النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(28)
تفاوت الإيمان والمبادرة إلى الإنكار
إن بعض المؤمنين يضيق أفقهم عن تقبل ثلة من المعاني والحقائق الدينية سواء المتعلقة بشؤون الأئمة عليهم السلام أم غيرها من حقائق الدين والإيمان ، وحينها يسارعون إلى إنكارها بذرائع متعددة ، والمعضلة الأساسية التي وقعوا فيها هو أنهم لم يتهموا ما لديهم من ضيق في الوعي وقصر في الإدراك عن تقبلها ، بسبب ضعف الإيمان والبصيرة ، وإنما اتهموا الحقيقة التي حسبوها تدور وما لديهم من أفق وإدراك ، مع أن التفاوت في دراجات الإيمان ما بين المؤمنين دلت عليه الأحاديث ، وذلك التفاوت يكون له أثر كبير في تقبل حقائق الإيمان ورفض جملة منها ؛ فقد روي عن ابن مسكان عن سدير قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : (إن المؤمنين على منازل منهم على واحدة ومنهم على اثنتين ومنهم على ثلاث ومنهم على أربع ومنهم على خمس ومنهم على ست ومنهم على سبع فلو ذهبت تحمل على صاحب الواحدة ثنتين لم يقو ، وعلى صاحب الثنتين ثلاثا لم يقو ، وعلى صاحب الثلاث أربعا لم يقو ، وعلى صاحب الأربع خمسا لم يقو ، وعلى صاحب الخمس ستا لم يقو ، وعلى صاحب الست سبعا لم يقو ، وعلى هذه الدرجات)([1]).
وعن الإمام الصادق عليه السلام : (إن المؤمنين بعضهم أفضل من بعض وبعضهم أكثر صلاة من بعض وبعضهم أنفذ بصرا من بعض وهي الدرجات)([2]).
روي عن عبد العزيز القراطيسي قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : (يا عبد العزيز إن الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد لست علي شيء حتى ينتهي إلى العاشر ، فلا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك ، وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق ولا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره ، فإن من كسر مؤمنا فعليه جبره)([3]).
وفي هذا الشأن ما روي في سلمان وأبي ذر رضوان الله عليهما ، عن مسعدة
ابن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ذكرت التقية يوما عند علي بن الحسين عليهما السلام فقال : والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله ولقد آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بينهما ، فما ظنكم بسائر الخلق ، إن علم العلماء صعب مستصعب ، لا يحتمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، فقال : وإنما صار سلمان من العلماء لأنه أمرؤ منا أهل البيت ، فلذلك نسبته إلى العلماء([4]).
عن أمير المؤمنين عليه السلام : (لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله وقد آخى رسول الله بينهما فما ظنك بسائر الخلق)([5]).
وسُئل السيد محمد صادق الروحاني رحمه الله عن معنى الخبر فقال : الناس قابليات ، فالله سبحانه خلق قلوب الناس متفاوتة ؛ ولذا ترى بعض يتنكر لبعض الحقائق من المعاجز لأهل البيتعليهم السلام مع أن هناك من يراها شيئاً معقولا وهكذا ، وما ذاك إلا لاختلاف القابليات عند بني الإنسان ، ومن هنا تتفاوت المنزلة من شخص لآخر ، وقد قيل : إن كثيراً مما نؤمن به الآن كان عند بعض القدماء غلواً مع قيام الدليل عليه ، وعليه فالمراد من الحديث : أن القابلية الموجودة عند أبي ذر لا تؤهله للاطلاع على ما وصل إليه سلمان ، ولو اطلع عليه لاتهمه بالغلو فقتله([6]).
بل إن قابليات المؤمن وإدراكاته قد تتسع في بعض الجوانب وتضيق في أخرى كما روى الشيخ المفيد رحمه الله في سلمان المقداد : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لسلمان : (يا سلمان لو عرض علمك على المقداد لكفر ، يا مقداد لو عرض صبرك على سلمان لكفر)([7]).
[1] ) أصول الكافي،ج2،ص45.
[2] ) أصول الكافي،ج2،ص45.
[3] ) أصول الكافي،ج2،ص45.
[4] ) أصول الكافي،ج1،ص401.
[5] ) اختيار معرفة الرجال،ج1،ص70.
[6] ) أجوبة المسائل،ج1،ص280.
[7] ) الاختصاص،ص11.