النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(35)
الثالث من معاني التقصير:جحود الولاية التكوينية:
إن الولاية التكوينية من الأمور الثابتة للأئمة عليهم السلام ، والتي مفادها القدرة والتصرف في الكون والمخلوقات ، وتدل عليها الكثير من الأحاديث ، فهي ثابتة إجمالا وإن وقع الكلام في بعض التفاصيل ؛ فلا ينفي القول بالولاية التكوينية بصورة عامة إلا مقصر.
والقرآن الكريم في مواضع متعددة أثبت الولاية التكوينية للأنبياء فلم يكن من الشيء المستبعد والغلو ثبوتها للأئمة عليهم السلام.
ولكن مصطلح الولاية التكوينية لم يرد في الأخبار ولم يكن المصطلح ذا أهمية بعد وورد معناه في الأحاديث إذ الكلام في المعنى لا في اللفظ . وقد وضعه العلماء للدلالة على ذلك المقام العظيم الذي يعني تصرف الأنبياء والأئمة عليهم السلام في الكون والمخلوقات بإذن الله عز وجل.
كما أن ثبوت الولاية التكوينية للأئمة عليهم السلام وقدرتهم على التصرف يكون بإرادة الله عز وجل.
آيات تدل على ثبوت الولاية التكوينية
إن الآيات التي تدل على الولاية التكوينية ليست بالقلية أقتصر على بعضها :
[إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ][وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ]([1]).
:[وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ]([2])
[قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ][قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي]([3]).
روي عن سدير عن الإمام الصادق عليه السلام : يا سدير : ألم تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى ، قال : فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل : [قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ]([4]) قال : قلت : جعلت فداك قد قرأته ، قال : فهل عرفت الرجل ؟ وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب ؟ قال : قلت : أخبرني به ؟ قال : قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر فما يكون ذلك من علم الكتاب ؟ ! قال : قلت جعلت : فداك ما أقل هذا فقال : يا سدير : ما أكثر هذا ، أن ينسبه الله عز وجل إلى العلم الذي أخبرك به يا سدير ، فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل أيضا : [قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ]([5]) قال : قلت : قد قرأته جعلت فداك قال : أفمن عنده علم الكتاب كله أفهم أم من عنده علم الكتاب بعضه ؟ قلت : لا ، بل من عنده علم الكتاب كله ، قال : فأومأ بيده إلى صدره وقال : علم الكتاب والله كله عندنا ، علم الكتاب والله كله عندنا([6]).
وعن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن أبي عبد الله عليه السلام قال الذي عنده علم الكتاب هو أمير المؤمنين عليه السلام وسئل عن الذي عنده علم من الكتاب اعلم أم الذي عنده علم الكتاب فقال ما كان علم الذي عنده علم من الكتاب عند الذي عنده علم الكتاب إلا بقدر ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام ألا ان العلم الذي هبط به آدم من السماء إلى الأرض وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله([7]).
وقد يتساءل هل كان النبي سليمان محتاجا إلى علم آصف بن برخيا أو هل كان النبي سليمان لا يمتلك العلم الذي عنده ؟
والجواب هو فيما روي عن الإمام الهادي عليه السلام : (قول الله عز وجل في كتابه : [قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ] فهو آصف بن برخيا ولم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف ، لكنه أحب أن يعرف أمته من الجن والإنس أنه الحجة من بعده وذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر الله ففهمه الله ذلك لئلا يختلف في إمامته ودلالته كما فهم سليمان في حياة داود ليعرض إمامته ونبوته من بعده لتأكيد الحجة على الخلق)([8]).
أما كيفية إحضار عرش بلقيس فقد روي عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام : (إن جبرئيل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وآله ، والحسين عليه السلام يلعب بين يديه ، فأخبره أن أمته ستقتله ، قال : فجزع رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : ألا أريك التربة التي يقتل فيها ، قال : فخسف ما بين مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المكان الذي قتل فيه الحسين عليه السلام حتى التقت القطعتان ، فأخذ منها ، ودحيت في أسرع من طرفة عين ، فخرج وهو يقول : طوبى لك من تربة وطوبى لمن يقتل حولك . قال : وكذلك صنع صاحب سليمان ، تكلم باسم الله الأعظم فخسف ما بين سرير سليمان وبين العرش من سهولة الأرض وحزونتها([9]) ، حتى التقت القطعتان فاجتر العرش ، قال سليمان : يخيل إلي أنه خرج من تحت سريري ، قال : ودحيت في أسرع من طرفة العين([10]).
ومن الآيات قوله تعالى : [هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ]([11]).
روي عن عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الإمام فوض الله إليه كما فوض إلى سليمان بن داود ؟ فقال : نعم ([12]).
وعن الإمام الكاظم عليه السلام : (والله أوتينا ما أوتي سليمان وما لم يؤت سليمان وما لم يؤت أحد من العالمين ، قال الله عز وجل في قصة سليمان : [هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ]([13])([14]).
ومنها قوله تعالى :[وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ]([15])
وقوله تعالى : [وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ]([16]).
