النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(4)
من معاني الغلو القطعية:
5 ـ الاعتقاد بتناسخ أرواح الأئمة عليهم السلام :
إن من المعتقدات الباطلة لدى الغلاة القول بالتناسخ الذي هو انتقال الروح من جسد إلى آخر ، وعرفه الشيخ لطف الله الصافي رحمه الله بقوله : (التناسخ هو عبارة عن تعلق الروح بالأجسام العنصرية المتعددة في هذه الدنيا ، فهي تحل بعد فناء كل جسم بجسم آخر ، وأن تظهر الحقيقة الواحدة في صور متعددة ، وأن تنال في كل مرحلة جزاء المرحلة السابقة من ثواب أو عقاب)([1]).
وعلى ما نقل الشهرستاني أن الغلاة على أصنافهم متفقون على التناسخ والحلول : (الغلاة على أصنافها كلهم متفقون على التناسخ والحلول ولقد كان التناسخ مقالة لفرقة في كل ملة تلقوها من المجوس المزدكية والهند البرهمية ومن الفلاسفة الصائبة ومذهبهم أن الله تعالى قائم بكل مكان ناطق بكل لسان ظاهر في كل شخص من أشخاص البشر وذلك بمعنى الحلول)([2]).
وقد ذكر النوبختي أن من معتقدات بعض فرق الغالية الاعتقاد بحلول روح الإمام الصادق عليه السلام في أبي الخطاب : (صنوف الغالية افترقوا بعده على مقالات كثيرة واختلفوا ما في يد سلف أصحابهم ومذاهبهم فقالت فرقة منهم أن روح جعفر بن محمد جعلت في أبي الخطاب ثم تحولت بعد غيبة أبي الخطاب في محمد بن إسماعيل بن جعفر ثم ساقوا الإمامة في ولد محمد بن إسماعيل وتشعبت منهم فرقة من (المباركية) ممن قال بهذه المقالة تسمى : القرامطة)([3]).
وقال أيضا النوبختي في صنوف الغالية : (صنوف الغالية من أصحاب عبد اللّه بن معاوية و (العباسية الروندية) وغيرهم غير أن أصحاب عبد اللّه بن معاوية يزعمون أنهم يتعارفون في انتقالهم في كل جسد صاروا فيه على ما كانوا عليه مع نوح عليه السلام في السفينة ومع النبي صلى اللّه عليه وآله في كل عصر وزمانه ويسمون أنفسهم بأسماء أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله ويزعمون أن أرواحهم فيهم ويتأولون في ذلك قول علي بن أبي طالب عليه السلام وقد روي أيضا عن النبي صلى اللّه عليه وآله أن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف فنحن نتعارف كما قال علي عليه السلام وكما روي عن النبي صلى اللّه عليه وآله . وقال بعضهم بالتناسخ وتنقل الأرواح مدة ووقت وهو أن كل دور في الأبدان الأنسية فذلك للمؤمنين خاصة فتحول إلى الدواب للنزهة مثل الأفراس والشهاري وفي غيرها مما يكون لمواكب الملوك والخلفاء على قدر أديانهم وطاعتهم لأئمتهم فيحسن إليها في علفها وإمساكها وتجليلها بالديباج وغيره من الجلال النظيفة المرتفعة والسروج المحلاة وكذلك ما كان منها لأوساط الناس والعوام فإنما ذلك على قدر إيمانهم فتمكث في ذلك الانتقال ألف سنة ثم تحول إلى الأبدان الأنسية عشرة آلاف سنة وإنما ذلك امتحان لها لكيلا يدخلهم العجب فتزول طاعتهم ، وأما الكفار والمشركون والمنافقون والعصاة فينتقلون في الأبدان المشوهة الوحشة عشرة آلاف سنة ما بين الفيل والجمل إلى البقة الصغيرة ، وتأولوا في ذلك قول اللّه عز وجل :[حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ]. ونحن نعلم ما هو في خلق الجمل وما كان مثله من الخلق لا يقدر أن يلج في سم الخياط وقول اللّه لا يكذب ولا بد من أن يكون ذلك ولا يتهيأ إلا بنقصان خلقه وتصغيره في كل دور حتى يرجع الفيل والجمل إلى حد البقة الصغيرة فتدخل حينئذ في سم الخياط)([4]).
ومحمد بن نصير النميري ممن كان يقول بالتناسخ كما ذكر أبو عمرو الكشي : (قال أبو عمرو : وقالت فرقة بنبوة محمد بن نصير النميري ، وذلك أنه ادعى أنه نبي رسول ، وأن علي بن محمد العسكري عليه السلام أرسله ، وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن عليه السلام ، ويقول فيه بالربوبية ويقول : بإباحة المحارم)([5]).
وقد ذم الأئمة عليهم السلام القائلين بالتناسخ إلى حد الكفر ، عن الإمام الرضا عليه السلام : (من قال بالتناسخ فهو كافر بالله العظيم مكذب بالجنة والنار)([6]).
وعنه عليه السلام : (من قال بالتناسخ فهو كافر ثم قال عليه السلام لعن الله الغلاة إلا كانوا يهودا إلا كانوا مجوسا إلا كانوا نصارى إلا كانوا قدرية إلا كانوا مرجئة إلا كانوا حرورية ثم قال عليه السلام : لا تقاعدوهم ولا تصادقوهم وأبرؤوا منهم برئ الله منهم)([7]).
والشيخ الصدوق كفر القائلين بالتناسخ : (والقول بالتناسخ باطل ومن دان بالتناسخ فهو كافر ، لأن في التناسخ إبطال الجنة والنار)([8]).
وأيضا السيد المرتضى : (أصحاب التناسخ لا يعدون من المسلمين ، ولا ممن يدخل قوله في جملة الإجماع ، لكفرهم وضلالهم)([9]).
وعلى ما يبدو أن العلماء كفروا القائلين بالتناسخ لأنه يلزم منه إنكار المعاد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) مجموعة رسائل،ج1،ص310.
[2] ) الملل والنحل،ج1،ص175.
[3] ) فرق الشيعة،ص71.
[4] ) فرق الشيعة،ص39.
[5] ) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)،ج2،ص805.
[6] ) عيون أخبار الرضا،ج ٢،ص ٢١٨.
[7] ) عيون أخبار الرضا،ج2،ص218.
[8] ) الاعتقادات،ص63.
[9] ) رسائل الشريف المرتضى،ج1،ص425.