الطلب من الإمام

الطلب من الإمام

لا إشكال في جواز الطلب من الإمام المعصوم عليه السلام بقصد أنه يدعو الله في قضاء حوائجه فيشفعه ويجعله وسيلة إلى الله تعالى في قضاء حوائجه.ولو طلب من غير قصد الدعاء كما لو طلب من الأئمة عليهم السلام لأن الله منحهم القدرة والتصرف في هذا الكون كما هو مفاد أخبار الولاية التكوينية ــ التي هي كثيرة جدا ــ وظاهر القرآن الكريم أيضا لا إشكال فيه.

وقد يقال : إن أدلة ثبوت الولاية التكوينية للأئمة عليهم السلام تفيد الإثبات في حياتهم ولا تعم ما بعد وفاتهم ولهذا نحن نقول أن الطلب من الإمام هو طلب منه في الدعاء وتشفيعه إلى الله تعالى في قضاء الحوائج.

والإجابة على ذلك من خلال عدة أمور :

الأمر الأول : إن الولاية التكوينية لها معنيان سائدان :

 الأول : أن مقتضى ولايتهم التكوينية هو الدعاء والطلب من الله تعالى في التصرف في أمر ما ؛ فلا تعني سوى الدعاء.

الآخر : هو أن الله تعالى منحهم القدرة في التصرف في الكون.وهذا المعنى تدل عليه أخبار كثيرة ، وهو الظاهر من القرآن الكريم كما في قوله تعالى : [أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ]([1]) الذي نسب الخلق وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى إلى النبي عيسى عليه السلام.

فإذا كنتَ تُثبت لهم مقام الدعاء والطلب من الله تعالى في قضاء الحوائج والذي هو مفاد ولايتهم التكوينية بعد وفاتهم لم يكن بالشيء الغريب والمستبعد ثبوت الولاية بعد وفاتهم بالمعنى الثاني.

الأمر الثاني :  ثبوت أن الأئمة عليهم السلام يسمعون السلام ويردون الجواب كما روى المشهدي في زيارة يزار بها أمير المؤمنين عليه السلام : (وأشهد يا موالي أنكم تسمعون كلامي ، وترون مقامي ، وتعرفون مكاني ، وتردون سلامي)([2]).

وروى الشهيد الأول في المزار زيارة للإمام الحسين عليه السلام جاء فيها : (وأشهد انك تسمع الكلام وترد الجواب)([3]).

وإمكان طلب الدعاء منهم في قضاء الحوائج يدل على ثبوت الولاية بالمعنى الثاني بعد وفاتهم لأن نفيه لا ينسجم مع ما سلم لهم من مقام ومكانة عند الله تعالى ، وأنهم يسمعون السلام ويردون الجواب ويشفعون في قضاء الحوائج إذ نفيه لا ينسجم مع إثبات هذه الأمور وبعبارة أخرى : لا وجه لتخصيص أدلة الولاية التكوينية بالمعنى الثاني في حياتهم الدنيا.

وبعبارة ثالثة إثبات تلك المقامات للأئمة عليهم السلام ونفي المقام المماثل لها هو فهم مبتور لا يتلائم مع نمط المناقب.

الأمر الثالث : إن القرآن الكريم نسب الغنى والفضل للرسول الكريم صلى الله عليه وآله ، وأقر الإمام الصادق عليه السلام نسبة الغنى والفضل للرسول بعد وفاته ــ إذ لربما يتوهم أن ذلك خاص بحياته صلى الله عليه وآله ــ روى أبو الفتح الكراجكي (ت:449هـ) في كنز الفوائد وعنه الحر العاملي في الوسائل والعلامة المجلسي في البحار : إن أبا حنيفة أكل طعاما مع الإمام الصادق جعفر بن محمد عليهم السلام فلما رفع الصادق عليه السلام يده من أكله قال الحمد لله رب العالمين اللهم هذا منك ومن رسولك صلى الله عليه وآله فقال أبو حنيفة أبا عبد الله أجعلت مع الله شريكا فقال له ويلك فإن الله تعالى يقول في كتابه : [وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ]([4]). ويقول في موضع آخر : [وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ]([5]).