روى أبو الفتح الكراجكي (ت:449هـ) في كنز الفوائد وعنه الحر العاملي في الوسائل والعلامة المجلسي في البحار : إن أبا حنيفة أكل طعاما مع الإمام الصادق جعفر بن محمد عليهم السلام فلما رفع الصادق عليه السلام يده من أكله قال الحمد لله رب العالمين اللهم هذا منك ومن رسولك صلى الله عليه وآله فقال أبو حنيفة أبا عبد الله أجعلت مع الله شريكا فقال له ويلك فإن الله تعالى يقول في كتابه : [وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ]([17]). ويقول في موضع آخر : [وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ]([18]).
فقال أبو حنيفة والله لكأني ما قرأتهما قط من كتاب الله ولا سمعتهما إلا في هذا الوقت فقال أبو عبد الله عليه السلام بلى قد قرأتهما وسمعتهما ولكن الله تعالى انزل فيك وفي أشباهك : [أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا]([19]) وقال : [كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ]([20])([21]).
إن كل ما ثبت للأنبياء عليهم السلام من معاجز ومناقب يمكن ثبوته ووقوعه للأئمة عليهم السلام كما يأتي بيانه في الأحاديث التي تدل على ثبوت الولاية التكوينية.
أحاديث تدل على ثبوت الولاية التكوينية للأئمة
إن الأحاديث التي تدل على الولاية التكوينية وتصرف الأئمة عليهم السلام في القوانين التكوينية كثيرة جدا ولكن بصورة عامة يمكن تقسيمها إلى خمسة أقسام :
القسم الأول : الأئمة ورثة الأنبياء عليهم السلام :
وهو ما دل على أن الأئمة ورثة الأنبياء كما روي عن محمد بن حماد ، عن أخيه أحمد ابن حماد ، عن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك أخبرني عن النبي صلى الله عليه وآله ورث النبيين كلهم ؟ قال : نعم ، قلت : من لدن آدم حتى انتهى إلى نفسه ؟ قال : ما بعث الله نبيا إلا ومحمد صلى الله عليه وآله أعلم منه ، قال : قلت : إن عيسى ابن مريم كان يحيى الموتى بإذن الله ، قال : صدقت وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقدر على هذه المنازل ، قال : فقال : إن سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشك في أمره :[فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ]([22]) حين فقده ، فغضب عليه فقال : [لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ]([23]) وإنما غضب لأنه كان يدله على الماء ، فهذا – وهو طائر – قد أعطي ما لم يعط سليمان وقد كانت الريح والنمل والأنس والجن والشياطين والمردة له طائعين ، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء ، وكان الطير يعرفه وإن الله يقول في كتابه : [وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى]([24]) وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال وتقطع به البلدان ، وتحيى به الموتى ، ونحن نعرف الماء تحت الهواء ، وإن في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلا أن يأذن الله به مع ما قد يأذن الله مما كتبه الماضون ، جعله الله لنا في أم الكتاب ، إن الله يقول : [وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ]([25]) ثم قال : [ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا]([26]) فنحن الذين اصطفانا الله عز وجل وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شيء([27]).
وعن الإمام الرضا عليه السلام : (نحن أولى الناس بكتاب الله ، ونحن أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وآله ، ونحن الذين شرع الله لنا دينه فقال في كتابه : شرع لكم ( يا آل محمد ) من الدين ما وصى به نوحا ( قد وصانا بما وصى به نوحا) والذي أوحينا إليك (يا محمد) وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى (فقد علمنا وبلغنا علم ما علمنا واستودعنا علمهم نحن ورثة أولي العزم من الرسل) أن أقيموا الدين (يا آل محمد) ولا تتفرقوا فيه(وكونوا على جماعة) كبر على المشركين (من أشرك بولاية علي) ما تدعوهم إليه (من ولاية علي) إن الله (يا محمد) يهدي إليه من ينيب من يجيبك إلى ولاية علي عليه السلام)([28]).
والشيخ الكليني رحمه الله في أصول الكافي ذكر عدة أخبار تدل على هذا المعنى في باب : (إن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم).
ويدل ذلك على إمكان وصدور ما جرى على يد الأنبياء من معاجز وكرامات من قِبل الأئمة عليهم السلام
القسم الثاني : بيانات الأئمة في قدرتهم على المعاجز
قد جاء في بعض الأخبار تصريح الأئمة عليهم السلام في قدرتهم على إحياء الموتى وشفاء المرضى بإذن الله تعالى ، وطاعة كل شيء لأهل البيت عليه السلام فقد جاء في حديث معتبر رواه الشيخ الكليني رحمه الله في أصول الكافي عن مثنى الحناط عن أبي بصير قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقلت له : أنتم ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
قال : نعم ، قلت : رسول الله صلى الله عليه وآله وارث الأنبياء ، علم كما علموا ؟ قال لي : نعم ، قلت : فأنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرؤا الأكمه والأبرص ؟ قال : نعم بإذن الله([29]).
وعن الإمام الحسين عليه السلام : (والله ما خلق الله شيئا إلا وقد أمره بالطاعة لنا)([30]).
