10 بأي معنى من معاني وحدة الوجود يقول ملا صدرا وما حكم المعنى في نظر السيدالخوئي

 

(10) س : بأي معنى من معاني وحدة الوجود يقول ملا صدرا وما هو حكم المعنى الذي ذهب إليه في نظر  السيد الخوئي ؟

ج : إن المعنى الذي اختاره ملا صدرا في وحدة الوجود حصل فيه لغط وكلام كثير واشتباه لدى المؤيدين للملا المذكور وأيضا لدى المختلفين معه . ويبدو أن سبب ذلك كلماته المتعددة في وحدة الوجود تارة ، وغموض بعضها تارة أخرى ، وعدم الوقوف على بعض كلمات الملا في وحدة الوجود تارة ثالثة ، أو بسبب تغير رأي الملا في بعض كتبه وتهافته مع سائر كتبه الأخرى . ومع كل ذلك فقد تبنى الملا المعنى الذي ذهب إليه بكل وضوح عند حديثه عن : الوجودات ظهورات الواجب وتجلياته) حيث يقول : (هداني ربى بالبرهان النير العرشى إلى صراط مستقيم من كون الموجود والوجود منحصرا في حقيقة واحده شخصية لا شريك له في الموجودية الحقيقية ولا ثاني له في العين وليس في دار الوجود غيره ديار وكلما يتراءى في عالم الوجود أنه غير الواجب المعبود فإنما هو من ظهورات ذاته وتجليات صفاته التي هي في الحقيقة عين ذاته).([1])

ولذا من الضروري جدا التطرق بدايةً لوحدة الوجود وما هو المعنى المراد والمقصود بها ؛ وقد رأيت بيانها ومعانيها بشكل دقيق وواضح عند السيد الخوئي  حيث تطرق لها معنًى وحكماً حيث يقول :

1ـــ القائل بوحدة الوجود إن أراد أن الوجود حقيقة واحدة ولا تعدد في حقيقته وأنه كما يطلق على الواجب كذلك يطلق على الممكن فهما موجودان وحقيقة الوجود فيهما واحدة والاختلاف إنما هو بحسب المرتبة لأن الوجود الواجبي في أعلى مراتب القوة والتمام،والوجود الممكني في أنزل مراتب الضعف والنقصان وإن كان كلاهما موجودا حقيقة وأحدهما خالق للآخر وموجد له فهذا في الحقيقة قول بكثرة الوجود والموجود معا نعم حقيقة الوجود واحدة فهو مما لا يستلزم الكفر والنجاسة بوجه بل هو مذهب أكثر الفلاسفة بل مما اعتقده المسلمون وأهل الكتاب ومطابق لظواهر الآيات والأدعية فترى أنه عليه السلام يقول : أنت الخالق وأنا المخلوق وأنت الرب وأنا المربوب وغير ذلك من التعابير الدالة على أن هناك موجودين متعددين أحدهما موجد وخالق للآخر ويعبر عن ذلك في الاصطلاح بالتوحيد العامي.

2ـــ وإن أراد من وحدة الوجود ما يقابل الأول وهو أن يقول بوحدة الوجود والموجود حقيقة وأنه ليس هناك في الحقيقة إلا موجود واحد ولكن له تطورات متكثرة واعتبارات مختلفة لأنه في الخالق خالق وفي المخلوق مخلوق كما أنه في السماء سماء وفي الأرض أرض وهكذا ، وهذا هو الذي يقال له توحيد خاص الخاص وهذا القول نسبه صدر المتألهين إلى بعض الجهلة من المتصوفين ــ وحكي عن بعضهم أنه قال : ليس في جبتي سوى الله ــ وأنكر نسبته إلى أكابر الصوفية ورؤسائهم ، وإنكاره هذا هو الذي يساعده الاعتبار فإن العاقل كيف يصدر منه هذا الكلام وكيف يلتزم بوحدة الخالق ومخلوقه ويدعي اختلافهما بحسب الاعتبار ؟! وكيف كان فلا إشكال في أن الالتزام بذلك كفر صريح وزندقة ظاهرة لأنه إنكار للواجب والنبي صلى الله عليه وآله حيث لا امتياز للخالق عن المخلوق حينئذ إلا بالاعتبار وكذا النبي صلى الله عليه وآله وأبو جهل مثلا متحدان في الحقيقة على هذا الأساس وإنما يختلفان بحسب الاعتبار.

