تجسم الأعمال ما بين الحقيقة والخيال (5)

تجسم الأعمال ما بين الحقيقة والخيال (5)

من الآيات التي استدلوا بها على تجسم الأعمال :

الآية الرابعة

[وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ]([1]).  

وجه الاستلال على قالوا : هو أن قوله تعالى : [أَتَيْنَا بِهَا] يدل على تجسم الأعمال وحضورها يوم القيامة .

ومما يدحض ذلك أن في صدر الآية المباركة قرينة تدل على إحصاء الثواب والعقاب لكل الأعمال وإن كانت صغيرة ؛ فحملها على هذا المعنى هو الأوفق بالظهور والسياق ، وقد روى القمي عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسيرها : [[وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ] ليوم القيامة قال المجازات  [وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا] أي جازينا بها وهي ممدودة آتينا بها([2]).

الآية الخامسة :

 [قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ]([3]).

هذه من الآيات التي استدلوا بها وقالوا أنها تدل على حمل أعمالهم على ظهورهم حقيقةً .

والملاحظ أن الآية ظاهرة في الاستعمال المجازي كناية عن ثقل الحمل وما كبلوا به أنفسهم ، إذ المسؤوليات تُشبه بالحمل الثقيل . فهي أظهر في هذا المعنى من ظهورها في حمل أعمالهم على ظهورهم حقيقة ، ولو سُلم بحمل الأعمال حقيقة فهي لا شأن لها بأن الأعمال تجسمت منذ أن عملها الإنسان وبها يكون عقابه لا بشيء آخر ، لأنه لا دلالة في الآية المباركة على هذا المعنى.

الآية السادسة :

[وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ].

وجه ما استدلوا به هو أن أعمالهم السيئة تظهر يوم القيامة.

ولكن بعد استعمال القرآن الكريم للمعنى الكنائي في الكثير من الآيات أي بمعنى جزاء هذه الأعمال يظهر على تقدير كلمة جزاء قبل :[سَيِّئَاتُ]  نظير  : [وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ]([4]).

على تقدير : (أهل) قبل كلمة : [الْقَرْيَةَ] تكون أظهر في ظهور جزاء الأعمال لا ذات الأعمال من المعنى الذي ذهبوا إليه ، وعلى أقل تقدير عند احتمال عدة معاني تكون مجملة ، ولا يمكن البت بظهور الأعمال وصرف الآية عن جزاء الأعمال ناهيك عما إذا قلنا نحمل معنى الآية على الآيات الكثيرة التي تدل على ظهور جزاء الأعمال ونفسر المراد بها . ثم على فرض  ظهور الأعمال لا يعني ذلك أنها نفس الجزاء ، وهذا الإشكال دائما ما يتكرر فلا تغل عنه كما نوهتُ على ذلك مرارا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) سورة الأنبياء :47.

[2] ) تفسير القمي،ج2،ص71.

[3] ) سورة الأنعام :31.

[4] ) سورة يوسف : 82 .

Comments (0)
Add Comment