فقال أبو حنيفة والله لكأني ما قرأتهما قط من كتاب الله ولا سمعتهما إلا في هذا الوقت فقال أبو عبد الله عليه السلام بلى قد قرأتهما وسمعتهما ولكن الله تعالى انزل فيك وفي أشباهك : [أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا]([6]) وقال : [كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ]([7])([8]).

ووجه الاستدلال بالخبر واضح ولا يحتاج إلى تقريب. 

الأمر الرابع : توجد زيارة مروية يزار بها أمير المؤمنين عليه السلام تدل على الطلب من الأئمة عليهم السلام : (وأشهد يا موالي أنكم تسمعون كلامي ، وترون مقامي ، وتعرفون مكاني ، وتردون سلامي ، وأنكم حجج الله البالغة ، ونعمه السابغة ، فاذكروني عند ربكم ، وأوردوني حوضكم ، واسقوني بكأسكم ، واحشروني في جملتكم ، واحرسوني من مكاره الدنيا والآخرة)([9]).

 فهذه الفقرات الأخيرة تدل على الطلب من الأئمة عليهم السلام مضافا للفقرة المتقدمة التي تدل على طلب الدعاء من الأئمة عليهم السلام

الأمر الخامس : توجد عدة أحاديث تدل على الطلب من الأئمة عليهم السلام وعلى أقل تقدير يكون بعضها مؤيدا لا بأس به :

1 ـ روي عن الإمام السجاد في أدعية شهر رمضان : (اللهم صل على محمد وال محمد الكهف الحصين ، وغياث المضطر المستكين ، وملجأ الهاربين ، وعصمة المعتصمين)([10]).

2 ـ والكفعمي روى دعاءً عن الإمام الصادق عليه السلام وقال عند تتمته : (وفي رواية أخرى ثم ضع خدك الأيمن على الأرض وقل مائة مرة يا محمد يا علي يا علي يا محمد اكفياني فإنكما كافيان وانصراني فإنكما ناصران ثم ضع خدك الأيسر وقل مائة مرة أدركني أدركني ثم تقول الغوث الغوث حتى ينقطع النفس)([11]).

3 ـ روى السيد ابن طاووس عن كتاب الوسائل للشيخ الكليني : (من ذلك ما رواه محمد بن يعقوب الكليني في كتاب (الوسائل) عمن سماه قال كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أن الرجل يجب أن يفضى إلى إمامه ما يجب أن يفضى به إلى ربه قال فكتب إن كانت لك حاجة فحرك شفتيك فإن الجواب يأتيك)([12]).

4 ـ دعاء رواه ابن جرير الطبري عن الإمام المهدي عليه السلام وعن الطبري العلامة المجلسي في البحار والسيد ابن طاووس في فرج المهموم وجمال الأسبوع وأيضا رواه الحر العاملي في الوسائل : (يا محمد يا علي ، يا علي يا محمد ، أكفياني فإنكما كافياي ، وانصراني فإنكما ناصراي)([13]).

وملخص ما تقدم يجوز أن يطلب من الإمام عليه السلام بقصد أن يدعو الله له في قضاء حوائجه ، ويجوز أن يطلب من الإمام عليه السلام بما مكنه الله إياه ، أو بقصد أن يمنحه ما مكنه الله منه وأقدره عليه . أما أن يطلب من الأئمة بقصد أن الله تعالى فوض إليهم أمر الخلق والرزق فهذا لا يجوز لأنه مما نهى عنه الأئمة عليهم السلام وعدوه من الغلو ، وأيضا لا يجوز أن يطلب من الأئمة بقصد أن لهم القدرة في التصرف على نحو الاستقلال عن الله عز وجل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) سورة آل عمران :49.

[2] ) مزار المشهدي،ص251.

[3] ) المزار،ص163.

[4] ) سورة التوبة:74.

[5] ) سورة التوبة:59.

[6] ) سورة محمد:24.

[7] ) سورة المطففين:14.

[8] ) كنز الفوائد،ص196.

[9] ) مزار المشهدي،ص251.

[10] ) مزار المشهدي،ص401.

[11] ) البلد الأمين،ص152.

[12] ) كشف المحجة،ص153.

[13] ) دلائل الإمامة،552.

 

Comments (0)
Add Comment