لربما تصادف جماعة في طريق أو في أحد المراقد المقدسة ويطلبون منك محاضرة كما حدث مع أحد أصدقائنا كان يزور أمير المؤمنين عليه السلام فجاءه مجموعة من الزوار اللبنانيين وطلبوا منه أن يصطحبهم إلى الفندق ويلقي عليهم محاضرة هناك .
وأتصور أن بهذه الدقائق المعدودة والصحبة العابرة من الأفضل أن لا تكون المحاضرة في موضوع واحد وإنما يجعلها ضمن عدة نقاط ومحطات عقائدية وفقهية ونحو ذلك مما يتضمن الوعظ والإرشاد وعند كل نقطة أو محطة يتوقف حدود خمس دقائق لكي يخرج المجموع بعدة فوائد كل واحدة منها لربما تقودهم إلى أبواب معرفية وجملة من العوائد.
والآن أضع بين يديك أيها المحاضر وأنت في تلك الحالة التي لربما ترددت فيها حول اختيار الموضوع وأي من المواضيع ينبغي طرحها جملة من المحاور التي يصح طرح كل واحد منها في غضون دقائق يسيرة.
المحطة الأولى :
عقائدية في الإشارة إلى أن العلاقة بين الإيمان والعمل طردية كل ما ازداد الإيمان كلما زادت أعمال الخير عند الإنسان وكلما عمل أعمال الخير ودوام عليها كلما قوى إيمانه وعلى سبيل المثال ما يدل على أن الإيمان يدفع نحو الأعمال الصالحة ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام : (ما ضعف بدن عما قويت عليه النية)([1]) لأن الإيمان بما فيه من نوايا حسنة تدفعه لفعل الخيل. ومثال أن الأعمال الصالحة تزيد الإيمان ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام : (سبب صلاح الأيمان التقوى)([2]).
فإذا أراد الإنسان المحافظة على إيمانه ويرفع من مستواه عليه أن يمتثل لما أمر الله به ويتجنب المعاصي لأن المعاصي تظلم القلب حتى تمحق منه نور الإيمان فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام : (إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب انمحت وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبدا)([3]).
وهذا الحديث يدل على أن الذنب يسود القلب ويحث المذنب على المسارعة إلى التوبة وعدم التمادي في المعاصي.
المحطة الثانية :
ينبغي على أتباع أهل البيت عليهم السلام أخذ معارفهم وأفكارهم في أصول الدين وفروعه من أهل البيت روي عن أمير المؤمنين في وصيته لكميل بن زياد عليه الرحمة : (يا كميل لا تأخذ إلا عنا تكن منا)([4]).
وعن الإمام الرضا عليه السلام : (شيعتنا المسلمون لأمرنا ، الآخذون بقولنا ، المخالفون لأعدائنا ، فمن لم يكن كذلك فليس منا)([5]).
لأن الإتباع لم يكن بالادعاء وإنما من خلال المتابعة العملية لمعارفهم ونورهم.وهنا ينبغي الحذر الشديد من الاتجاهات والمسالك التي تستقي من غير أهل البيت وتدعي الأخذ منهم.
ويجدر الاطلاع على حديثهم عليهم السلام في كتاب أصول الكافي وروضته وكتاب نهج البلاغة ــ مع ملاحظة الشروحات عندما يتطلب الشرح مثل شرح ابن ميثم البحراني لنهج البلاغة ــ وكتب الشيخ الصدوق والمفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي ونحو ذلك من مصادر الحديث ومراجعة الشرح فيما يقتضي الشرح في الكتب التي تعرضت لشرح الأخبار كمعاني الأخبار للشيخ الصدوق وشرح أصول الكافي للشيخ صالح المازندراني ومرآة العقول للعلامة المجلسي ومصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار للسيد عبد الله شبر ولا يخفى أن بعض الأخبار يتطلب معرفة معاني مفرداتها لغويا فمن المفيد جدا مراجعة (مجمع البحرين) للطريحي والذي هو أيضا تضمن شرح الكثير من أخبار أهل البيت عليهم السلام
المحطة الثالثة :
وهي فقهية في أن الواجب على كل مسلم تعلم الأحكام الابتلائية التي تكون في معرض حياته اليومية مثل الأمور الفقهية التي لا يعرف حكمها في الوضوء والصلاة فمن الأمور الضرورية التي ينبغي معرفتها صلاة الاحتياط فيما لو كان جاهلا معرفة كيفيتها وموردها فالمصلي أحيانا يشك ما بين الركعة الثالثة والرابعة أو ما بين الاثنين والثالثة فإذا شك ما بين الثلاثة والأربعة يبني على الأربع ويأتي بركعة احتياط وإذا شك بين الاثين والأربعة يأتي بركعتين احتياط وكيفية صلاة الاحتياط بعد الانتهاء من الصلاة مباشرة ينوي صلاة الاحتياط ويكبر ثم يقرأ سورة الحمد اخفاتا ثم يركع ويقوم ثم يسجد ويسلم كالصلاة في الركعة.وأيضا ينبغي معرفة كيفية سجود السهو الذي يجب عند الكلام سهوا وعند التسليم في غير محله وعند القيام في غير محله كما لو قام وتذكر أنه لم يأت بالتشهد فيجب عليه الجلوس والتشهد وإكمال صلاته وبعد الانتهاء من الصلاة مباشرة وهو جالس ينوي سجود السهو ثم يسجد ويقول بسم الله وبالله، السلام عليك أيها النبيُّ ورحمة الله وبركاته ثم يجلس ثم يسجد ويقول بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبيُّ ورحمة الله وبركاته ثم يتشهد ويسلم كما يفعل في الصلاة.
