(14) س : هل ابن عربي من الشيعة أم من العامة ؟
ج : إن الفارق الأساسي بين الشيعي والعامي أن الأخير يقول بشرعية الخلفاء الثلاثة ويثني عليهم ولا يطعن عليهم ولا يرتضي ذلك في حقهم ولا يتحرج من الثناء والمدح لأعداء أهل البيت عليهم السلام وهذه من الأمور المتفشية في كتب ابن عربي ولا يخرجه من العامة مدحه لأهل البيت لأن المخالفين بصورة عامة وحتى النواصب لديهم مدح لأهل البيت.
ودعوى الدس في كتبه لا تدفع ذلك عنه لأن الدس على فرض وقوعه يكون في موارد قليلة ولم يتفش في كتبه كما هو واقع ومعروف مع ملاحظة أن دعوى الدس هي من صوفية الشيعة في محاولة خائبة لجعل ابن عربي منهم ولم يدعيها صوفية العامة، كما أن دعوى الاختلاط مع الشروح والتردد في كونه من كلام الماتن او الشارح لو فرض ففي مواضع معدودة
ومن يعرف أسلوب ابن عربي يعرف جيدا أن ما جاء في كتبه من الثناء على المخالفين لأهل البيت هو أسلوب ابن عربي ويستبعد جدا كونه من الدس عليه.
وإليك بعض المواضع في كتبه من باب المثال لكي ترى كيف أن ثناءه للخلفاء والمدح لأعداء أهل البيت هو شائع في كتبه وكيف أنه يتبنى عقائد المخالفين والنواصب كقوله بشرك أبي طالب رضوان الله عليه وغيرها من المعتقدات الباطلة المخالفة لما عليه الشيعة :
الثناء على أبي بكر : (مقام الصديق في قوله ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله وذلك لما ذكرناه من شهوده صدور الأشياء عن الله بالتكوين فهو في شهود دائم والتكوينات تحدث فما من شيء حادث يحدث عن الله إلا والله مشهود له قبل ذلك الحادث وما نبه أحد فيما وصل إلينا على هذا الوجه وما يتكون منه في قلب المعتكف على شهوده إلا أبو بكر الصديق)([1]).
أبو بكر وعمر وعثمان والمتوكل حازوا الخلافة الظاهرة والباطنة : (ومنهم من يكون ظاهر الحكم ويحوز الخلافة الظاهرة كما حاز الخلافة الباطنة من جهة المقام كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن ومعاوية بن يزيد وعمر بن عبد العزيز والمتوكل([2]) ومنهم من له الخلافة الباطنة خاصة ولا حكم له في الظاهر كأحمد بن هارون الرشيد السبتي وكأبي يزيد البسطامي وأكثر الأقطاب لا حكم لهم في الظاهر)([3]).
الثناء على عمر : (قد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إِليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم ، وفي تأبير النخل . فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة)([4]).
الثناء على عمر ومقامه : (هذا كان مقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشاهد نعم البلاء في البلاء فيجمع بين الصبر والشكر في الآن الواحد وكان صاحب عملين)([5]).
الثناء على عمر والقول بعصمته والثناء على أحمد بن حنبل : (والله يقول لمن عمل منا بما شرع الله له إن الله يعلمه ويتولى تعليمه بعلوم أنتجتها أعماله قال تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم وقال إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ومن أقطاب هذا المقام عمر بن الخطاب وأحمد بن حنبل ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في عمر بن الخطاب يذكر ما أعطاه الله من القوة يا عمر ما لقيك الشيطان في فج إلا سلك فجا غير فجك فدل على عصمته بشهادة المعصوم وقد علمنا إن الشيطان ما يسلك قط بنا إلا إلى الباطل وهو غير فج عمر بن الخطاب فما كان عمر يسلك إلا فجاج الحق بالنص فكان ممن لا تأخذه في الله لومة لائم في جميع مسالكه وللحق صولة ولما كان الحق صعب المرام قويا حمله على النفوس لا تحمله ولا تقبله بل تمجه وترده لهذا قال صلى الله عليه وسلم ما ترك الحق لعمر من صديق وصدق صلى الله عليه وسلم يعني في الظاهر والباطن أما في الظاهر فلعدم الإنصاف وحب الرياسة وخروج الإنسان عن عبوديته واشتغاله بما لا يعنيه وعدم تفرغه لما دعي إليه من شغله بنفسه وعيبه عن عيوب الناس وأما في الباطن فما ترك الحق لعمر في قلبه من صديق فما كان له تعلق إلا بالله)([6]).