3ـــ وأما إذا أراد القائل بوحدة الوجود أن الوجود واحد حقيقة ولا كثرة فيه من جهة وإنما الموجود متعدد ولكنه فرق بين بين موجودية الوجود وبين موجودية غيره من الماهيات الممكنة لأن إطلاق الموجود على الوجود من جهة أنه نفس مبدأ الاشتقاق وأما إطلاقه على الماهيات الممكنة فإنما هو من جهة كونها منتسبة إلى الموجود الحقيقي الذي هو الوجود لا من أجل أنها نفس مبدأ الاشتقاق ولا من جهة قيام الوجود بها حيث إن للمشتق إطلاقات فقد يحمل على الذات من جهة قيام المبدأ به كما في زيد عالم أو ضارب لأنه بمعنى من قام به العلم أو الضرب ، وأخرى يحمل عليه لأنه نفس مبدأ الاشتقاق كما عرفته في الوجود والموجود ، وثالثة من جهة إضافته إلى المبدأ نحو إضافة وهذا كما في اللابن والتامر لضرورة عدم قيام اللبن والتمر ببائعهما إلا أن البائع لما كان مسندا ومضافا إليهما نحو إضافة وهو كونه بائعا لهما،صح إطلاق اللابن والتامر على بائع التمر واللبن،وإطلاق الموجود على الماهيات الممكنة من هذا القبيل ، لأنه بمعنى أنها منتسبة ومضافة إلى الله سبحانه بإضافة يعبر عنها بالإضافة الإشراقية فالموجود بالوجود الانتسابي متعدد والموجود الاستقلالي الذي هو الوجود واحد.وهذا القول منسوب إلى أذواق المتألهين ، فكأن القائل به بلغ أعلى مراتب التأله حيث حصر الوجود بالواجب سبحانه ويسمى هذا توحيدا خاصيا . ولقد اختار ذلك بعض الأكابر ممن عاصرناهم وأصر عليه غاية الإصرار مستشهدا بجملة وافرة من الآيات والأخبار حيث إنه تعالى قد أُطلق عليه الموجود في بعض الأدعية وهذا المدعى وإن كان أمرا باطلا في نفسه لابتنائه على أصالة الماهية ــ على ما تحقق في محله ــ وهي فاسدة لأن الأصيل هو الوجود إلا أنه غير مستتبع لشيء من الكفر والنجاسة والفسق.

4 ـــ بقي هناك احتمال آخر وهو ما إذا أراد القائل بوحدة الوجود وحدة الوجود والموجود في عين كثرتهما فيلتزم بوحدة الوجود والموجود وأنه الواجب سبحانه إلا أن الكثرات ظهورات نوره وشؤونات ذاته وكل منها نعت من نعوته ولمعة من لمعات صفاته ويسمى ذلك عند الاصطلاح بتوحيد أخص الخواص وهذا هو الذي حققه صدر المتألهين ونسبه إلى الأولياء والعرفاء من عظماء أهل الكشف واليقين قائلا : بأن الآن حصحص الحق واضمحلت الكثرة الوهمية وارتفعت أغاليط الأوهام . إلا أنه لم يظهر لنا إلى الآن حقيقة ما يريدونه من هذا الكلام([2]).وكيف كان فالقائل بوحدة الوجود بهذا المعنى الأخير أيضا غير محكوم بكفره ولا بنجاسته مادام لم يلتزم بتوال فاسدة من إنكار الواجب أو الرسالة أو المعاد([3]).

وبعد هذا يتضح لك أن ما ذهب إليه الملا في قوله المتقدم هو : (الموجود والوجود منحصرا في حقيقة واحده) هو المعنى الثاني من المعاني التي ذكرها السيد الخوئي وكفر القائل به ، والذي معناه على ما نص عليه : (الوجود والموجود حقيقة وأنه ليس هناك في الحقيقة إلا موجود واحد ولكن له تطورات متكثرة واعتبارات مختلفة لأنه في الخالق خالق وفي المخلوق مخلوق).

وقد تقول كيف ذهب الملا صدرا لهذا المعنى الثاني مع أن السيد الخوئي ذكر أن الملا نسبه إلى الجهلة من الصوفية ، ومن جهة أخرى ذكر السيد الخوئي أن القول الرابع هو الذي حققه ملا صدرا ونسبه إلى الأولياء والعرفاء من عظماء أهل الكشف واليقين ؟

والجواب الناجع في ذلك هو ما ذكره الشيخ المظفر حيث ذكر أن الملا صدرا ذم بعض معاني وحدة الوجود مع أنه تبناها ، ثم ذكر أن الملا متهافت متناقض في المعنى الذي اختاره ، وهذا نص ما ذكره الشيخ المظفر مفصلا : الأقوال في المسألة (أي وحدة الوجود) يمكن تصويرها في ثلاثة وجوه :

1 تعدد الوجود والموجود وهذا هو الذي يتصوره عموم الناس .

