النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(34)الثاني من معاني التقصير جحود العصمة

النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(34) الثاني من معاني التقصير جحود العصمة

إن الأخبار الدالة على عصمة الأئمة عليهم السلام كثيرة جداً وقد وردت بألفاظ متعددة ، فبعضها جاءت صريحة في العصمة ومتضمنة لمادتها ، كلفظ : (معصومون) وبعضها غير صريحة مثل : (مطهرون) ، (قوامون بالقسط) ، ونحوهما ، فمن الأخبار التي وردت صريحة ونصاً في العصمة :

1 ـ عن عبد الله بن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:(أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون)([1]).

2 ـ عن أمير المؤمنين عليه السلام : (إن الله طهرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجته في أرضه وجعلنا مع القران وجعل القران معنا لا نفارقه ولا يفارقنا)([2]).

3 ــ عن الإمام الصادق عليه السلام في خبر يذكر فيه صفات الإمام : (مطرودا عنه حبائل إبليس وجنوده ، مدفوعا عنه وقوب الغواسق ونفوث كل فاسق ، مصروفا عنه قوارف السوء ، مبرأً من العاهات ، محجوبا عن الآفات ، معصوما من الزلات ، مصونا عن الفواحش كلها)([3]).

4 ـ عن الإمام السجاد عليه السلام : (الإمام منا لا يكون إلا معصوما وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ولذلك لا يكون إلا منصوصا)([4]).

5 ــ عن حسين الأشقر قال : قلت لهشام بن الحكم : ما معنى قولكم : إن الإمام لا يكون إلا معصوما ؟ فقال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال : المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله ، وقال الله تبارك وتعالى : [وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ]([5])([6]).

6 ـ عن الإمام الباقر عليه السلام : (عشر خصال من صفات الإمام : العصمة ، والنصوص ، وأن يكون أعلم الناس وأتقاهم لله وأعلمهم بكتاب الله ، وأن يكون صاحب الوصية الظاهرة ، ويكون له المعجز والدليل ، وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ولا يكون له فيء ، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه)([7]).

7 ــ عن ابن عباس : قلت : يا رسول الله فكم الأئمة بعدك ؟ قال : بعدد حواري عيسى وأسباط موسى ونقباء بني إسرائيل . قلت : يا رسول الله فكم كانوا ؟ قال : كانوا اثني عشر ، والأئمة بعدي اثنا عشر ، أولهم علي بن أبي طالب ، وبعده سبطاي الحسن والحسين ، فإذا انقضى الحسين فابنه علي ، فإذا انقضى علي فابنه محمد ، فإذا انقضى محمد فابنه جعفر ، فإذا انقضى جعفر فابنه موسى ، فإذا انقضى موسى فابنه علي ، فإذا انقضى علي فابنه محمد ، فإذا انقضى محمد فابنه علي ، فإذا انقضى علي فابنه الحسن ، فإذا انقضى الحسن فابنه الحجة . قال ابن عباس : قلت : يا رسول الله أسامي لم أسمع بهن قط . قال لي : يا ابن عباس هم الأئمة بعدي ، وإن نهروا أمناء معصومون نجباء أخيار([8]).

8 ــ عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وآله : (لما عرج بي إلى السماء وبلغت سدرة المنتهى ودعني جبرئيل عليه السلام ، فقلت : حبيبي جبرئيل أفي هذا المقام تفارقني . فقال : يا محمد إني لا أجوز هذا الموضع فتحترق أجنحتي .ثم زج بي في النور ما شاء الله ، فأوحى الله إلي : يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيا ، ثم اطلعت ثانيا فاخترت منها عليا فجعلته وصيك ووارث علمك والإمام بعدك ، وأخرج من أصلابكما الذرية الطاهرة والأئمة المعصومين خزان علمي ، فلولاكم ما خلقت الدنيا ولا الآخرة ولا الجنة ولا النار)([9]).

 9 ــ عن أنس بن مالك ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : أوصياء الأنبياء الذين بعدهم بقضاء ديونهم وإنجاز عداتهم ويقاتلون على سنتهم . ثم التفت إلى علي عليه السلام فقال : أنت وصيي وأخي في الدنيا والآخرة تقضي ديني وتنجز عداتي وتقاتل على سنتي ، تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل فأنا خير الأنبياء وأنت خير الأوصياء وسبطاي خير الأسباط ، ومن صلبهما يخرج الأئمة التسعة مطهرون  معصومون قوامون بالقسط ، والأئمة بعدي على عدد نقباء بني إسرائيل وحواري عيسى([10]).