مدح أبي هريرة : (من علماء هذه الأمة يحفظون عليها أحوال الرسول وأسرار علومه كعلي وابن عباس وسلمان وأبي هريرة وحذيفة)([7]).
الثناء على الشافعي وابن حنبل : (الاستحسان عند الفقهاء الذي قال فيه الشافعي رحمه الله من استحسن فقد شرع فأخذها الفقهاء منه على جهة الذم وهو رضي الله عنه نطق بحقيقة مشروعة له لم تفهم عنه فإنه كان من الأربعة الأوتاد وكان قيامه بعلم الشرع حجبه عن أهل زمانه ومن بعده روينا عن بعض الصالحين أنه لقي الخضر فقال له ما تقول في الشافعي فقال هو من الأوتاد فقال فما تقول في أحمد بن حنبل قال رجل صديق قال فما تقول في بشر الحافي قال ما ترك بعده مثله فهذه شهادة الخضر في الشافعي رحمه الله ولما صح عند الشافعي أن النبي ص قال من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ومن سن سنة سيئة الحديث فلا شك أن الشرع قد أباح له أن يسن سنة حسنة وهي من جملة ما ورث من الأنبياء وهي حسنة أي يستحسنها الحق منه وهو سنها فمن استحسن أي من سن سنة حسنة فقد شرع ويا عجبا من عدم فهم الناس كلام الشافعي في هذا وهم يثبتون حكم المجتهد وإن أخطأ في نفس الأمر وقد أقره الشارع وهو حكم شرعي مقبول لا يحل لأحد من الحكام رده وقواعد الشرع وأصوله تحفظه)([8]).
الثناء على معاوية : (وكذلك ما أحدثه معاوية كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره خال المؤمنين فالظن بهم جميل رضي الله عن جميعهم ولا سبيل إلى تجريحهم وإن تكلم بعضهم في بعض فلهم ذلك وليس لنا الخوض فيما شجر بينهم فإنهم أهل علم واجتهاد)([9]).
قوله بعدم إسلام أبي طالب رضوان الله عليه : (لو كان للهمّة أثر ولا بد ، لم يكن أحد أكمل من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا أعلى وأقوى همّة منه ، وما أثّرت في إسلام أبي طالب عمه)([10]).
تبنيه المصالح المرسلة التي يقول بها علماء العامة خلاف الشيعة : (المصالح المرسلة في مذهب مالك ولما قرر الشارع حكمها مجملا وأبان أن واضعها ومتبعيه فيها مأجورون)([11]).
ابن عربي يعتقد بمكاشفة الرجبيين التي تقول بأن الشيعة خنازير : (ومنهم رضي اللّه عنهم الرجبيون وهم أربعون نفسا في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون وهم رجال حالهم القيام بعظمة اللّه وهم من الأفراد وهم أرباب القول الثقيل من قوله تعالى : [إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً]([12]) وسموا رجبيون لأن حال هذا المقام لا يكون لهم إلا في شهر رجب من أول استهلال هلاله إلى انفصاله ثم يفقدون ذلك الحال من أنفسهم فلا يجدونه إلى دخول رجب من السنة الآتية وقليل من يعرفهم من أهل هذا الطريق وهم متفرقون في البلاد ويعرف بعضهم بعضا منهم من يكون باليمن وبالشام وبديار بكر لقيت واحدا منهم بدنيسير من ديار بكر ما رأيت منهم غيره وكنت بالأشواق إلى رؤيتهم و منهم من يبقى عليه في سائر السنة أمر ما مما كان يكاشف به في حاله في رجب ومنهم من لا يبقى عليه شيء من ذلك وكان هذا الذي رأيته قد أبقى عليه كشف الروافض من أهل الشيعة سائر السنة فكان يراهم خنازير فيأتي الرجل المستور الذي لا يعرف منه هذا المذهب قط وهو في نفسه مؤمن به يدين به ربه فإذا مر عليه يراه في صورة خنزير فيستدعيه ويقول له تب إلى اللّه فإنك شيعي رافضي فيبقى الآخر متعجبا من ذلك فإن تاب وصدق في توبته رآه إنسانا وإن قال له بلسانه تبت وهو يضمر مذهبه لا يزال يراه خنزيرا فيقول له كذبت في قولك تبت وإذا صدق يقول له صدقت فيعرف ذلك الرجل صدقه في كشفه فيرجع عن مذهبه ذلك الرافضي ولقد جرى لهذا مثل هذا مع رجلين عاقلين من أهل العدالة من الشافعية ما عرف منهما قط التشيع ولم يكونوا من بيت التشيع أداهما إليه نظرهما وكانا متمكنين من عقولهما فلم يظهرا ذلك وأصرا عليه بينهما وبين اللّه فكانا يعتقدان السوء في أبي بكر وعمر ويتغالون في علي فلما مرا به ودخلا عليه أمر بإخراجهما من عنده فإن اللّه كشف له عن بواطنهما في صورة خنازير وهي العلامة التي جعل اللّه له في أهل هذا المذهب وكانا قد علما من نفوسهما أن أحدا من أهل الأرض ما اطلع على حالهما وكانا شاهدين عدلين مشهورين بالسنة فقالا له في ذلك فقال أراكما خنزيرين وهي علامة بيني وبين اللّه فيمن كان مذهبه هذا فأضمرا التوبة في نفوسهما فقال لهما إنكما الساعة قد رجعتما عن ذلك المذهب فإني أراكما إنسانين فتعجبا من ذلك وتابا إلى اللّه) ([13]).
