خرافات فلسفية (31) خرافة الفلسفة تؤسس لنظرية المعرفة

خرافات فلسفية (31)

خرافة الفلسفة تؤسس لنظرية المعرفة

قد يُقال نحن نقرُ بعدم الجدوى من فلسفة اليونان فهي أفكار قد أكل الدهر عليها وشرب ، وكانت عبارة عن ردة فعل في مواجهة السفسطة انقضى زمانها([1]) ، ولا نتوخى منها فائدة في عصرنا . ولكن أين أنت من الفلسفة الحديثة التي بانت بوادرها قبيل الثورة الصناعية في أوربا والتي خاضت في معالجة الأسئلة العامة المرتبطة بعقل الإنسان وحواسه إلى غيرها من حقائق الوجود ودقائقه ؟

وفي مقام الإجابة عن ذلك :

إن محاولة إبداء النظر والتحليل في الأسئلة المتعلقة بما يدور حول عقل الإنسان وما يرتبط به من تفكير ومراحل الحفظ والنسيان…وحواس الإنسان وصلتها بالعقل وإمكان الخطأ والاشتباه في قواها من عدمه…إلى أمثالها ونظائرها مما هو مرتبط بما ساد عليه الاصطلاح مؤخرا وعُرف بـ (نظرية المعرفة) حيث إن الآراء المطروحة فيها تحاول إيجاد رؤية وتحليل عن فهم حقائق الوجود ؛ فهي أفكار ووجهات نظر تصب في معرفة الحقائق لا شان لها بالفلسفة اليونانية ، ولا تنطلق من مبادئها أساسا وإن عُنون بعض الكتب التي ألفت في مضمارها بعناوين فلسفية . وقد تناولها السيد الطباطبائي في (أصول الفلسفة) وناقش بعض الأفكار والآراء فيها بأمور وجدانية كما يتحدث الشيخ مرتضى آل ياسين عن (أصول الفلسفة) للسيد الطباطبائي واصفا إياه ببعض التحاليل الوجدانية : (من خصائصه البارزة جمعه بين الفلسفتين القديمة والحديثة ثم تيسره للمسائل العويصة المعضلة تيسيرا يجعلها في متناول أكثر الأفهام وربما حلل بعضها تحليلا وجدانيا يغني القارئ عن التماس البرهان والدليل)([2]).

وتقييده بالبعض على نحو القدر المتيقن فلو عمم التحاليل الوجدانية أو العقلية لأغلب الكتاب أو كله لم يكن مخطأ ، كما لو أنه وصف كتاب (فلسفتنا) لنعته بذات السمة نفسها لأن نسبة التشابه بين الكتابين كبيرة جدا ، وقد كان لـ (أصول الفلسفة) الجذوة الكبرى لمن كتب بعده في هذا المجال سواء عُنون الكتاب بـ (نظرية المعرفة) كما فعل بعضهم أو لم يعنون مثل كتاب (فلسفتنا) حيث إنه يتحدث عن نفس النظرية وإن كان ذا عنوان آخر وهذا واضح للمطلع الخبير ، بل إن المؤلف في كتاب (الأسس المنطقية للاستقراء) أشار لطابع كتاب (فلسفتنا) المنساق في نظرية المعرفة إذ يقول : (نحن في هذا الكتاب إذ نحاول إعادة بناء نظرية المعرفة على أساس معين ، ودراسة نقاطها الأساسية في ضوء يختلف عما تقدم في كتاب (فلسفتنا) سوف نتخذ من دراسة الدليل الاستقرائي ومعالجة تلك الثغرة([3]) فيه أساسا لمحاولتنا هذه)([4]).

ومن الجدير بالذكر أن السيد محمد باقر الصدر تغير رأيه في التجربة من بعد ما قال لا يمكنها أن تفيد معنى كليا إلا في ظل مبدأ العلية الذي يعني ضم كبرى عقلية ليمكن السير حينها ــ في العلوم التجريبية ــ من الخاص إلى العام . وهذه الرؤية هي أهم ما في كتاب فسلفتنا وقد تطرق لها في عدة مواضع من الكتاب وحاول السير على وفقها في الكثير من مفاصله ودفع ما يوجب نقضها إلا أنه في كتاب (الأسس المنطقية للاستقراء) تغير رأيه ورفع اليد عنها وقال بإثبات العام في العلوم التجريبية بمعزل على مبدأ العلية الذي يفيد كبرى عقلية.

وقد أشارت لجنة إحياء التراث في هامش كتاب (فلسفتنا) نحو سبع مرات إلى تغير رأيه وأحالت إلى (الأسس المنطقية للاستقراء) الذي ألفه بعد اثنتي عشرة سنة من كتاب (فلسفتنا).

ــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) يقول السيد الطباطبائي : قد أوضحنا عقائد الشكاكين في الواقعية الخارجية ، والنافين لها حسب ما يناسب وضع رسالتنا ، وبان من خلال البحث أن المثاليّين هم أولئك الذين ينفون الواقعيات على أنحائها ، بحيث يرجع نفيه أو شكه إلى النفي المطلق أو الشك المطلق ، بأن لا يعترف بشيء حتى بذاته وتصوّره وشكه وتشكيكه ، وقد ضبط التاريخ نزرا من أحوالهم ، ولعلك لا تجد منهم أثرا في أعصارنا. أصول الفلسفة،ص121.

[2] ) أصول الفلسفة،ص5 .

[3] ) الثغرة التي أشار إليها هو أن السير الاستدلالي في الاستقراء من الخاص إلى العام والذي يعني تعميم نتيجة الخاص مع أنه لا ملازمة بين صدق المقدمات في الاستقراء والنتيجة إذ ممكن تصدق المقدمات ولا تصدق النتيجة

[4] ) الأسس المنطقية للاستقراء،ص20 .

Comments (0)
Add Comment