ولكن حقيقة الطاعة وكيفيتها مما لا تتعقله أفهامنا.
القسم الثالث : أفعال الأئمة :
توجد أخبار كثيرة جاء فيها فعل الإمام وقدرته على التصرف في التكوينيات بإذن الله تعالى ، أقتصرُ على ذكر بعضها من باب المثال:
حديث معتبر ــ تقدم ذكر مطلعه في القسم الثاني ــ رواه الشيخ الكليني رحمه الله في أصول الكافي عن مثنى الحناط عن أبي بصير قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقلت له : أنتم ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
قال : نعم ، قلت : رسول الله صلى الله عليه وآله وارث الأنبياء ، علم كما علموا ؟ قال لي : نعم ، قلت : فأنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرؤا الأكمه والأبرص ؟ قال : نعم بإذن الله ، ثم قال لي : ادن مني يا أبا محمد فدنوت منه فمسح على وجهي وعلى عيني فأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكل شيء في البلد ثم قال لي : أتحب أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة أو تعود كما كنت ولك الجنة خالصا ؟ قلت : أعود كما كنت ، فمسح على عيني فعدت كما كنت ، قال : فحدثت ابن أبي عمير بهذا ، فقال أشهد أن هذا حق كما أن النهار حق([31]).
روي أن أبا بصير قال للإمام للباقر عليه السلام : ما أكثر الحجيج وأعظم الضجيج ، فقال : بل ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج أتحب أن تعلم صدق ما أقوله وتراه عيانا ؟ فمسح على عينيه ودعا بدعوات فعاد بصيرا فقال : انظر يا أبا بصير إلى الحجيج ، قال : فنظرت فإذا أكثر الناس قردة وخنازير والمؤمن بينهم كالكواكب اللامع في الظلماء ، فقال أبو بصير صدقت يا مولاي ما أقل الحجيج وأكثر الضجيج ، ثم دعا بدعوات فعاد ضريرا فقال
أبو بصير في ذلك ، فقال عليه السلام : ما بخلنا عليك يا أبا بصير وإن كان الله تعالى ما ظلمك وإنما خار لك وخشينا فتنة الناس بنا وأن يجهلوا فضل الله علينا ويجعلونا أربابا من دون الله ونحن له عبيد لا نستكبر عن عبادته ولا نسأم من طاعته ونحن له مسلمون([32]).
روى الشيخ المفيد رحمه الله عن ابن أبي عمير ، عن أبان الأحمر قال : قال الصادق عليه السلام : يا أبان كيف ينكر الناس قول أمير المؤمنين عليه السلام لما قال : (لو شئت لرفعت رجلي هذه فضربت بها صدر ابن أبي سفيان بالشام فنكسته عن سريره) ولا ينكرون تناول آصف وصي سليمان عرش بلقيس وإتيانه سليمان به قبل أن يرتد إليه طرفه ، أليس نبينا صلى الله عليه وآله أفضل الأنبياء ووصيه عليه السلام أفضل الأوصياء ، أفلا جعلوه كوصي سليمان ، حكم الله بيننا وبين من جحد حقنا وأنكر فضلنا([33]).
وذكر الحر العاملي في إثبات الهداة : (كتاب عيون المعجزات المنسوب إلى السيد المرتضى عن أبي جعفر بن جرير الطبري عن عبد اللّه بن محمد البلوي عن هاشم بن زيد قال : رأيت علي بن محمد صاحب العسكر عليه السلام وقد أتي بأكمه فأبرأه ورأيته يهيئ من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيطير ، فقلت له : لا فرق بينك وبين عيسى ؟ فقال : أنا منه وهو مني)([34]).
القسم الرابع : امتلاك الأئمة الاسم الأعظم
إن الأنبياء وأوصياءهم بما فيهم آصف بن برخيا كان لديهم بعض الأحرف من الاسم الأعظم وتحقق على أيديهم ما تحقق من الأمور التي ذكرها القرآن الكريم فما بالك فيمن كان لديه أكثر عددا من الاسم الأعظم ؟! من باب أولى تكون لديه القدرة على تلك الأمور وغيرها فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام : (إن اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا وإنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين ونحن عندنا من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفا ، وحرف واحد عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب عنده ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)([35]).
عن الإمام الصادق عليه السلام : (كان سليمان عنده اسم الله الأكبر الذي إذا سئله أعطى وإذا دعا به أجاب ولو كان اليوم لاحتاج إلينا)([36]).
وعن الإمام الحسن العسكري عليه السلام : (اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفا ، كان عند آصف حرف فتكلم به فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان ، ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفه عين ، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفا ، وحرف عند الله مستأثر به في علم الغيب)([37]).