من قدحه في الشيعة والتشنيع عليهم : (أكثر ما ظهر ذلك في الشيعة ولا سيما في الإمامية منهم فدخلت عليهم شياطين الجن أولا بحب أهل البيت واستفراغ الحب فيهم ورأوا أن ذلك من أسنى القربات إلى الله وكذلك هو لو وقفوا ولا يزيدون عليه إلا أنهم تعدوا من حب أهل البيت إلى طريقين منهم من تعدى إلى بغض الصحابة وسبهم حيث لم يقدموهم وتخيلوا أن أهل البيت أولى بهذه المناصب الدنيوية فكان منهم ما قد عرف واستفاض وطائفة زادت إلى سب الصحابة)([14]).
والسيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه : (ابن عربي سني متعصب) ذكر بعض الأمور التي تدل على أن ابن عربي من متعصبي العامة وهو كما ذكر لم يكن بصدد استقصاء جميع ما يدل على ذلك كما أني ذكرت بعض الأمور التي لم يذكرها السيد العاملي رحمه الله ولم أكن بصدد الاستقصاء أيضا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) الفتوحات المكية،ج3،ص559.
[2] ) نقل محمد حسين الطهراني في كتابه (الروح المجرد) اعتراض السيد الطباطبائي على ابن عربي حيث يقول : كيف يمكن عدّ محيي الدين من أهل الطريقة مع أنه يعدّ المتوكل من أولياء الله ؟
وقد دافع السيد الطهراني عن ابن عربي وبرر له تبريرا مضحكا بقوله : إن ثبت هذا الكلام عنه دون تحريف في نقله – لأن الشعراني يدعي أن هناك تحريفات كثيرة حصلت في فتوحات ابن العربي – ومع افتراض علمنا بأنه كان شخصا منصفا لا ينكر الحق إن ثبت لديه ، فإن علينا في أمثال هذا النمط من المطالب أن نعدّه في زمرة المستضعفين . فضحك العلامة مستنكرا وقال : أمحيي الدين من المستضعفين ؟! الروح المجرد،ص420 .
ولا تعجب من تبرير الطهراني وضحك السيد الطباطبائي فإن الذين تأثروا بتصوف ابن عربي اضطروا لتأويل كلامه وصرفه إلى وجوه مضحكة ، ولا أدري كم هو عدد التبريرات التي تضحك السيد الطباطبائي وتجعله مستنكرا؟!
ثم لم يكن هذا هو الكلام الأول والأخير لتشنيع ابن عربي على الشيعة وإنما لديه كلام آخر يأتي بيانه في نفس هذا العنوان.
[3] ) الفتوحات المكية،ج2،ص6.
[4] ) فصوص الحكم/ الفص الشيثي.
[5] ) الفتوحات المكية،ج3،ص359.
[6] ) الفتوحات المكية،ج1،ص200
[7] ) الفتوحات المكية،ج1،ص151.
[8] ) الفتوحات المكية،ج2،ص168.
[9] )الفتوحات المكية،ج1،ص518.
[10] ) فصوص الحكم،شرح عبد الرحمن الجامي،ص305.
[11] ) الفتوحات المكية،ج2،ص169.
[12] ) سورة المزمل : 5 .
[13] ) الفتوحات المكية،ج2،ص8.
[14] ) الفتوحات المكية،ج1،ص282.