10 ــ عن زيد بن أرقم ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله  يقول لعلي عليه السلام : (أنت الإمام والخليفة بعدي ، وابناك سبطاي ، وهما سيدا شباب أهل الجنة ، وتسعة من صلب الحسين أئمة معصومون ، ومنهم قائمنا أهل البيت)([11]).

11 ــ عن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله  يقول : أنا سيد الأنبياء وعلي سيد الأوصياء وسبطاي خير الأسباط ، ومنا الأئمة المعصومون من صلب الحسين عليه السلام ، ومنا مهدي هذه الأمة . فقام إليه أعرابي فقال : يا رسول الله كم الأئمة بعدك ؟ قال : عدد الأسباط

وحواري عيسى ونقباء بني إسرائيل([12]).

 12 ــ عن عمار قال : لما حضرت  رسول الله صلى الله عليه وآله الوفاة دعا بعلي عليه السلام ، فساره طويلا ثم قال : يا علي أنت وصيي ووارثي قد أعطاك الله علمي وفهمي ، فإذا مت ظهرت لك ضغائن في صدور قوم وغصب على حقد . فبكت فاطمة عليها السلام وبكى الحسن والحسين ، فقال لفاطمة : يا سيدة النسوان مم بكاؤك ؟ قالت : يا أبة أخشى الضيعة بعدك . قال : أبشري يا فاطمة فإنك أول من يلحقني من أهل بيتي ، ولا تبكي ولا تحزني ، فإنك سيدة نساء أهل الجنة ، وأباك سيد الأنبياء ، وابن عمك خير الأوصياء ، وابناك سيدا شباب أهل الجنة ، ومن صلب الحسين يخرج الله الأئمة التسعة مطهرون معصومون ، ومنا مهدي هذه الأمة([13]).

13 ــ عن الاصبغ ابن نباتة ، قال سمعت عمران بن حصين ، يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام : أنت وارث علمي وأنت الإمام والخليفة بعدي ، تعلم الناس بعدي مالا يعلمون ، وأنت أبو سبطي وزوج ابنتي ، من ذريتكم العترة الأئمة المعصومون .

 فسأله سلمان عن الأئمة فقال : عدد نقباء بني إسرائيل([14]).

14 ــ عن سعد بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله قال : (يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، تقضي ديني وتنجز عداتي  وتقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل . يا علي حبك إيمان وبغضك نفاق ، ولقد نبأني اللطيف الخبير أنه يخرج من صلب الحسين تسعة من الأئمة معصومون مطهرون ، ومنهم مهدي هذه الأمة)([15]).

15 ــ عن أبى الطفيل ، عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (أنت الوصي على الأموات من أهل بيتي والخليفة على الأحياء من أمتي ، حربك حربي وسلمك سلمي ، أنت الإمام أبو الأئمة الإحدى عشر ، من صلبك أئمة مطهرون معصومون ، ومنهم المهدي الذي يملأ الدنيا قسطا وعدلا) ([16]).

16 ــ عن الحسين بن علي ، عن أبيه علي عليهما السلام قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة وقد نزلت  هذه الآية : [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا]([17]) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي هذه الآية نزلت فيك وفي سبطي والأئمة من ولدك . فقلت : يا رسول الله وكم الأئمة بعدك ؟ قال : أنت يا علي ، ثم ابناك الحسن والحسين ، وبعد الحسين علي ابنه ، وبعد علي محمد ابنه ، وبعد محمد جعفر ابنه ، وبعد جعفر موسى ابنه ، وبعد موسى علي ابنه ، وبعد علي محمد ابنه ، وبعد محمد علي ابنه ، وبعد علي الحسن ابنه ، والحجة من ولد الحسن ، هكذا وجدت أساميهم مكتوبة على ساق العرش ، فسألت الله تعالى عن ذلك فقال : يا محمد هم الأئمة بعدك مطهرون معصومون وأعداؤهم ملعونون ([18]).

 17 ــ عن موسى بن عبد ربه عن الحسين بن علي عليهما السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله : ألا أن أهل بيتي أمان لكم ، فأحبوهم لحبي وتمسكوا بهم لن تضلوا. قيل : فمن أهل بيتك يا نبي الله ؟ قال : علي وسبطاي وتسعة من ولد الحسين أئمة أبرار  أمناء معصومون([19]) .