القسم الخامس :ما يدل على أفضلية الأئمة على الأنبياء ما عدا الرسول الخاتم
توجد أحاديث كثيرة تدل على أفضلية الأئمة عليهم السلام على الأنبياء عليهم السلام ما عدا رسول الله صلى الله عليه وآله فما تحقق للمفضول من مناقب وكرامات يكون تحققه لدى الفاضل من باب أولى وعلى أقل تقدير لا يمنع تحققه لدى الفاضل فمن تلك الأخبار التي تدل على الأفضلية :
عن رسول الله صلى الله عليه وآله : ما خلق الله خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه مني ، قال : علي عليه السلام فقلت يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل فقال يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك وان الملائكة لخدامنا وخدام محبينا . يا علي ، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا ، يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ، ولا السماء ولا الأرض… وانه لما عرج بي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى ، وأقام مثنى مثنى ، ثم قال لي تقدم يا محمد ، فقلت له يا جبرئيل أتقدم عليك ؟ فقال : نعم ، لان الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه على ملائكته أجمعين ، وفضلك خاصة . فتقدمت فصليت بهم ولا فخر ، فلما انتهيت إلى حجب النور قال لي جبرئيل تقدم يا محمد وتخلف عنى ، فقلت يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني ؟ فقال يا محمد : ان انتهاء حدى الذي وضعني الله عز وجل فيه إلى هذا المكان فان تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدي حدود ربى جل جلاله فزج بي في النور زجة حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله من علو ملكة فنوديت يا محمد ، فقلت : لبيك ربي وسعد يك تباركت وتعاليت ، فنوديت يا محمد أنت عبدي وأنا ربك فإياي فاعبد وعلي فتوكل ، فإنك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجتي على بريتي ، لك ولمن أتبعك خلقت جنتي ، ولمن خالفك خلفت ناري ، ولأوصيائك أوجبت كرامتي ، ولشيعتهم أوجبت ثوابي ، فقلت يا رب : ومن أوصيائي ، فنوديت يا محمد : أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي ، فنظرت وأنا بين يدي ربى جل جلاله إلى ساق العرش فرأيت اثنى عشر نورا ، في كل نور سطر أخضر عليه اسم وصي من أوصيائي ، أولهم : علي بن أبي طالب ، وآخرهم مهدي أمتي ، فقلت يا رب هؤلاء أوصيائي من بعدي ؟ فنوديت يا محمد هؤلاء أوليائي وأوصيائي وحججي بعدك على بريتي وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك ، وعزتي وجلالي ، لأظهرن بهم ديني ولأعلين بهم كلمتي ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي ، ولأمكننه مشارق الأرض ومغاربها ، ولأسخرن له الرياح ، ولأذللن له السحاب الصعاب ، ولأرقينه في الأسباب ، ولأنصرنه بجندي ولأمدنه بملائكتي حتى تعلو دعوتي ويجتمع الخلق على توحيدي ، ثم لأديمن ملكه ، ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة([38]).
وعنه صلى الله عليه وآله : (إن الله اختار من الناس الأنبياء واختار من الأنبياء الرسل ، واختارني من الرسل ، واختار مني عليا ، واختار من علي الحسن والحسين ، واختار من الحسين الأوصياء ، تاسعهم قائمهم ، وهو ظاهرهم وباطنهم)([39]).
ورواه محمد بن جرير الطبري (ت:310هـ) باختلاف يسير : (عن رسول الله صلى الله عليه وآله : (إن الله عز وجل اختار من الأيام يوم الجمعة ، ومن الشهور شهر رمضان ، ومن الليالي ليلة القدر ، فجعلها خيرا من ألف شهر . واختار من الناس الأنبياء ، واختار من الأنبياء الرسل ، واختارني من الرسل ، فاختار مني عليا ، واختار من علي الحسن والحسين ، واختار من الحسين أئمة ينفون عن التنزيل تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، تاسعهم باطنهم ، وهو ظاهرهم ، وهو قائمهم)([40]).
وأيضا رواه المسعودي (ت:346هـ) عن رسول الله صلى الله عليه وآله : (إن اللّه عز وجل اختار من الأيام يوم الجمعة ومن الليالي ليلة القدر ومن الشهور شهر رمضان واختارني من الرسل واختار مني عليا واختار من علي الحسن والحسين واختار منهما تسعة تاسعهم قائمهم وهو ظاهرهم وهو باطنهم)([41]).
ومن الأخبار التي تدل على التفضيل ما روي أن الأئمة عليهم السلام بمنزلة رسول الله فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام (الأئمة بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أنهم ليسوا بأنبياء ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي صلى الله عليه وآله فأما ما خلا ذلك فهم فيه بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله)([42]).
عن الإمام الباقر عليه السلام : (لقد سئل موسى العالم مسألة لم يكن عنده جوابها ولقد سأل العالم موسى مسألة لم يكن عنده جوابها ولو كنت بينهما لأخبرت كل واحد منهما بجواب مسألته ولسألتهما عن مسألة لا يكون عندهما جوابها).
عن الإمام الصادق عليه السلام : (إن الله خلق أولى العزم من الرسل بالعلم وورثنا علمهم وفضلنا عليهم في علمهم)([43]).
عن سيف التمار قال كنا مع أبي عبد الله عليه السلام جماعة من الشيعة في الحجر فقال : علينا عين ؟ فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا فقلنا : ليس علينا عين فقال : ورب الكعبة ورب البنية – ثلاث مرات – لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبئتهما بما ليس في أيديهما ، لان موسى والخضر عليهما السلام أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وراثة([44]).