2 وحدة الوجود والموجود ، وأن التعدد الذي يبدو للعامة في الوجود والموجود إنما هو تعدد ظاهري مجازي وفي الحقيقة لا تعدد لكل منهما . وهذا هو المذهب المعروف المنسوب إلى المتصوفة. الذي قال عنه الأحسائي أن العلماء مجمعون على تكفير معتقده باعتبار أنه يفهم منه الحلول أو الاتحاد بين الخلق والمخلوق .

3 وحدة الوجود وتعدد الموجود وهو المنسوب إلى بعض المتألهين كما حكاه في الأسفار 1 : 16 ورد عليه من عدة وجوه ، ولكنه نفسه في رسالة سريان الوجود يظهر منه الميل إليه ، ومن هنا نستظهر أن هذه الرسالة ألفها في مرحلته الأولى من حياته العلمية . قال فيها ص 138 عن الممكنات : فهي موجودات متعددة متكثرة في الخارج ولها كثرة حقيقية عينية ، فالوجود واحد والموجود متعدد متكثر . هذه الاحتمالات الثلاثة المتصورة كل واحد منها به قائل ، ولم يبق إلا الاحتمال الرابع وهو تعدد الوجود ووحدة الموجود فليس به قائل لوضوح استحالته . أما الذي استقر عليه رأي المترجم في كتاب الأسفار وغيره ، فلا يتفق مع تلك الأقوال الثلاثة كلها ، بل إن لم يكن قولا رابعا فهو جمع بين الأقوال ، يعني أنه يقول أن الاحتمالات الأربعة كلها صحيحة ويجب القول بها جمعا . فإن الذي يراه أن الوجود متعدد حقيقة ، ولكنه في عين الحال الوجود واحد حقيقة والموجود أيضا واحد حقيقة فإن شئت قلت بتعدد الوجود والموجود أو بوحدة الوجود والموجود أو بوحدة الوجود وتعدد الموجود أو بتعدد الوجود ووحدة الموجود فكله صحيح ولكن بشرط الجمع بين هذه الأقوال كلها . وهذا من العجيب حقا ، ويبدو أنه متهافت متناقض ، غير أنه يصر عليه كل الإصرار ويقول أن فهمه يحتاج إلى فطرة ثانية . ويرتفع التهافت الظاهر بأن يكون معنى الوجود متعددا حقيقة أنها الحقيقة في قبال المجاز اللغوي ، ومعنى أن الوجود واحد حقيقة أنها الحقيقة في قبال المجاز العرفاني([4]).

 ثم يواصل الشيخ المظفر بعد ذلك كلامه في المعنى الذي ذهب إليه الملا قائلا : وعلى كل حال ففيلسوفنا يتفق مع القائلين بتعدد الوجود والموجود من دون تجوز… ويتفق أيضا مع المتصوفة في القول بوحدة الوجود والموجود من دون تجوز ، ولكن لا بأن يفهم من ذلك الحلول والاتحاد لأن ذلك معناه الاثنينية في أصل الوجود ولا بأن يفهم أن الممكنات اعتبارات محضة ، كيف وأن لكل منها آثارا مخصوصة وأحكاما خاصة ولا نعني بالحقيقة إلا ما يكون مبدأ اثر خارجي ولا نعني بالكثرة إلا ما يوجب تعدد الأحكام والآثار ، فكيف يكون الممكن لا شيئا في الخارج ولا موجودا فيه . والحاصل إذا ثبت تناهي سلسلة الموجودات إلى حقيقة واحدة بسيطة ظهر أن لجميع الموجودات إلى حقيقة واحدة هي الموجودة لها ذاته بذاته وجود وموجود وموجد . فهو الحقيقة ، والباقي شؤونه)([5]).

وملخص ذلك هو أن الملا ذهب كما هو الواضح من كلامه المذكور إلى أن الموجود والوجود منحصر في حقيقة واحدة ، وهو المعنى الثاني من المعاني التي ذكرها السيد الخوئي في أن الوجود والموجود حقيقة واحدة.

ومما يجدر التنبيه إليه قد تجد بعض كلمات الملا في الأسفار وسائر كتبه يظهر منها غير المعنى الثاني الذي ذكره السيد الخوئي . ولكن هذا مما لا شأن لي به ولا بسائر كلامه حيث كان المنظور من كلام الملا هو كلامه الآنف الذكر.

