،ص112.

[3] ) جامع الأفكار وناقد الأنظار،ج2،ص120.

[4] ) جامع الأفكار وناقد الأنظار،ج2،ص115.

[5] ) جامع الأفكار وناقد الأنظار،ج2،ص128.

[6] ) جامع الأفكار وناقد الأنظار،ج2،ص139.

[7] ) جامع الأفكار وناقد الأنظار،ج2،ص197.

[8] ) جامع الأفكار وناقد الأنظار،ج٢،345.

[9] ) اللمعات العرشية،ص٢٩٩

[10] ) انظر نهاية الحكمة:المرحلة الثانية عشرة/الفصل الحادي عشر.

[11] ) انظر نهاية الحكمة:المرحلة الثانية عشرة/الفصل الحادي عشر.

[12] ) رسالة لقاء الله،ص20.

[13] ) جامع الأفكار وناقد الأنظار،ج٢،ص١١٢

[14] ) غافر : 83.

[15] ) الإسراء : 85.

[16] ) سورة آل عمران:7.

[17] توحيد الصدوق،ص56.

[18] ) أصول الكافي،ج1،ص43

[19] ) أصول الكافي،ج1،ص50

[20] ) أصول الكافي،ج2،ص388.

[21] ) توحيد الصدوق،ص138.

[22] ) أصول الكافي،ج1،ص94 . يقول العلامة المجلسي : (قوله:(من تعاطى):أي تناول بيان ما ثم من صفاته الحقيقية العينية (هلك) وضل ضلالا بعيدا،وفي القاموس : التعاطي: التناول،وتناول ما لا يحق،والتنازع في الأخذ،وركوب الأمر.مرآة العقول،ج1،ص327.

[23] ) أصول الكافي،ج1،ص92.

[24] ) أصول الكافي،ج1،ص93.

[25] ) الاحتجاج،ج1،ص250.

[26] ) اختيار معرفة الرجال،ص175.

[27] ) (يا پسر) : (يا بني) أو (يا صغيري).

[28] ) اختيار معرفة الرجال،ص176.

[29] ) التعليق على بحار الأنوار،ج2،ص110.

[30] ) جامع الأفكار وناقد الأنظار،ج2،ص194ــ197.

 

Comments (0)
Add Comment