روى الشيخ الكليني رحمه الله في أصول الكافي عن علي بن النعمان رفعه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أبو جعفر عليه السلام يمصون الثماد ويدعون النهر العظيم ، قيل له : وما النهر العظيم ؟ قال : رسول الله صلى الله عليه وآله والعلم الذي أعطاه الله ، إن الله عز وجل جمع لمحمد صلى الله عليه وآله سنن النبيين من آدم وهلم جرا إلى محمد صلى الله عليه وآله قيل له : وما تلك السنن ؟ قال : علم النبيين بأسره ، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله صير ذلك كله عند أمير المؤمنين عليه السلام فقال له رجل : يا ابن رسول الله فأمير المؤمنين أعلم أم بعض النبيين ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : اسمعوا ما يقول ؟ إن الله يفتح مسامع من يشاء ، إني حدثته أن الله جمع لمحمد صلى الله عليه وآله علم النبيين وأنه جمع ذلك كله عند أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو يسألني أهو أعلم أم بعض النبيين([45]).
ولا يخفى أن هذا الخبر يدل على تفضيل خصوص أمير المؤمنين عليه السلام.
ومما يدل على تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام ما روي عن عبد الله بن الوليد قال : قال أبو عبد الله عليه السلام ما يقول أصحابك في أمير المؤمنين عليه السلام وعيسى وموسى انهم اعلم قال قلت ما يقدمون على أولى العزم أحدا قال اما انك حاججتهم بكتاب الله لحججتهم قال قلت وأين هذا في كتاب الله قال إن الله قال في موسى وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة ولم يقل كل شئ وقال في عيسى ولابين لكم بعض الذي تختلفون ولم يقل كل شيء وقال في صاحبكم كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب([46]).
ومما يدل على التفضيل الأخبار التي رويت في أن الله عز وجل خلق الخلق لأجل محمد وآله.والتي يأتي التعرض إليها عند بيان : (جحود خلق الخلق بسببهم).
والشيخ المفيد رحمه الله ذهب إلى التفضيل تبعا للأخبار كما يقول : (قد قطع قوم من أهل الإمامة بفضل الأئمة عليهم السلام من آل محمد صلى الله عليه وآله على سائر من تقدم من الرسل والأنبياء سوى نبينا محمد صلى الله عليه وآله ، وأوجب فريق منهم لهم الفضل على جميع الأنبياء سوى أولي العزم منهم عليهم السلام وأبى القولين فريق منهم آخر وقطعوا بفضل الأنبياء كلهم على سائر الأئمة عليهم السلام ،و هذا باب ليس للعقول في إيجابه والمنع منه مجال ولا على أحد الأقوال فيه إجماع ، وقد جاءت آثار عن النبي صلى الله عليه وآله في أمير المؤمنين عليه السلام وذريته من الأئمة ، والأخبار عن الأئمة الصادقين أيضا من بعد ، وفي القرآن مواضع تقوي العزم على ما قاله الفريق الأول في هذا المعنى)([47]).
وقد ذكر العلامة المجلسي أن الأخبار في التفضيل أكثر من أن تحصى : (فضل نبينا وأئمتنا صلوات الله عليهم على جميع المخلوقات وكون أئمتنا عليهم السلام أفضل من سائر الأنبياء ، هو الذي لا يرتاب فيه من تتبع أخبارهم عليهم السلام على وجه الإذعان واليقين ، والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى ، وإنما أوردنا في هذا الباب قليلا منها ، وهي متفرقة في الأبواب لا سيما باب صفات الأنبياء وأصنافهم عليهم السلام ، وباب أنهم عليهم السلام كلمة الله ، وباب بدو أنوارهم وباب أنهم أعلم من الأنبياء ، وأبواب فضائل أمير المؤمنين وفاطمة.صلوات الله عليهما ، وعليه عمدة الإمامية ، ولا يأبى ذلك إلا جاهل بالأخبار)([48]).
وفي هذا الصدد سُئل السيد محمد صادق الروحاني : هل أنتم مع الشيخ المفيد في تفضيل جميع الأئمة عليهم السلام على جميع الأنبياء عليهم السلام ؟
فأجاب رحمه الله : نعم ما أفاده الشيخ المفيد (قدس سره) هو ما تقتضيه البراهين العقلية والأدلة النقلية([49]).
وسُئل أيضا : هل الأئمة عليهم السلام أفضل من الأنبياء عليهم السلام بما فيهم أولو العزم ؟
فأجاب رحمه الله : كون الأئمة عليهم السلام أفضل من الأنبياء جميعاً بما فيهم أولو العزم ، مما لا إشكال فيه ولا كلام ، والنصوص المتواترة دالّة على ذلك([50]).
ومما يدل على تفضيل الإمامة على النبوة ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام : (إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا وإن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه ، رسولا وإن الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا وإن الله اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما ، فلما جمع له الأشياء قال : ” إني جاعلك للناس إماما ” قال : فمن عظمها في عين إبراهيم قال : ” ومن ذريتي ، قال : لا ينال عهدي الظالمين ” قال : لا يكون السفيه إمام التقي)([51]).
