النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(5)

 

النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(5)
من معاني الغلو القطعية:
6 ـ الاعتقاد بأنهم يعلمون الغيب من غير الله تعالى .
إن من الغلو في أهل البيت عليهم السلام إدعاء علمهم الغيب من دون الله عز وجل وهذا باطل قطعا لأن علم الغيب لا يعلمه سوى الله عز وجل ولا يمكن لأي مخلوق معرفته إلا بتعليم الله عز وجل.
وقد كان بعض الغلاة يعتقد بأن الأئمة عليهم السلام يعلمون الغيب من غير الله عز وجل فقد روي عن ابن المغيرة ، قال : كنت عند أبي الحسن عليه السلام أنا ويحيى بن عبد الله بن الحسن عليه السلام فقال يحيى : جعلت فداك إنهم يزعمون انك تعلم الغيب ؟ فقال : سبحان الله سبحان الله ضع يدك على رأسي ، فوالله ما بقيت في جسدي شعرة ولا في رأسي إلا قامت .قال ، ثم قال : لا والله ما هي إلا وراثة عن رسول الله صلى الله عليه وآله([1]).
وإطلاق القول عليهم بأنهم عليهم السلام يعلمون الغيب هو منكر بيّن الفساد قال به بعض المفوضة والغلاة كما ذكر الشيخ المفيد رحمه الله : (إطلاق القول عليهم بأنهم يعلمون الغيب فهو منكر بين الفساد ، لأن الوصف بذلك إنما يستحقه من علم الأشياء بنفسه لا بعلم مستفاد ، وهذا لا يكون إلا الله عز وجل ، وعلى قولي هذا جماعة أهل الإمامة إلا من شذ عنهم من المفوضة ومن انتمى إليهم من الغلاة)([2]).
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أن الإمام إذا أراد أن يعلم شيئاً أعلمهُ الله ، عن عمار الساباطي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الإمام يعلم الغيب ؟ فقال : لا ولكن إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمه الله ذلك([3]).
وعن معمر بن خلاد قال : سأل أبا الحسن عليه السلام رجل من أهل فارس فقال له : أتعلمون الغيب ؟ فقال : قال أبو جعفر عليه السلام : (يبسط لنا العلم فنعلم ويقبض عنا فلا نعلم)([4]).
ومما خرج عن صاحب الزمان صلوات الله عليه ، ردا على الغلاة من التوقيع جوابا لكتاب كتب إليه على يدي محمد بن علي بن هلال الكرخي : (يا محمد بن علي تعالى الله وجل عما يصفون ، سبحانه وبحمده ، ليس نحن شركاؤه في علمه ولا في قدرته ، بل لا يعلم الغيب غيره ، كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه : [قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ]. وأنا وجميع آبائي من الأولين : آدم ونوح وإبراهيم وموسى ، وغيرهم من النبيين ، ومن الآخرين محمد رسول الله ، وعلي بن أبي طالب ، وغيرهم ممن مضى من الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين ، إلى مبلغ أيامي ومنتهى عصري ، عبيد الله عز وجل يقول الله عز وجل : [وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى][قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرً][قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى]. يا محمد بن علي قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم ، ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه . فأشهد الله الذي لا إله إلا هو وكفى به شهيدا ، ورسوله محمد صلى الله عليه وآله ، وملائكته وأنبياءه ، وأولياءه عليهم السلام . وأشهدك ، وأشهد كل من سمع كتابي هذا ، أني برئ إلى الله وإلى رسوله ممن يقول : إنا نعلم الغيب ، ونشاركه في ملكه ، أو يحلنا محلا سوى المحل الذي رضيه الله لنا وخلقنا له ، أو يتعدى بنا عما قد فسرته لك وبينته في صدر كتابي . وأشهدكم : أن كل من نبرأ منه فإن الله يبرأ منه وملائكته ورسله وأولياءه وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانة في عنقك وعنق من سمعه أن لا يكتمه لأحد من موالي وشيعتي حتى يظهر على هذا التوقيع الكل من الموالي لعل الله عز وجل يتلافاهم فيرجعون إلى دين الله الحق ، وينتهون عما لا يعلمون منتهى أمره ، ولا يبلغ منتهاه ، فكل من فهم كتابي ولا يرجع إلى ما قد أمرته ونهيته ، فقد حلت عليه اللعنة من الله وممن ذكرت من عباده الصالحين)([5]).
ولا يمنع أن يُطلع الله عز وجل على الغيب الأنبياء وأوصياءهم بل توجد آيات تدل على وقوع ذلك:
[ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ]
[تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ]
[عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا][إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ]
وأيضا تدلُ عليه الأخبارُ الكثيرةُ التي رواها المسلمون جميعاً في إخبار رسول الله صلى الله عليه وآله عن الغيبيات.
ولا تتنافى الآيات المتقدمة مع قوله تعالى:[قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ]
لأن المنفي في الآية المباركة هو علم الغيب من دون الله عز وجل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) اختيار معرفة الرجال،ج2،ص587.
[2] ) أوائل المقالات،ص67.
[3] ) أصول الكافي،ج1،ص٢٥٧.
[4] ) أصول الكافي،ج1،ص256.
[5] ) الاحتجاج،ج2،ص288.
Comments (0)
Add Comment