النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(36) الرابع من معاني التقصير

النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(36)

الرابع من معاني التقصير : جحود خلق الخلق بسبب أهل البيت عليهم السلام :

وردت أحاديث ليست بالقلية في مصادر الخاصة والعامة تدل على أن الله عز وجل خلق الخلق بسبب أهل البيت عليهم السلام :

عن رسول الله صلى الله عليه وآله : (يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ، ولا السماء ولا الأرض)([1]).

عن رسول الله صلى الله عليه وآله : ما خلق الله خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه مني ، قال : علي عليه السلام فقلت يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل فقال يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا . يا علي ، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا ، يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ، ولا السماء ولا الأرض… وانه لما عرج بي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى ، وأقام مثنى مثنى ، ثم قال لي تقدم يا محمد ، فقلت له يا جبرئيل أتقدم عليك ؟ فقال : نعم ، لان الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه على ملائكته أجمعين ، وفضلك خاصة . فتقدمت فصليت بهم ولا فخر ، فلما انتهيت إلى حجب النور قال لي جبرئيل تقدم يا محمد وتخلف عنى ، فقلت يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني ؟ فقال يا محمد : ان انتهاء حدى الذي وضعني الله عز وجل فيه إلى هذا المكان فان تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدي حدود ربى جل جلاله فزج بي في النور زجة حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله من علو ملكة فنوديت يا محمد ، فقلت : لبيك ربي وسعد يك تباركت وتعاليت ، فنوديت يا محمد أنت عبدي وأنا ربك فإياي فاعبد وعلي فتوكل ، فإنك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجتي على بريتي ، لك ولمن أتبعك خلقت جنتي ، ولمن خالفك خلفت ناري ، ولأوصيائك أوجبت كرامتي ، ولشيعتهم أوجبت ثوابي ، فقلت يا رب : ومن أوصيائي ، فنوديت يا محمد : أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي ، فنظرت وأنا بين يدي ربى جل جلاله إلى ساق العرش فرأيت اثنى عشر نورا ، في كل نور سطر أخضر عليه اسم وصي من أوصيائي ، أولهم : علي بن أبي طالب ، وآخرهم مهدي أمتي ، فقلت يا رب هؤلاء أوصيائي من بعدي ؟ فنوديت يا محمد هؤلاء أوليائي وأوصيائي وحججي بعدك على بريتي وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك ، وعزتي وجلالي ، لأظهرن بهم ديني ولأعلين بهم كلمتي ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي ، ولأمكننه مشارق الأرض ومغاربها ، ولأسخرن له الرياح ، ولأذللن له السحاب الصعاب ، ولأرقينه في الأسباب ، ولأنصرنه بجندي ولأمدنه بملائكتي حتى تعلو دعوتي ويجتمع الخلق على توحيدي ، ثم لأديمن ملكه ، ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة([2])

عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وآله : (لما عرج بي إلى السماء وبلغت سدرة المنتهى ودعني جبرئيل عليه السلام ، فقلت : حبيبي جبرئيل أفي هذا المقام تفارقني . فقال : يا محمد إني لا أجوز هذا الموضع فتحترق أجنحتي .ثم زج بي في النور ما شاء الله ، فأوحى الله إلي : يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيا ، ثم اطلعت ثانيا فاخترت منها عليا فجعلته وصيك ووارث علمك والإمام بعدك ، وأخرج من أصلابكما الذرية الطاهرة والأئمة المعصومين خزان علمي ، فلولاكم ما خلقت الدنيا ولا الآخرة ولا الجنة ولا النار)([3]).