وقد يقال بعض الأنبياء نالوا مقام الإمام فلا يدل هذا الحديث على التفضيل؟
والجواب أن الخبر يدل على تفضيل الإمامة على النبوة ولا يدل على تفضيل الأئمة على الأنبياء عليهم السلام ولكن الإمام إذا كان تابعا لشريعة خاتم الأنبياء وأعظم الشرائع حينها لا يستبعد التفضيل في حقه
ومما يستدل به على أفضلية الأئمة هو أن القرآن جعل أمير المؤمنين نفس رسول الله بل توجد آيات تقوي أفضلية الأئمة على الأنبياء عليهم السلام كما تقدم في كلام الشيخ المفيد رحمه الله : (وفي القرآن مواضع تقوي العزم على ما قاله الفريق الأول في هذا المعنى)([52]).
وأيضا النبوي المشهور : (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)([53]).
ومما يُذكر بهذا الصدد أن حبرا سأل أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين ! أفنبي أنت ؟ فقال : ويلك إنما أنا عبد من عبيد محمد صلى الله عليه وآله([54]).
حقيقة الولاية التكوينية
إن حقيقة الولاية التكوينية للأنبياء والأئمة عليهم السلام هو أن لهم القدرة في الفعل والتصرف في شؤون الخلق والكون ، بمعنى أن يكون الفعل مسندا إليهم بإذن الله تعالى ، وهذا أفضل تعريف للولاية التكوينية لأنه تدل عليه ظاهر الآيات القرآنية مؤيدا بثلة من الأخبار ، مثل قوله تعالى : :[أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ]([55]). فنسبة الفعل في هذه الأمور كما هو ظاهر إلى النبي عيسى عليه السلام بإذن الله تعالى.
وقوله تعالى : [وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ]([56]) إذ تدل الآية المباركة على أن الريح تجري بأمر النبي سليمان عليه السلام
وأيضا قوله تعالى :[قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ]([57]) حيث نسبة الفعل فيه إلى الذي عند علم من الكتاب : [أَنَا آَتِيكَ].
ومنه يتضح أن القول بأن حقيقة الولاية التكوينية مجرد دعاء صاحب المعجز في تحقق الفعل ، أو أن نسبة الفعل يكون فيها مسندا إلى الله تعالى وصاحب المعجز مظهرا لظهور الفعل يتنافى مع ظاهر الآيات وبعض الروايات.
وقد ذهب جملة من الأعلام لذلك استنادا لظاهر الآيات والروايات ، يقول الشيخ جواد التبريزي : (الولاية التكوينية التي عبارة عن تأثير مشية النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام عليه السلام في أمر كوني بمجردها أو مع فعل ما يكون التأثير به من قبيل خرق العادة ، كإحياء عيسى (على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام) ، وتفجير موسى عليه السلام العيون بضرب عصاه…إلى غير ذلك . ودعوى أنّ هذه الأمور تحصل بمشية اللَّه ولم يكن صدورها عنهم كصدور سائر أفعالهم ، يكذبها ظاهر الكتاب المجيد ، قال اللَّه سبحانه حكاية عن قول عيسى : [قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ] الآية . وذكر كون هذه الأفعال بإذن ربه لا ينافي صدورها عنه عليه السلام ، حيث إن الإذن المزبور تكويني وعبارة عن إعطاء اللَّه جلّ وعلا القدرة عليها ، نظير قوله سبحانه : [ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ] . وثبوت هذه الولاية التكوينية للأئمة عليهم السلام يظهر من الروايات المختلفة الواردة في الحوادث المتفرقة والشواهد التاريخية بحيث يحصل للمتتبع الجزم بها .وربما يستدل في ثبوتها لهم عليهم السلام بكونهم أفضل من أنبياء السلف ، وأن علياً عليه السلام كنفس النبي صلى الله عليه وآله فكيف لا يثبت لهم عليهم السلام ما كان ثابتاً للأنبياء)([58]).
وأيضا الشيخ جعفر السبحاني ذهب لذلك عند تعقيبه على كلام العلامة المجلسي: (ما ذكره هو الحق ، إلا أن ظواهر الآيات والروايات في المعاجز على خلاف ما اختاره ، لظهورها في كون المعجزات مستندة إليهم أنفسهم بإذن الله . قال سبحانه : [وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي]. فإن الخطابات دليل على أنهم عليهم السلام قائمون بها بإذن الله)([59]).
