النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(1)
تعريف الغلو
إن الغلو في اللغة هو مجاوزة الحد والارتفاع ؛ قال الخليل في تعريف الغلو : (غلا الناس في الأمر ، أي : جاوزوا حده ، كغلو اليهود في دينها . ويقال : أغليت الشيء في الشراء ، وغاليت به . والغالي يغلو بالسهم غلوا ، أي : ارتفع به في الهواء ، والسهم نفسه يغلو . والمغالي بالسهم : الرافع يده يريد به أقصى الغاية ، وكل مرماة منه غلوة)([1]).
والغلو في الدين لم يختلف عن التعريف اللغوي فهو أيضا مجاوزة الحد والارتفاع فيه إلى مقام الإلوهية أو إلى شيء لا يستحقه ؛ ولذا يقول الطريحي : (غلا في الدين غلوا من باب قعد : تصلب وتشدد حتى تجاوز الحد والمقدار)([2]).
ومنه قوله تعالى : [يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ].
[يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا].
وجاء تعريف الغلو بمجاوزة الحد في حديث الإمام الرضا عليه السلام : (أنا أبرأُ إلى الله تبارك وتعالى ممن يغلو فينا فيرفعنا فوق حدنا كبراءة عيسى بن مريم من النصارى)([3]).
ويُنعت الغلاة بالارتفاع والطيارة يقول الوحيد البهباني : (قولهم : كان من أهل الطيارة ومن أهل الارتفاع وأمثالهما والمراد انه كان غاليا)([4]). ويُعبر عن الغالي أيضا بمثل:في مذهبه وحديثه ارتفاع أو تدل روايته على ارتفاع.
وفي قِبال الغلو : (التقصير) وهو لغة بمعنى العجز عن بلوغ الشيء والتهاون والتفريط فيه . يقول الجوهري : (قَصَرْتُ عن الشيء قُصوراً: عَجَزت عنه ولم أبلغه…والتَقْصير في الأمر:التواني فيه)([5]).
وفي الاصطلاح هو موافق للتعريف اللغوي حيث العجز عن إدراك ومعرفة المعارف الحقة في الدين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) العين،ج4،ص446.
[2] ) مجمع البحرين،ج1،ص318.
[3] ) عيون أخبار الرضا،ج2،ص201.
[4] ) الفوائد الرجالية،ص38.
[5] ) الصحاح،ج2،ص794.