المحطة الرابعة :
من الضروري الاطلاع على حياة أمام زماننا صلوات الله وسلامه عليه وما روي فيه من أخبار أهل البيت عليهم السلام وبداية لا بد من الاطلاع على المصادر الأساسية التي صنفت في الإمام المهدي عليه السلام :
أقدم الكتب التي صُنفت في الإمام المهدي عليه السلام أربعة : (الغيبة) للشيخ النعماني المتوفى حدود سنة (360هـ) والذي كان من تلامذة الشيخ الكليني و (كمال الدين وتمام النعمة) للشيخ الصدوق (ت:381هـ) و (الغيبة) للشيخ المفيد (ت:413هـ) و (الغيبة) للشيخ الطوسي (ت:460هـ) (عليهم الرحمة).
وكل ما كُتب في الإمام المهدي من الوسط الشيعي كان ناظرا لتلك الكتب الأربعة بل حتى رد الشبهات حول الإمام المهدي عليه السلام وغيبته لبها مستقى من تلك الكتب.
وما زال الكلام في الإمام المهدي عليه السلام من المناسب التعرض إلى سؤال دائما ما يثار:كيف نقوي علاقتنا بالإمام المهدي؟
ومن المؤكد جدا أن من أوثق عرى الارتباط بالإمام عليه السلام قراءة دعاء العهد يوميا الذي رواه المشهدي في المزار والسيد ابن طاووس في مصباح الزائر عن الإمام الصادق عليه السلام وقد بين الإمام فضله : (من دعا إلى الله أربعين صباحا بهذا العهد كان من أنصار قائمنا عليه السلام فإن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره وأعطاه الله بكل كلمة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة)([6]).
وكيف لا يكون هذا الدعاء العظيم من سبل الارتقاء نحو الإمام وأنت في كل يوم تسلم عليه وتدعو له وتطلب من الله تبارك وتعالى نصرته ومعونته.
المحطة الخامسة :
من الأمور التي ينبغي الاهتمام بها الصلاة في أول الوقت ، وقد دلت ثلة من الأحاديث على استحباب وأهمية الصلاة في أول الوقت مثل ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام : (فضل الوقت الأول على الأخير كفضل الآخرة على الدنيا)([7])
عند دخول وقت الصلاة لا يجب المبادرة إلى الصلاة لأن وقتها موسع والواجب هو الأداء في الوقت ولكن الصلاة في أول الوقت أعظم فضلا وأكثر أجرا.
وما زال الكلام في الصلاة ينبغي أن لا يفوتني التنويه لصلاة الليل وأهميتها حتى روي عن الإمام الصادق عليه السلام : (شرف المؤمن قيام الليل)([8]) وصلاة الليل فيها خير الدنيا والآخرة حيث الأخبار التي بينت فضل صلاة الليل ذكرت لها فوائدا جمة منها ما هو مرتبط في الآخرة وبعضها في الدنيا وهي إحدى عشر ركعة ووقتها بعد منتصف الليل إلى طلوع الفجر. ويجوز تقديم صلاة الليل على النصف للمسافر إذا خاف فوتها إن أخرها ، أو صعب عليه فعلها في وقتها ، وكذا الشاب وغيره ممن يخاف فوتها إذا أخرها لغلبة النوم ، أو طرو الاحتلام أو غير ذلك.وقد جوز بعض الفقهاء الإتيان بصلاة الليل في أول الليل ولو كان من غير عذر.
المحطة السادسة :
من الأمور التي يتطلب الالتفات إليها هو أن خطأ الشخص المتدين مهما كان مستواه لا يعني ذلك وجود الخطأ في الدين ولا يعني خطأه هو خطأ كل المتدينين أو تعميم الخطأ على كلهم بل الشخص المتدين نفسه عليه أن يعرف أنه مهما بلغ لا يعني ذلك أنه أصبح معصوما ثم يبرر أخطائه بسبب تدينه ونيته الحسنة ومن ثم يستبعد صدور الخطأ في حقه ولذا دائما عليه أن بستعين بالله عز جل أن يوفقه للطاعات ويجنبه المعاصي.
المحطة السابعة :
قد يتساءل ما هي أفضل الكتب الأخلاقية؟ وفي الواقع أفضل الكتب الأخلاقية هي الكتب المتضمنة لحديث أهل البيت عليهم السلام في مجال أبواب جهاد النفس وآداب العشرة وقد جمع الكثير من تلك الأخبار الحر العاملي في الوسائل وصنفها في أبواب جهاد النفس وآداب العشرة.