وأما حديث الكساء فهو من الأحاديث التي روتها مصادر الخاصة والعامة إلا أن النص المذكور : (وعزتي وجلالي ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئة ولا بحرا يجري ولا فلكا يدور ولا فلكا يسري إلا لأجلكم) فقد رواه الشيخ الطريحي (ت:1085هـ) مرسلا في المنتخب([4])

وقد روى الفتال النيسابوري (ت:508هـ) عن رسول الله صلى الله عليه وآله : (إني أفضل النبيين وإن وصيي أفضل الوصيين ، وإن أبي آدم عليه السلام لما رأى أسمي واسم علي وابنتي فاطمة والحسن والحسين ، وأسماء أولادهم مكتوبا على ساق العرش بالنور قال : إلهي وسيدي هل خلقت خلقا هو أكرم عليك منى ؟ فقال يا آدم لولا هذه الأسماء لما خلقت سماء مبنية ، ولا أرضا مدحية ولا ملكا مقربا ، ولا نبيا مرسلا ولا خلقتك يا آدم فلما عصى آدم ربه سأله بحقنا أن يقبل توبته ، ويغفر خطيئته فأجابه وكنا الكلمات التي تلقاه آدم من ربه عز وجل . فتاب عليه وغفر له)([5]).

وأيضاً رواه شاذان بن جبرائيل القمي ــ توفي حدود : 660هـ ــ باختلاف يسير عن رسول الله صلى الله عليه وآله : (إني أفضل الأنبياء وإن وصي أفضل الأوصياء وإن أبي آدم لما رأى أسمي واسم أخي وأسماء فاطمة والحسن والحسين مكتوبات على ساق العرش بالنور فقال : إلهي هل خلقت خلقا قبلي هو أكرم عليك مني ؟ فقال الله تعالى : يا آدم لولا هذه الأسماء لما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولولاهم لما خلقتك . فقال : إلهي وسيدي فبحقهم عليك إلا غفرت لي خطيئتي)([6]).

والسيد هاشم البحراني (ت:1107هـ) في تفسير البرهان([7]) رواه عن (روضة الواعظين) ، وأيضا العلامة المجلسي في البحار([8]) نقله عن : (روضة الواعظين).

ولكن الشيخ عبد الله البحراني (ت:1130هـ) تلميذ العلامة المجلسي رواه مسندا حيث يقول : ( رأيت بخط الشيخ الجليل السيد هاشم ، عن شيخه السيد ماجد البحراني عن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني ، عن شيخه المقدس الأردبيلي ، عن شيخه علي بن عبد العالي الكركي ، عن الشيخ علي بن هلال الجزائري عن الشيخ أحمد بن فهد الحلي ، عن الشيخ علي بن الخازن الحائري ، عن الشيخ ضياء الدين علي بن الشهيد الأول ، عن أبيه ، عن فخر المحققين ، عن شيخه العلامة الحلي ، عن شيخه المحقق ، عن شيخه ابن نما الحلي ، عن شيخه محمد بن إدريس الحلي ، عن ابن حمزة الطوسي صاحب (ثاقب المناقب) عن الشيخ الجليل محمد بن شهرآشوب ، عن الطبرسي صاحب (الاحتجاج) عن شيخه الجليل الحسن بن محمد ابن الحسن الطوسي ، عن أبيه شيخ الطائفة ، عن شيخه المفيد ، عن شيخه ابن قولويه القمي ، عن شيخه الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه إبراهيم بن هاشم عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، عن قاسم بن يحيى الجلاء الكوفي ، عن أبي بصير ، عن أبان بن تغلب البكري ، عن جابر بن يزيد الجعفي ؛ عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، عن فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : قال : سمعت فاطمة أنها قالت: دخل عليّ أبي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في بعض الأيام فقال : السلام عليك يا فاطمة ، فقلت : وعليك السلام ، قال : إني أجد في بدني ضعفا ؛ فقلت له : أعيذك باللّه يا أبتاه من الضعف ، فقال : يا فاطمة ، آتيني بالكساء اليماني فغطيني به ، فأتيته بالكساء اليماني فغطيته به وصرت أنظر إليه وإذا وجهه يتلألأ كأنه البدر في ليلة تمامه وكماله . فما كانت إلا ساعة وإذا بولدي الحسن عليه السلام قد أقبل وقال : السلام عليك يا أماه ، فقلت : وعليك السلام يا قرة عيني وثمرة فؤادي ؛ فقال لي : يا أماه ، إني أشم عندك رائحة طيبة ، كأنها رائحة جدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .فقلت : نعم إن جدك تحت الكساء ، فأقبل الحسن نحو الكساء وقال : السلام عليك يا جداه يا رسول اللّه ، أتأذن لي أن أدخل معك تحت الكساء؟