18 ــ عن سداد بن أوس عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وآله : ارقبوا أهل بيتي فإن حاربوا فحاربوا وإن سالموا فسالموا وإن زالوا فزالوا معهم ، فإن الحق معهم حيث كانوا . قلت : فمن أهل بيته الذين أمرنا بالتمسك بهم ؟ قالت : هم الأئمة بعده كما قال : عدد نقباء بني إسرائيل علي وسبطاه  وتسعة من صلب الحسين ، هم أهل بيته هم المطهرون والأئمة المعصومون)([20]).

19 ــ عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وآله : لما أسري بي إلى السماء نظرت فإذا مكتوب على العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته بعلي ، ورأيت أنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وأنوار علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ، ورأيت نور الحجة يتلألأ من بينهم كأنه كوكب دري ، فقلت : يا رب من هذا ومن هؤلاء ؟ فنوديت : يا محمد هذا نور علي وفاطمة ، وهذا نور سبطيك الحسن والحسين ، وهذه أنوار الأئمة بعدك من ولد الحسين مطهرون معصومون ، وهذا الحجة يملأ الدنيا قسطا وعدلا([21]) .

20 ــ عن طارق بن شهاب قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام  للحسن والحسين عليهما السلام : (أنتما إمامان بعدي ، وسيدا شباب أهل الجنة ، والمعصومان ، حفظكما الله ولعنة الله على من عاداكما)([22]) .

21 ــ عن زيد بن علي عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وآله : (يا جابر إذا أدركت ولدي الباقر فاقرأه مني السلام فإنه سميّي وأشبه الناس بي ، علمه علمي وحكمه حكمي ، سبعة من ولده أمناء معصومون أئمة أبرار ، والسابع مهديهم الذي يملأ الدنيا قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما)([23]).

 22 ــ عن زيد بن علي عليه السلام  قال حدثني أبى علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا حسين أنت الإمام وأخي الإمام وابن الإمام ، تسعة من ولدك أمناء معصومون ، والتاسع مهديهم ، فطوبى لمن أحبهم والويل لمن أبغضهم([24]) .

 

   دلالة كلمات أصحاب الأئمة على العصمة

توجد عدة كلمات لأصحاب الأئمة عليهم السلام تدل على اعتقادهم وقولهم بالعصمة  من ضمنها :

 1ــ عن علي بن رئاب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل : [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ]([25]) أرأيت ما أصاب عليًّا وأهل بيته هو بما كسبت أيديهم وهم أهل بيت طهارة معصومون ؟ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتوب إلى الله عز وجل ويستغفره في كل يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب ، إن الله عز وجل يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب([26]).

وهذا الخبر يدل على أن علي بن رئاب ـــ الذي قال عنه الشيخ الطوسي في الفهرست : له أصل كبير ، وهو ثقة جليل القدر([27]) ـــ كان معتقدا بعصمة الأئمة عليهم السلام ولكنه توهم أن الآية تتنافى والعصمة ولهذا سأل الإمام.

2ــ عن عبد الله بن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : والله لو فلقت رمانة بنصفين ، فقلت : هذا حرام ، وهذا حلال ، لشهدت أن الذي قلت : حلال حلال ، وأن الذي قلت : حرام حرام . فقال : رحمك الله ، رحمك الله([28]).

وهذا يدل على أن ابن أبي يعفور ـــ الذي قال عنه النجاشي ثقة ثقة ، جليل في أصحابنا ، كريم على أبي عبد الله عليه السلام ومات في أيامه ، وكان قارئا يقرئ في مسجد الكوفة ، له كتاب يرويه عنه عدة من أصحابنا([29]) ــ مسلما بصحة كل ما يقوله الإمام الصادق عليه السلام وما ذكره من مثال الرمانة قاض بالتسليم لما يقوله وعصمته ، ولو كان ابن أبي يعفور مخطئا في تسليمه لكل قول يقوله الإمام  لرده عليه السلام ، ولم يقر قوله كما هو معروف في بحوث حجية قول الإمام وفعله وتقريره ، ولما هو معروف من إنكار الأئمة عليهم السلام لِما يُنسب إليهم بغير حق  وخذ على سبيل المثال رد الإمام الصادق عليه السلام لابن خنيس الذي توهم أن الأئمة أنبياء ، فقد ورد عن أبي العباس البقباق ، قال : تدارء ابن أبي يعفور ومعلى بن خنيس ، فقال ابن أبي يعفور : الأوصياء علماء أبرار أتقياء، وقال ابن خنيس : الأوصياء أنبياء ، قال : فدخلا على أبي عبد الله عليه السلام قال : فلما استقر مجلسهما ، قال : فبدأهما أبو عبد الله عليه السلام فقال : يا أبا عبد الله أبرأ ممن قال إنا أنبياء([30]).