ولم يكن بالشيء الغريب أن يذهب الملا إلى المعنى الباطل من معاني وحدة الوجود وهو الذي كان ينظر إلى كلام ابن عربي كما ينظر إلى النصوص الدينية بل إلى الأبعد من ذلك فقد تجده يقدم قوله على النصوص فيما لو اختلفت معه ، وإليك ما ذكره الشيخ المظفر في ذلك وذمه على جعل كلام ابن عربي بمنزلة النصوص المقدسة لديه : (تكون عنده من نحو النصوص الدينية والأحاديث القدسية ، كما يرى هو ذلك في كلمات ابن عربي قال في مقدمة العرشية : بل هذه قوابس مقتبسة من مشكاة النبوة والولاية مستخرجة من ينابيع الكتاب والسنة . من غير أن تكتسب من مناولة الباحثين ومزاولة صحبة المعلمين)([6]) .

وأيضا يقول الشيخ المظفر في ذلك : (في بعض المواضع ما يشعر بأن قوله عنده من النصوص الدينية التي يجب التصديق بها ولا يحتمل فيها الخطأ)([7]).

وبعد ذلك لا يستكثر على الملا أن يذهب إلى المعنى الباطل من معاني وحدة الوجود ، ذلك المعنى الذي ذهب إليه ابن عربي ، وقال فيه بعدم التمايز بين الخالق والمخلوق ، وكفره عليه السيد الخوئي ، حيث صرح السيد بكفر ابن عربي قائلاً : (يحكم بكفر بعض الفرق المنتسبين إلى الإسلام إذا رجعت عقائدهم إلى إنكار الألوهية والخلق ، أو النبوة أو المعاد، كالقائلين بوحدة الوجود من الصوفية الظاهر ذلك من أشعارهم ، بل من متونهم ، كما في عبارة محيي الدين بن العربي التي هي : (الحمد للَّه الذي خلق الأشياء وهو عينها) . الدال على وحدة الوجود ، فإذا لوحظت المراتب فيكون خلقا ، وإذا لغيت فهو نفس الخالق ، فالواجب والممكن عندهم موجود واحد، وإنما يختلف بالاعتبار ، فباعتبار حده هو ممكن ومع إلغاء الحد هو واجب وهو راجع في الحقيقة إلى إنكار الخالق)([8]).

وقد ذكر ملا صدرا أن كلام ابن عربي هذا في خطبة فتوحاته المكية حيث يقول : (قال محيي الدين العربي في خطبة الفتوحات : سبحان الذي خلق الأشياء وهو عينها)([9]).

وابن عربي له عبارة أخرى مشابهة لها في الفتوحات أيضا وهي : (فسبحان من أظهر الأشياء وهو عينها)([10]).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) الحكمة المتعالية،ج7،ص292.

[2] ) قول السيد الخوئي : (إلا أنه لم يظهر لنا إلى الآن حقيقة ما يريدونه من هذا الكلام) لأن بعض كلماتهم غير واضحة كما قال الكلاباذي المتوفى في القرن الرابع الهجري : إن للقوم عبارات تفردوا بها واصطلاحات فيما بينهم لا يكاد يستعملها غيرهم..وأما كنه أحوالهم فإن العبارة عنها مقصورة وهي لأربابها مشهورة.التعريف لمذهب أهل التصوف،ص111.

وأيضا أبو الوفاء التفتازاني يتكلم عن خفاء كلام المتفلسفة بقوله : أنهم أسرفوا في الرمزية إسرافا إلى حد بدا معه كلامهم غير مفهوم للغير.مدخل إلى التصوف الإسلامي، ص192.

وقال عن ابن سبعين الذي هو من أشهر القائلين بوحدة الوجود:أسلوب ابن سبعين في مصنفاته على اختلافها رمزي شديد الخفاء والتعقيد وهو يستخدم أحيانا في كتبه رموزا على طريقة علماء الحروف والأسماء تعبيرا عن مذهبه.مدخل إلى التصوف،ص208

[3] ) التنقيح في شرح العروة الوثقى،ج3،ص74ــ77.

[4] ) المقدمة الكاملة للأسفار،ص31ـ33

[5] ) المقدمة الكاملة للأسفار،ص35.

[6] ) المقدمة الكاملة للأسفار،ص24.

[7] ) .المقدمة الكاملة للأسفار،ص36.

[8] ) مجمع الرسائل/رسالة في الإرث،ج49،ص43.

[9] ) مجموعة رسائل،ص459.

[10] ) الفتوحات المكية،ج2،ص459.

Comments (0)
Add Comment