قال صلى اللّه عليه وآله  : وعليك السلام يا ولدي ويا صاحب حوضي قد أذنت لك ؛ فدخل معه تحت الكساء ، فما كانت إلا ساعة وإذا بولدي الحسين عليه السلام قد أقبل ، وقال : السلام عليك يا أماه ، فقلت : وعليك السلام يا ولدي ويا قرة عيني وثمرة فؤادي ، فقال لي : يا أماه ، إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقلت : نعم يا بني إن جدّك وأخاك تحت الكساء ؛ فدنى الحسين نحو الكساء ، وقال : السلام عليك يا جداه ، السلام عليك يا من اختاره اللّه ، أتأذن لي أن أكون معكما تحت الكساء ؟ فقال صلى اللّه عليه وآله : وعليك السلام يا ولدي ، وشافع أمتي قد أذنت لك ، فدخل معهما تحت الكساء . فأقبل عند ذلك أبو الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام وقال : السلام عليك يا بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقلت : وعليك السلام يا أبا الحسن ويا أمير المؤمنين ، فقال : يا فاطمة ، إني أشم عندك رائحة طيبة كأنّها رائحة أخي وابن عمي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله . فقلت : نعم ها هو مع ولديك تحت الكساء . فأقبل علي عليه السلام نحو الكساء ، وقال : السلام عليك يا رسول اللّه ، أتأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء ؟

قال له : وعليك السلام يا أخي ويا وصيي وخليفتي ، وصاحب لوائي قد أذنت لك ، فدخل علي عليه السلام تحت الكساء ، ثم أتيت نحو الكساء ، وقلت : السلام عليك يا أبتاه يا رسول اللّه ، أتأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء ؟ قال : وعليك السلام يا بنتي ويا بضعتي ، قد أذنت لك ، فدخلت تحت الكساء . فلما اكتملنا جميعا تحت الكساء ، أخذ أبي رسول اللّه بطرفي الكساء ، وأومئ بيده اليمنى إلى السماء ، وقال : اللهم إن هؤلاء أهل بيتي ، وخاصتي وحامتي ، لحمهم لحمي ، ودمهم دمي ، يؤلمني ما يؤلمهم ، ويحزنني ما يحزنهم ، أنا حرب لمن حاربهم ، وسلم لمن سالمهم ، وعدو لمن عاداهم ، ومحب لمن أحبهم ، إنهم مني وأنا منهم ، فاجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك وغفرانك ورضوانك عليّ وعليهم واذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . فقال اللّه عز وجل : يا ملائكتي ، ويا سكان سماواتي ، إني ما خلقت سماء مبنية ، ولا أرضا مدحية ، ولا قمرا منيرا ، ولا شمسا مضيئة ، ولا فلكا يدور ، ولا بحرا يجري ، ولا فلكا تسري ، إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء .

فقال الأمين جبرائيل : يا رب ، ومن تحت الكساء ؟ فقال عز وجل : هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ، وهم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها . فقال جبرائيل : يا رب ، أتأذن لي أن أهبط إلى الأرض لأكون معهم سادسا ؟ فقال اللّه : نعم قد أذنت لك . فهبط الأمين جبرائيل وقال : السلام عليك يا رسول اللّه ، العلي الأعلى يقرئك السلام ويخصك بالتحية والإكرام ويقول لك : وعزتي وجلالي إني ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ، ولا قمرا منيرا ، ولا شمسا مضيئة ، ولا فلكا يدور ، ولا بحرا يجري ، ولا فلكا تسري ، إلا لأجلكم ومحبتكم ، وقد أذن لي أن أدخل معكم فهل تأذن لي يا رسول اللّه ؟

فقال رسول اللّه : وعليك السلام يا أمين وحي اللّه ، نعم ، قد أذنت لك .