أقوال العلماء في الولاية التكوينية
إن العلماء تبعا للأحاديث الكثيرة قالوا بالولاية التكوينية للأئمة عليهم السلام ، وهذه بعض أقوالهم واستدلالاتهم بهذا الصدد :
يقول الميرزا النائيني : (أن لولايتهم مرتبتين (إحديهما) الولاية التكوينية التي هي عبارة عن تسخير المكونات تحت إرادتهم ومشيتهم بحول الله وقوته ، كما ورد في زيارة الحجة أرواحنا له الفداء بأنه ما من شيء إلا وأنتم له السبب ، وذلك لكونهم عليهم السلام مظاهر أسمائه وصفاته تعالى فيكون فعلهم فعله وقولهم قوله ، وهذه المرتبة من الولاية مختصة بهم وليست قابلة للإعطاء إلى غيرهم لكونها من مقتضيات ذواتهم النورية ونفوسهم المقدسة التي لا يبلغ إلى دون مرتبتها مبلغ (وثانيتهما) الولاية التشريعية الإلهية الثابتة لهم من الله سبحانه وتعالى في عالم التشريع بمعنى وجوب إتباعهم في كل شيء وأنهم أولى بالناس شرعا في كل شيء من أنفسهم وأموالهم ، والفرق بين المرتبتين ظاهر ، حيث إن الأولى تكوينية والثانية ثابتة في عالم التشريع وإن كانت الثانية أيضا لا تكون ثابتة إلا لمن له المرتبة الأولى إذ ليس كل أحد لائقا للتلبس بذلك المنصب الرفيع والمقام المنيع إلا من خصه الله بكرامته وهو صاحب المرتبة الأولى)([60]).
يقول السيد محمد بحر العلوم : (إن أكمل الولايات وأقواها : هو ولاية الله سبحانه وتعالى على خلقه من الممكنات بعد أن كانت بأسرها في جميع شؤونها وكافة أطوارها مفتقرة في وجودها إلى الواجب ، مقهورة تحت سلطانه متقلبة بقدرته ، إذ لا استقلالية للمكن في الوجود لكونه ممكنا ” بالذات موجودا ” بالغير ، وعدم التعلق في الممتنع لنقص في المتعلق ، لا لقصور في التعلق ، وإلا فهو على كل شيء قدير . ومن رشحات هذه الولاية : ولاية النبي صلى الله عليه وآله وخلفائه المعصومين عليهم السلام : بالولاية الباطنية ، فإن لهم التصرف بها في الممكنات بأسرها من الذرة إلى الذروة بإذنه تعالى)([61]).
يقول السيد الخوئي : (الولاية التكوينية فلا إشكال في ثبوتها وأن المخلوقات بأجمعها راجعة إليهم وإنما خلقت لهم ، ولهم القدرة على التصرف فيها وهم وسائط التكوين ، ولعل ذلك بمكان من الوضوح ولا يحتاج إلى إطالة الكلام)([62]).
يقول السيد عبد الأعلى السبزواري : (فقد أفاض لهم اللَّه تعالى من الولايتين بما شاء وأراد عز وجل ، وطريق إثبات ذلك ما تواتر عنهم من المعاجز في التكوينيات وبيان الأحكام في التشريعيات)([63]).
السيد محمد صادق الروحاني : (الولاية الثابتة للإمام المعصوم عليه السلام لها عدّة موارد : المورد الأوّل : الولاية التكوينية ، والمراد بها : كون زمام أمر العالم بيده ، وله السلطنة التامة على جميع الأمور بالتصرف فيها كيف ما شاء إيجاداً وإعداماً ، ولكن لا بنحو الاستقلال ، بل في طول قدرة اللَّه تعالى وإرادته)([64]).
الشيخ محمد تقي الآملي : (إن لولايتهم صلوات اللَّه عليهم أجمعين مرتبتين أولهما الولاية التكوينية على أنفس الأناسي وأموالهم ، بحكم النبي أولى بالمؤمنين إلخ وهي عبارة عن تسخير الكائنات الإمكانية تحت إرادتهم ومشيتهم بحول اللَّه تعالى ومشيته كما ورد في زيارة الحجة أرواحنا فداه بأنه ما من شيء إلا وأنتم له سبب ، وهذه المرتبة مجعولة لهم بالجعل التكويني البسيط ، بمعنى أنها لازم وجودهم الغير المنفك عنهم ، وقد تقرر في محله أن لوازم الشيء غير قابلة لان يتعلق بها الجعل المركب ، بل الجعل المركب في عرض قد بدا مفارقا لا غير بالجعل المؤلف انطقا ، فجعل تلك المرتبة من الولاية لهم هو بجعل وجوداتهم النورية الشريفة)([65]).
الشيخ جواد التبريزي : (الولاية التكوينية التي عبارة عن تأثير مشية النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام عليه السلام في أمر كوني بمجردها أو مع فعل ما يكون التأثير به من قبيل خرق العادة ، كإحياء عيسى ( على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام ) ، وتفجير موسى عليه السلام العيون بضرب عصاه . . . إلى غير ذلك . ودعوى أنّ هذه الأمور تحصل بمشية اللَّه ولم يكن صدورها عنهم كصدور سائر أفعالهم ، يكذبها ظاهر الكتاب المجيد ، قال اللَّه سبحانه حكاية عن قول عيسى : قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ « 1 » الآية . وذكر كون هذه الأفعال بإذن ربه لا ينافي صدورها عنه عليه السلام ، حيث إن الإذن المزبور تكويني وعبارة عن إعطاء اللَّه جلّ وعلا القدرة عليها ، نظير قوله سبحانه : ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وثبوت هذه الولاية التكوينية للأئمة عليهم السلام يظهر من الروايات المختلفة الواردة في الحوادث المتفرقة والشواهد التاريخية بحيث يحصل للمتتبع الجزم بها .وربما يستدل في ثبوتها لهم عليهم السلام بكونهم أفضل من أنبياء السلف ، وأن علياً عليه السلام كنفس النبي صلى الله عليه وآله فكيف لا يثبت لهم عليهم السلام ما كان ثابتاً للأنبياء)([66]).