3ــ  عن حمزة بن الطيار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أخذ أبو عبد الله عليه السلام بيدي ، ثم عدَّ الأئمة عليهم السلام إماماً إماماً ، يحسبهم بيده ، حتى انتهى إلى أبي جعفر عليه السلام فكف . فقلت : جعلني الله فداك ، لو فلقت رمانة ، فأحللت بعضها، وحرمت بعضها ، لشهدت أن ما حرمت حرام ، وما أحللت حلال ، فقال : فحسبك أن تقول بقوله ، وما أنا إلا مثلهم ، لي مالهم وعلي ما عليهم ، فإن أردت أن تجيء يوم القيامة مع الذين قال الله تعالى :[يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ]([31]) فقل بقوله.([32])

ونفس الكلام  المتقدم في خبر ابن أبي يعفور يجري في هذا الخبر .

4 ــ عن زرارة قال : قال لي زيد بن علي عليه السلام وأنا عند أبي عبد الله عليه السلام ما تقول يا فتى في رجل من آل محمد استنصرك ؟ فقلت إن كان مفروض الطاعة نصرته ، وإن كان غير مفروض الطاعة فلي أن أفعل ولي أن لا أفعل ، فلما خرج قال أبو عبد الله عليه السلام : أخذته والله من بين يديه ومن خلفه وما تركت له مخرجا([33]).

وهذا يعني أن زرارة وهو العالم الكبير والثقة الجليل يعرف أن في آل محمد صلوات الله عليهم ممن هو مفترض الطاعة وغير قابل للزلل ، ولو لم يكن فيهم من هو مفترض الطاعة وغير قابل للزلل لرده الإمام عليه السلام ولم يقر قوله لِما في حجية إقرار الإمام.

5 ــ يقول هشام بن الحكم في وصف الإمام .. وأما الأربعة التي في نعت نفسه فإن يكون أعلم الخلق وأسخى الخلق وأشجع الخلق وأعف الخلق وأعصمهم من الذنوب صغيرها وكبيرها لم تصبه فترة ولا جاهلية ولابد من أن يكون في كل زمان قائم بهذه الصفة إلى أن تقوم الساعة([34]).

6 ــ عن محمد بن أبي عمير قال : ما سمعت ولا استفدت من هشام بن الحكم في طول صحبتي له شيئا أحسن من هذا الكلام في صفة عصمة الإمام ، فإني سألته يوما عن الإمام أهو معصوم ؟

 فقال : نعم .

فقلت : فما صفة العصمة فيه ؟ وبأي شيء تعرف ؟

فقال : إن جميع الذنوب لها أربعة أوجه ولا خامس لها:الحرص والحسد والغضب والشهوة فهذه منفية عنه لا يجوز أن يكون حريصا على هذه الدنيا وهي تحت خاتمه لأنه خازن المسلمين ، فعلى ماذا يحرص ؟! ولا يجوز أن يكون حسودا لأن الإنسان إنما يحسد من فوقه وليس فوقه أحد ، فكيف يحسد من هو دونه ؟! ولا يجوز أن يغضب لشيء من أمور الدنيا إلا أن يكون غضبه لله عز وجل ، فإن الله عز وجل قد فرض عليه إقامة الحدود وأن لا تأخذه في الله لومة لائم ولا رأفة في دينه حتى يقيم حدود الله عز وجل ، ولا يجوز له أن يتبع الشهوات ويؤثر الدنيا على الآخرة لأن الله عز وجل حبب إليه الآخرة كما حبب إلينا الدنيا فهو ينظر إلى الآخرة كما ننظر إلى الدنيا ، فهل رأيت أحدا ترك وجها حسنا لوجه قبيح وطعاما طيبا لطعام مر ، وثوبا لينا لثوب خشن ، ونعمة دائمة باقية لدنيا زائلة فانية([35]).