فدخل جبرائيل معنا تحت الكساء فقال لأبي : إن اللّه عز وجل قد أوحى إليكم يقول : [إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً].

فقال علي لأبي : يا رسول اللّه ، أخبرني ما لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند اللّه ؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وآله  : والذي بعثني بالحق نبيا ، واصطفاني بالرسالة نجيا ، ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا ، إلا ونزلت عليهم الرحمة ، وحفت بهم الملائكة واستغفرت لهم إلى أن يتفرقوا . فقال علي : إذن واللّه فزنا وفاز شيعتنا وربّ الكعبة .

فقال أبي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : يا علي ، والذي بعثني بالحق نبيا ، واصطفاني بالرسالة نجيا ، ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا ، وفيهم مهموم إلا وفرج اللّه همه ، ولا مغموم إلا وكشف اللّه غمه ، ولا طالب حاجة إلا وقضى اللّه حاجته ؛

فقال علي : إذن واللّه فزنا وسعدنا ، وكذلك شيعتنا فازوا وسعدوا في الدنيا والآخرة برب الكعبة([9]).

وفي مصادر العامة :

روى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين عن ابن عباس :  (أوحى الله إلى عيسى عليه السلام يا عيسى آمن بمحمد وأمر من أدركه من أمتك ان يؤمنوا به فلولا محمد ما خلقت آدم ولولا محمد ما خلقت الجنة ولا النار ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن) وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (أي البخاري ومسلم)([10]).

وروى الحاكم أيضا عن رسول الله : (لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله يا آدم وكيف عرفت محمد أو لم أخلقه قال يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ادعني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك) وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد([11]).

وكلمات العلماء تبعا للأخبار تتحدث عن سبب الخلق أهل البيت عليهم السلام يقول السيد ابن طاووس : (إذا كان هذا كله فضل الدعاء لإخوانك فكيف فضل الدعاء لسلطانك الذي كان سبب إمكانك وأنت تعتقد أن لولاه ما خلق الله نفسك ولا أحدا من المكلفين في زمانه وزمانك وأن اللطف بوجوده صلوات الله عليه سبب لكل ما أنت وغيرك فيه وسبب لكل خير تبلغون إليه فإياك ثم إياك أن تقدم نفسك أو أحدا من الخلائق في الولاء والدعاء له بأبلغ الإمكان واحضر قلبك ولسانك في الدعاء لذلك المولى العظيم الشأن)([12]).

يقول العلامة المجلسي بصدد كلامه عن الفلاسفة : (اعلم أن أكثر ما أثبتوه لهذه العقول قد ثبت لأرواح النبي والأئمة عليه السلام في أخبارنا المتواترة على وجه آخر ، فإنهم أثبتوا القدم للعقل ، وقد ثبت التقدم في الخلق لأرواحهم إما على جميع المخلوقات ، أو على سائر الروحانيين في أخبار متواترة ، وأيضا أثبتوا لها التوسط في الإيجاد أو الاشتراط في التأثير ، وقد ثبت في الأخبار كونهم علة غائية لجميع المخلوقات ، وأنه لولاهم لما خلق الله الأفلاك وغيرها ، وأثبتوا لها كونها وسائط من إفاضة العلوم والمعارف على النفوس والأرواح ، وقد ثبت في الأخبار أن جميع العلوم والحقائق في المعارف بتوسطهم يفيض على سائر الخلق حتى الملائكة والأنبياء ، والحاصل أنه قد ثبت بالأخبار المستفيضة : أنهم عليه السلام الوسائل بين الخلق وبين الحق في إفاضة جميع الرحمات والعلوم والكمالات على جميع الخلق ، فكلما يكون التوسل بهم والإذعان بفضلهم أكثر كان فيضان الكمالات من الله تعالى أكثر)([13]).