المحطة الثامنة :
إن أحاديث أهل البيت عليهم السلام في جانب التوحيد ومجادلة الملحدين هي مجادلات يدور فلكها على العقل فلم تكن أحاديث أهل البيت مجردة عن العقل والتعقل كما توهم الكثيرون ذلك.وقد كان من مهام الأنبياء وأوصيائهم إثارة دفائن العقول كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام (فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته .ويذكروهم منسي نعمته . ويحتجوا عليهم بالتبليغ . ويثيروا لهم دفائن العقول([9]).
كما أن القرآن الكريم يدعو للتفكر والتعقل ومجادلة الجاحدين ببرهان العلة والمعلول وبرهان النظم في آيات كثيرة من ضمنها :
[إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ]([10])
وقوله تعالى : [وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ]([11])
وقوله تعالى : [وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ]([12])
المحطة التاسعة :
روي عن عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : سمعت أبا الحسن الرضا يقول : رحم الله عبدا أحيا أمرنا . فقلت له : فكيف يحيي أمركم قال : يتعلم علومنا ويعلمها الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا([13]).
تعلم علوم أهل البيت عليهم السلام لا يقتصر على الدراسة في الحوزة لأن تعلم المسائل الفقهية من فقهاء أهل البيت والعمل بها هو تعلم لعلوم أهل البيت وإن كانت تلك المسائل من المسائل الابتلائية المتعلقة بالطهارة والصلاة ونحوهما والاطلاع على حديث أهل البيت ومعرفة معناه من خلال شروح العلماء هو من تعلم علومهم عليهم السلام ونشر تلك الأحاديث من خلال طبع الكتب وجعلها في الفديوات والبوسترات..هو من نشر علومهم عليهم السلام
المحطة العاشرة :
المحطة الأخيرة فيما يتعلق بالنهضة الحسينة ويمكن تقسيم الأخبار المنقولة فيها إلى ثلاثة أقسام : القسم الأول أخبار منقولة على الألسن وهي لا مصدر لها ولم تذكر حتى في خبر ضعيف.
القسم الثاني : أخبار منقولة في المصادر ولكنها أخبار ضعيفة ولا بأس بنقلها على أنها أخبار ومرويات تاريخية ما لم يكن فيها مساس بسيد الشهداء أو أنها تتعارض مع قطعيات المذهب والأمور المسلمة فيه.
القسم الثالث : الأخبار القطعية وهذه الأخبار القطعية بعضها مروي حتى في مصادر العامة مثل : إن الإمام الحسين عليه السلام أُجبر على بيعة يزيد والإمام أبى البيعة حتى اضطر إلى حل إحرامه في الحج وخرج من مكة متوجها إلى العراق حتى وصل إلى كربلاء وحوصر فيها ولم يسمح له بالخروج منها واستشهد عليه السلام في سنة إحدى وستين للهجرة في اليوم العاشر من محرم الحرام وبعث برأسه الشريف ورؤوس أهل بيته وأصحابه إلى عبيد الله بن يزيد في الكوفة ثم أرسل الرؤوس ابن الزياد مع السبايا إلى يزيد في الشام وكان من أعظم أنباء ما جرى في قصر يزيد الخطبة العظمية للإمام والسجاد وخطبة السيدة زينب عليها السلام التي جاء في مطلعها : (أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض ، وضيقت علينا آفاق السماء ، فأصبحنا لك في أسار ، نساق إليك سوقا في قطار ، وأنت علينا ذو اقتدار أن بنا من الله هوانا وعليك منه كرامة وامتنانا ، وأن ذلك لعظم خطرك ، وجلالة قدرك ، فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك) وجاء فيها : (اجهد جهدك فوالله الذي شرفنا بالوحي والكتاب ، والنبوة والانتخاب ، لا تدرك أمدنا ، ولا تبلغ غايتنا ، ولا تمحو ذكرنا)([14]).
والمحاضرة إذا كانت ضمن عدة محطات يتم بينها ولو بشيء من الإجمال مضافا إلى كونها غنية بالمادة العلمية والفوائد وإلى أنها تلفت المتلقي إلى عدة حقول من المعرفة تشد المستمعين للخطيب وتفتح عليهم أبواب التفاعل والسؤال بعد انتهاء المحاضرة وتفيد في الندوات التي يحب المحاضر فيها فتح باب السؤال والحوار بعد انتهاء الندوة.
هشام كاظم
النجف الأشرف
جمادي الثاني 1445هـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) أمالي الصدوق،ص408
[2] ) غرر الحكم،ج1،ص430.
[3] ) أصول الكافي،ج2،ص271
[4] ) تحف العقول،ص182.
[5] ) وسائل الشيعة،ج18،ص83.
[6] ) المزار،ص٦٦٣.مصباح الزائر،ص٤٥٥.
[7] ) ثواب الأعمال،ص78.
[8] ) أصول الكافي،ج2،ص١٤٨.
[9] ) نهج البلاغة،ص34.
[10] ) سورة البقرة : 164 .
[11] ) سورة الجاثية : 5 .
[12] ) سورة الرعد : 3 .
[13] ) معاني الأخبار،ص180.
[14] ) الاحتجاج،ج2،ص ٣٥.