النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(40)
عمى ابن عباس بسبب إنكار حديث الغدير
وروى الشيخ الكليني رحمه الله أن ابن عباس عمي بصره بسبب جحوده حديث الغدير : (عن أبي عبد الله عليه السلام قال بينا أبي جالس وعنده نفر إذا استضحك حتى اغرورقت عيناه دموعا ثم قال : هل تدرون ما أضحكني ؟ قال : فقالوا : لا ، قال زعم ابن عباس أنه من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا . فقلت له : هل رأيت الملائكة يا ابن عباس تخبرك بولايتها لك في الدنيا والآخرة ، مع الأمن من الخوف والحزن ، قال فقال إن الله تبارك وتعالى يقول : [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ]([1])وقد دخل في هذا جميع الأمة ، فاستضحكت . ثم قلت : صدقت يا ابن عباس أنشدك الله هل في حكم الله جل ذكره اختلاف قال : فقال : لا ، فقلت : ما ترى في رجل ضرب رجلا أصابعه بالسيف حتى سقطت ثم ذهب وأتى رجل آخر فأطار كفه فأتى به إليك وأنت قاض ، كيف أنت صانع ؟ قال : أقول لهذا القاطع : أعطه دية كفه وأقول لهذا المقطوع : صالحه على ما شئت وابعث به إلى ذوي عدل ، قلت : جاء الاختلاف في حكم الله عز ذكره ، ونقضت القول الأول ، أبى الله عز ذكره أن يحدث في خلقة شيئا من الحدود ليس تفسيره في الأرض ، اقطع قاطع الكف أصلا ثم أعطه دية الأصابع هكذا حكم الله ليلة تنزل فيها أمره ، إن جحدتها بعدما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله فأدخلك الله النار كما أعمى بصرك يوم جحدتها علي بن أبي طالب قال : فلذلك عمي بصري ، قال : وما علمك بذلك فوالله إن عمي بصري إلا من صفقة جناح الملك)([2]).
وأيضاً زيد بن أرقم عمي بصره بسبب جحوده منقبة حديث الغدير ؛ روى الشيخ المفيد رحمه الله عن أبي سلمان المؤذن ، عن زيد بن أرقم قال : نشد علي الناس في المسجد فقال : أنشد الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول : (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) فقام اثنا عشر بدريا ، ستة من الجانب الأيمن ، وستة من الجانب الأيسر ، فشهدوا بذلك . فقال زيد بن أرقم : وكنت أنا فيمن سمع ذلك فكتمته ، فذهب الله ببصري وكان يتندم على ما فاته من الشهادة ويستغفر([3]).
وروى الشيخ الطبرسي في الاحتجاج أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لجمع من المهاجرين والأنصار : (ولا علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله ترك يوم غدير خم لأحد حجة ولا لقائل مقالا ، فأنشد الله رجلا سمع النبي يوم غدير خم يقول : (من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وخذل من خذله) أن يشهد الآن بما سمع . قال زيد بن أرقم : فشهد اثنا عشر رجلا بدريا بذلك وكنت ممن سمع القول من رسول الله صلى الله عليه وآله فكتمت الشهادة يومئذ ، فدعا عليٌّ عليَّ فذهب بصري)([4]).
وبعد ذلك فليحذر أولئك الذين يشككون بمناقب وأحاديث أهل البيت عليهم السلام ـــ تعمدا لإقصاء الحديث والمناقب أو أنهم يشككون بحجج واهية من قبيل عدم فهم الحديث ، أو عدم توافقه مع متبنياتهم وأذواقهم ـــ أن يصيبهم جزاء عملهم في الدنيا قبل الآخرة.
روى الشيخ المفيد رحمه الله عن ابن أبي عمير ، عن أبان الأحمر قال : قال الصادق عليه السلام : يا أبان كيف ينكر الناس قول أمير المؤمنين عليه السلام لما قال : (لو شئت لرفعت رجلي هذه فضربت بها صدر ابن أبي سفيان بالشام فنكسته عن سريره) ولا ينكرون تناول آصف وصي سليمان عرش بلقيس وإتيانه سليمان به قبل أن يرتد إليه طرفه ، أليس نبينا صلى الله عليه وآله أفضل الأنبياء ووصيه عليه السلام أفضل الأوصياء ، أفلا جعلوه كوصي سليمان ، حكم الله بيننا وبين من جحد حقنا وأنكر فضلنا([5]).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) سورة الحجرات:10.
[2] ) أصول الكافي،ج1،ص247.
[3] ) الأرشاد،ج1،ص352.
[4] ) الاحتجاج،ج1،ص96.
[5] ) الاختصاص،ص212.