ويقول الشيخ البهائي مخاطبا الإمام المهدي عليه السلام :
أيا حجّة اللّه الذي ليس جاريا * بغير الذي يرضاه سابق أقدار
ويا من مقاليد الزمان بكفّه * وناهيك من مجد به خصه الباري([67]).
ولربما يُستشكل أن بعض الأخبار يستفاد منها نفي الولاية التكوينية؟
وجواب ذلك هو أن تلك النصوص بصدد نفي الولاية التكويينية بغير إذن الله تعالى نظير المنفي في الأحاديث في علم الغيب حيث المنفي هو معرفة الأئمة بالغيب من دون الله تعالى أما العلم باطلاع الله عز وجل فهو غير منفي.ومما يدل على أن المنفي هو الولاية التكوينية بغير إذن الله عز وجل هو الآيات القرآنية التتي تدل على الولاية التكوينية مثل آصف وضرب العصى من النبي موسى والمعاجز والتصرفات الكوينية الكثيرة التي حدثت من قبل الأئمة ودلت عليها الكثير من النصوص مما لا مناص من الالتزام بمضون بعضها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) سورة ص:18ـ19.
[2] ) سورة الأنبياء : 81.
[3] ) سورة النمل:39ـ40.
[4] ) سورة النمل : 40.
[5] ) سورة الرعد:34.
[6] ) أصول الكافي،ج1،ص257.
[7] ) تفسير القمي،ج1،ص367.
[8] ) الاختصاص،ص93.
[9] ) السهولة : ضد الحزونة.الصحاح،ج5،ص1733.
[10] ) كامل الزيارات،ص128.
[11] ) سورة ص :39.
[12] ) أصول الكافي،ج1،ص439.
[13] ) سورة ص :39.
[14] ) معاني الأخبار،ص353.
[15] ) سورة التوبة:74.
[16] ) سورة التوبة:59.
[17] ) سورة التوبة:74.
[18] ) سورة التوبة:59.
[19] ) سورة محمد:24.
[20] ) سورة المطففين:14.
[21] ) كنز الفوائد،ص196.
[22] ) سورة النمل:20.
[23] ) سورة النمل:21.
[24] ) سورة الرعد:31.
[25] ) سورة النمل:75.
[26] ) سورة فاطر:32.
[27] ) أصول الكافي،ج1،ص226.بصائر الدرجات.
[28] ) أصول الكافي،ج1،ص224.
[29] ) أصول الكافي،ج1،ص470.
[30] ) اختيار معرفة الرجال،ج1،ص299.
[31] ) أصول الكافي،ج1،ص470.
[32] ) مناقب آل أبي طالب،ج3،ص318.
[33] ) الاختصاص،ص212.
[34] ) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات،ج4،ص443.
[35] ) أصول الكافي،ج1،ص230.
[36] ) بصائر الدرجات،ص231.
[37] ) أصول الكافي،ج1،ص230.
[38] ) علل الشرائع،ج1،ص5.
[39] ) غيبة الطوسي،ص143.
[40] ) دلائل الإمامة،ص454.
[41] ) إثبات الوصية للإمام علي،ص266.
[42] ) أصول الكافي،ج١،ص٢٧٠.
[43] ) بصائر الدرجات،ص249.
[44] ) أصول الكافي،ج1،ص261.
[45] ) أصول الكافي،ج1،ص222.
[46] ) بصائر الدرجات،ص249.
[47] ) أوائل المقالات،ص70.
[48] ) بحار الأنوار،ج26،ص297.
[49] ) أجوبة المسائل،ج1،ص78.
[50] ) أجوبة المسائل،ج1،ص78.
[51] ) أصول الكافي،ج1،ص175.
[52] ) أوائل المقالات،ص70.
[53] ) أمالي الصدوق،ص560.
[54] ) أصول الكافي،ج1،ص90.
[55] ) سورة آل عمران : 49.
[56] ) سورة الأنبياء : 81.
[57] ) سورة النمل : 40.
[58] ) إرشاد الطالب في شرح المكاسب،ج4،ص197.
[59] ) كليات في علم الرجال،ص٤٢٣.
[60] ) تقرير بحث النائيني للآملي (كتاب المكاسب والبيع)،ج2،ص332.
[61] ) بلغة الفقيه،ج3،ص213.
[62] ) التنقيح،ج37،ص157.
[63] ) مهذب الأحكام،ج16،ص362.
[64] ) أجوبة المسائل،ج2،ص156.
[65] ) مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى،ج10،ص370.
[66] ) إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،ج4،ص197.
[67] ) الأربعون حديثا،ص41.