وينبغي أن لا يُغفل إلى أن سؤال ابن أبي عمير لم يكن عن العصمة،وإنما عن دليلها أو أحقيقتها ، ولهذا كان الجواب تحليلي في ماهية العصمة يتناسب والسؤال ، ولم يكتف بالإثبات أو النفي فحسب ، كما أن قول ابن أبي عمير:(شيئا أحسن من هذا الكلام في عصمة الإمام) يدل على أن الكلام في التفاضل وليس في أصل الوجود ، بمعنى في أحسن كلام في العصمة ولم يكن أمرها مجهولا بالنسبة إليه.

ولو كان السؤال عن أصل العصمة وليس عن دليلها ، لم يكن لأستاذه أن يحدثه بكون الإمام (خازن المسلمين) (وليس فوقه أحد) (حبب إليه الآخرة كما حبب إلينا الدنيا فهو ينظر إلى الآخرة كما ننظر إلى الدنيا) إذ إن كل واحدة من هذه الأمور تحتاج إلى إثبات لا يقل عن دليل العصمة ، بل إن هذه المقامات لا تقل عن العصمة ، هذا إذا لم نقل تفوقها ، فمن غير المناسب أن يحدثه بها وهو غير مدرك للعصمة ، وقد يكون السؤال مطروحا على نحو المباحثة ، كالمباحثات المعهودة بين الطلبة ، وعليه لم يكن ابن أبي عمير جاهلا بحقيقة العصمة ولا بالدليل عليها.

7 ــ يقول الشيخ الحسين بن سعيد الأهوازي([36]) رحمه الله : (لا خلاف بين علمائنا في أنهم عليهم السلام معصومون من كل قبيح مطلقا وأنهم عليهم السلام يسمون ترك المندوب ذنبا وسيئة بالنسبة إلى كمالهم عليهم السلام)([37]).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) كمال الدين وتمام النعمة،ص280.

[2] ) بصائر الدرجات،ص103.

[3] ) أصول الكافي،ج1،ص204.

[4] ) معاني الأخبار،ص132 .

[5] ) سورة آل عمران : 110 .

[6] ) معاني الأخبار،ص132 .

[7] ) الخصال،ص428.

[8] ) كفاية الأثر،ص17.

[9] ) كفاية الأثر ،ص72 .

[10] ) كفاية الأثر،ص75.

[11] ) كفاية الأثر،ص100 .

[12] ) كفاية الأثر،ص113.

[13] ) كفاية الأثر،ص124.

[14] ) كفاية الأثر،ص221.

[15] ) كفاية الأثر،ص224 .

[16] ) كفاية الأثر،ص151 .

[17] ) سورة الأحزاب : 33 .

[18] ) كفاية الأثر،ص156.

[19] ) كفاية الأثر،ص170.

[20] ) كفاية الأثر،ص182.

[21] ) كفاية الأثر،ص185 .

[22] ) كفاية الأثر،ص221 .

[23] ) كفاية الأثر،ص302 .

[24] ) كفاية الأثر،ص303 .

[25] ) سورة الشورى : 30 .

[26] ) معاني الأخبار، ص383.

[27] ) الفهرست،ص151.

[28] ) اختيار معرفة الرجال،ج2،ص518.

[29] ) رجال النجاشي،ص213.

[30] ) اختيار معرفة الرجال:515.

[31] ) سورة الإسراء:71.

[32] ) اختيار معرفة الرجال،ج2،ص638.

[33] ) اختيار معرفة الرجال،ج1،ص369.

[34] ) علل الشرائع،ج1،ص203.

[35] ) معاني الأخبار،ص133 .

[36] ) الحسين بن سعيد روى عن ثلاثة من الأئمة المعصومين كما يقول الشيخ الطوسي رحمه الله في الفهرست : الحسين بن سعيد بن حماد بن سعيد بن مهران الأهوازي من موالي علي بن الحسين عليه السلام ثقة روى عن الرضا وأبي جعفر الثاني وأبي الحسن الثالث عليهم السلام وأصله كوفي وانتقل مع أخيه الحسن (رض) إلى الأهواز، ثم تحول إلى قم فنزل على الحسن بن أبان وتوفي بقم ، وله ثلاثون كتابا.الفهرست،ص112.

[37] ) كتاب الزهد ، ص73 .

 

Comments (0)
Add Comment