وسُئل السيد الخوئي رحمه الله :

1 ــ هل يجوز الاعتقاد بأن النبي والأئمة المعصومين عليهم السلام هم العلة الفاعلية والمادية ، والصورية والغائية لجميع الخلائق ؟

2 ــ هل يجوز إطلاق هذه الألفاظ عليهم ؟

3 ــ ما حكم من يعتقد ذلك ؟

فأجاب ووافقه الشيخ جواد التبريزي :

1 ــ باسمه تعالى إن خلق الدنيا ومن فيها وكذا خلق الآخرة ومن فيها وما فيها كله من فعل الله عز وجل ومشيئته ، وبما أن الله سبحانه وتعالى حكيم لا يخلق شيئا عبثا ، فالغرض من خلق الدنيا وما فيها هو أن يعرف الناس ربهم ، ويصلوا إلى كمالاتهم ، بإطاعة الله سبحانه وتعالى ، والتقرب إليه ، وهذا يقتضي اللطف من الله بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، ونصب الأوصياء والأئمة عليهم السلام ليأخذ الناس منهم سبيل الاهتداء ، وبما أن الحكمة هي ما ذكر في الخلق حيث يفصح عنه قوله تعالى : [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ]([14]) ، وبضميمة قوله سبحانه : [خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا]([15]) يعلم أن الغاية من خلق الإنس والجن هي خلق الذين يعرفون الله سبحانه ويعبدونه ، ويهتدون بالهدي ، والسابقون على ذلك في علم الله سبحانه الذين يتخذون الحياة الدنيا وسيلة لكسب رضا ربهم ، والتفاني في رضاه ، هم الأنبياء والأوصياء والأئمة عليهم السلام ، والسابقون في هذه المرتبة هم نبينا محمد والأئمة الأطهار عليهم السلام من بعده . وبذلك يصح القول أنهم علة غائية لخلق العباد ، لا بمعنى أن الخالق يحتاج إلى الغاية ، بل لأن إفاضة فيض الوجود بسبب ما سبق في علمه من أنهم السابقون الكاملون في الغرض والغاية من الفيض ، والله العالم.

2 – إطلاق جميع هذه الألفاظ غير صحيح ، والصحيح إطلاق ما ذكرنا .

3 – من يعتقد بذلك يدخل في قسم من الغلاة ، والله العالم([16]).

إن نفي هذه الأمور من أوضح معاني التقصير وتدل على أن من ينفيها لم يسر وفق حديث أهل البيت والضوابط العلمية وذات لوازم لا يمكن الالتزام بها حيث من ينفي كل واحدة من هذه الأمور بالرغم من وجود الأحاديث الكثيرة فيها عليها أن ينفي الكثير من ضروريات الدين في الأصول والفروع ولربما كان بعضه بصدد النفي وهو غير ملتفت إلى تلك اللوازم .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) علل الشرائع،ج1،ص5.

[2] ) علل الشرائع،ج1،ص5.

[3] ) كفاية الأثر ،ص72 .

[4] ) المنتخب : المجلس الثاني من الجزء الثاني،ص240.

[5] ) روضة الواعظين،ص84.

[6] ) الفضائل،ص128.

[7] ) البرهان في تفسير القرآن،ج2،ص442.

[8] ) بحار الأنوار،ج35،ص23.

[9] ) عوالم العلوم (السيدة الزهراء)،ج2،ص933.

[10] ) المستدرك على الصحيحين،ج2،ص615.

[11] ) المستدرك على الصحيحين،ج2،ص615.

[12] ) فلاح السائل،ص44.

[13] ) مرآة العقول،ج1،ص29

[14] ) سورة الذاريات:56.

[15] ) سورة البقرة:29.

[16] ) صراط النجاة،ج3،ص436.

Comments (0)
Add Comment