تحويل المجلس الحسيني إلى النياحة
من الأمور المتعارفة في مجالس العزاء والوفيات عند الشيعة استدعاء الخطيب لأجل عقد مجلس حسيني يقصدون به الثواب على روح المتوفى، يتضمن ذكر آية وتفسيرها ،أو حديث وبيان معناه ، ونحو ذلك من الموعظة والترغيب في الطاعة والزجر والتحذير عن المعصية ثم ختم المجلس بذكر مصيبة سيد الشهداء عليه السلام . وهذه كلها من الأمور المستحبة شرعا ولا خلاف في استحبابها والندب إليها. إلا أنه من المؤسف أن ينحدر بعض الخطباء في نهاية المجلس إلى النياحة على الميت فيذكرون الشعر مثلاً على مكانة الأب وفقده وغير ذلك بحسب حال المتوفى لكي يثيروا أشجان أهل المتوفى ويزيدوهم حزنا وبكاءً مع أن هذا ليس من المجلس الحسيني وليس من المندوب إليه شرعا ولا حتى عقلا وهو مخالف لذوق الفطرة الإنسانية.
والعلماء قالوا بحرمة النياحة إذا اشتملت على المحرمات مثل الكذب والجزع وعدم الرضا بقضاء الله وقدره ، وفي حال خلوها قال بعضهم بالإباحة كما ذهب إليه السيد اليزدي : (يجوز النوح على الميت بالنظم والنثر ما لم يتضمن الكذب ولم يكن مشتملا على الويل والثبور لكن يكره في الليل)([1]).
ووافقه جمع من العلماء من ضمنهم السيد الخوئي : (يحرم النوح بالباطل ، يعني الكذب ، ولا بأس بالنوح بالحق)([2]).
ومنهم من ذهب إلى الكراهة كصاحب الوسائل على ما نسبها إليه السيد الخوئي : (النياحة الصحيحة أمر جائز ولم تثبت كراهتها فضلا عن حرمتها ما لم يشتمل على الكذب ونحوه فما عنون به الباب في الوسائل من كراهة النياحة ليس صحيحا فإن الكراهة كالحرمة حكم شرعي يحتاج إلى دليل ولا دليل عليها)([3]).
وصاحب الجواهر لم يستبعد الحكم بكراهة النوح : (لا يبعد الحكم بكراهته مطلقا ، للخبر بل لا يبعد شدتها مع الشرط ، لخبر حنان أيضا ، بل لا يبعد كراهة أصل النوح خصوصا في الليل)([4]).
ومنهم من حرمها مطلقا وإن لم تتضمن المحرمات كالشيخ الطوسي وابن حمزة كما ذكر السيد الخوئي : (ذهب ابن حمزة والشيخ إلى حرمة النياحة([5])، وادعى الشيخ الإجماع عليها في مبسوطه).
وممن قال بإباحتها قال بكراهتها في الليل كما ذكر ذلك السيد اليزدي في كلامه المتقدم.
وتوجد أخبار تحذر من النياحة وتدل على حرمتها إلا أنه لضعف سندها لم يقل العلماء بالحرمة.
ولكن بصورة عامة لا قائل باستحباب النياحة شرعا فمن المؤسف أن يتحول الخطيب الحسيني من المجلس على سيد الشهداء عليه السلام الذي لا يعلم ما فيه من أجر وثواب إلا الله عز وجل إلى النياحة ويكون بهذا في مصاف النائحات اللواتي أقصى همهن إثارة الحزن وأخذ الأجرة ناهيك عما إذا رافق ذلك المحرمات واكتساب الإثم .
ثم لا يوجد مبرر شرعي ولا عقلي يجعلك تحث أهل المتوفى على البكاء وتفجع قلوبهم وتزيد حزنهم بل على العكس المطلوب شرعا وعقلا هو مواساة أصحاب المصيبة وتسليتهم لا أن تزيد مصابهم وقد أجمع الفقهاء تبعا للأحاديث على استحباب التعزية ؛ يقول صاحب العروة : (لا فرق في استحباب التعزية لأهل المصيبة بين الرجال والنساء حتى الشابات منهن متحرزا عما تكون به الفتنة ، ولا بأس بتعزية أهل الذمة مع الاحتراز عن الدعاء لهم بالأجر إلا مع مصلحة تقتضي ذلك)([6]).
وتتحقق التعزية بأن يراه صاحب المصاب كما قال بذلك الفقهاء تبعا للأحاديث وأكتفي هنا بنقل كلام السيد اليزدي في العروة (تعزية المصاب وتسليته قبل الدفن وبعده ، والثاني أفضل ، والمرجع فيها العرف ، ويكفي في ثوابها رؤية المصاب إياه)([7]).
أي تتحقق التعزية بأن يحضر عند المصاب بحيث يراه وينظر إليه ويثاب بمجرد رؤيته،وهذا مفاد خبر روي عن الإمام الصادق عليه السلام : (كفاك من التعزية بأن يراك صاحب المصيبة)([8]).
والتعزية معونة صاحب المصاب على الصبر كما ذكر العلامة المجلسي : (التعزية حمل الغير على الصبر)([9]).
ومما تقدم يتضح أن النياحة التي هي إثارة الأشجان عند أصحاب المصاب هي خلاف ما ندب إليه الدين ، وخلاف العقل لأنه لا يرى معنًى مقبولا لها ، ومخالفة لذوق الفطرة الإنسانية التي تستقبح تهييج المصاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) العروة الوثقى/مكروهات الدفن (مسألة 2).
[2] ) منهاج الصالحين،ج2،باب:النوح بالباطل (مسألة 29).
[3] ) التنقيح،ج9،ص230.
[4] ) جواهر الكلام،ج22،ص55.
[5] ) يقول الشيخ الطوسي : (اللطم والخدش وجز الشعر والنوح فإنه كله باطل محرم إجماعاً).المبسوط،ج1،ص189. ويقول ابن حمزة الذي هو من أعلام القرن السادس الهجري : (المحظور ثمانية أشياء اللطم والخدش وجز الشعر والنياحة).الوسيلة،ص68
[6] ) العروة الوثقى/باب المستحبات قبل الدفن وحينه وبعده،(مسألة2).
[7] ) العروة الوثقى/باب المستحبات قبل الدفن وحينه وبعده (الأمر الثامن والعشرون).
[8] ) من لا يحضره الفقيه،ج1،ص174.
[9] ) مرآة العقول،ج5،ص227.
كل التفاعلات:
٦٠Mohammed Alansary، وMohammed Al-wakeel و٥٨ شخصًا آخر