(25) ما صحة حديث الحقيقة المنسوب لأمير المؤمنين عليه السلام مع تلميذه كميل بن زياد (عليه الرحمة) ؟
ج : لم يرد في المصادر الحديثية الشيعية ولا حتى في مصادر الحديث عند العامة . وإنما تناقلته مصنفات الصوفية واهتموا به شرحا وتعليقا ، ومن أقدم شروحات الصوفية عليه هو شرح عبد الرزاق الكاشاني (ت:730هـ) كما ذكر آقا بزرك الطهراني : (شرح حديث الحقيقة للمولى عبد الرزاق بن علي بن الحسين اللاهيجي القمي المتوفى سنة 1051 ه . ذكره في (نجوم السماء) ، لكن على نسخة ضمن مجموعة في (مكتبة السيد عبد الحسين الحجة) بكربلاء أنه للمولى عبد الرزاق الكاشاني ، وكذا على نسخة في (مكتبة السيد محمد المشكاة) في طهران ، ونسخة في (المكتبة الرضوية) في خراسان من وقف الحاج عماد الفهرسي)([1]).
وعبد الرزاق الكاشاني ذكر إحدى فقرات حديث الحقيقة في كتاب (اصطلاحات الصوفية) حيث يقول : (كما قال علي عليه السلام : كشف سبحات الجلال من غير إشارة)([2]).
وأول من ذكره من صوفية الشيعة هو السيد حيدر الآملي ـــ بحسب مصادر التصوف التي وصلت إلينا ـــ في كتابه : (جامع الأسرار) وهذا نص ما ذكره مع ما ضمنه من شرح له : مروي عن كميل أنه سأل أمير المؤمنين عليا عليه السلام عن (الحقيقة) بقوله (ما الحقيقة ؟) فقال له عليه السلام : (ما لك والحقيقة) يعنى : من أنت والسؤال عن الحقيقة ، ولست بأهلها ! فقال كميل : (أولست صاحب سرّك ؟) قال : (بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني) يعنى : نعم ، أنت صاحب سرّي ومن أخص تلامذتي ، ولكن لست بأهل لمثل هذا السر والاطلاع عليه ، لأنه (يرشح عليك ما يطفح مني) وإلا كان الأمر يضرك ويضرني ، لأن ظرفك لا يحتمل فوق قدرك ، وأنا مأمور بوضع الشيء في موضعه . فقال كميل : (أو مثلك يخيب سائلا ؟) أي مثلك في العلوم والحقائق والاطلاع على استعداد كل سائل ، (يخيب سائلا ؟) أي يمنعه عن حقه ، ويجعله محروما عن مراده ، خائبا عن مقصوده ، ساكتا عن جوابه ؟ لا ، والله ! بل يجب عليك وعلى مثلك جواب كل واحد منهم بقدر استعداده وفهمه وإدراكه ، مطاوعة لقوله تعالى : [وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ][وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ]([3]) وأسوة بنبيه صلى الله عليه وآله : لقوله: (كلموا الناس على قدر عقولهم)([4]). فشرع الإمام بعد ذلك في بيانه وقال : (الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة) . فقال كميل : (زدني فيه بيانا) . قال الإمام : (صحو الموهوم مع محو المعلوم). قال كميل : (زدني فيه بيانا) . قال الإمام : (هتك السرّ لغلبة الستر) . قال كميل : (زدني فيه بيانا) قال الإمام : (نور يشرق من صبح الأزل ، فيلوح على هياكل التوحيد آثاره) قال كميل : (زدني فيه بيانا) قال الإمام : (أطف السراج فقد طلع الصبح)([5]).
وجاء بعد عصر السيد حيدر الآملي المجلسي الأب (ت:1070هـ) رحمه الله ونقله في روضة المتقين بهذه الصيغة : (روي عنه صلوات الله عليه أنه لما سأله كميل بن زياد عن الحقيقة ، فقال : ما لك والحقيقة ؟ فقال : أو لست صاحب سرك ؟ فقال صلوات الله عليه : بلى ولكن يترشح عليك ما يطفح مني ، فقال كميل : أو مثلك يخيب سائلا ؟ فقال عليه السلام الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة ، فقال : زدني بيانا ؟ فقال عليه السلام : محو الموهوم مع صحوا المعلوم ، فقال : زدني بيانا فقال عليه السلام : هتك الستر لغلبة السر ، فقال زدني بيانا ؟ فقال صلوات الله عليه : جذب الأحدية بصفة التوحيد ، قال : زدني بيانا ؟ قال عليه السلام نور يشرق من صبح الأزل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره ، قال : زدني بيانا ؟ قال : أطفأ السراج فقد طلع الصباح)([6]).
والفيض الكاشاني (ت:1091هـ) نقله في الكثير من كتبه من ضمنها ما ذكره في كتاب : (الحقائق في محاسن الأخلاق) بقوله : (وسأله كميل بن زياد النخعي عن الحقيقة فقال عليه السلام :مالك والحقيقة…إلخ)([7]).
وقد نُسب للعلامة الحلي شرحا لخبر الحقيقة ولكن النسبة لا صحة لها كما ذكر آقا بزرك الطهراني : (شرح حديث الحقيقة والخمس كلمات فيه) منسوب إلى العلامة الحلي جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر المتوفى سنة 726 ه . أوله : الحمد لله الذي نطق ذاته بصفاته ، وحجب صفاته بأفعاله ، إلى قوله : أما بعد فقد لمس مني أخ في الدين أن أكتب رسالة موجزة في شرح كلام سيد الوصيين عليه السلام . إلخ طبع ضمن مجموعة (كلمات المحققين) سنة 1315 ه . والظاهر بل المقطوع به كذب النسبة كما يتضح ذلك لكل من له معرفة بكلمات العلامة وطريقته ، لا سيما وأن فهرس مؤلفاته موجود ومضبوط وليس فيه أثر لهذا الكتاب . فلعله للمولى جلال الدواني لأنه يحيل إليه في (رسالة خلق الأعمال) معبرا عنه بشرح الكلمات الخمس لأمير المؤمنين عليه السلام)([8]).
ومما يلاحظ على الخبر عدة أمور :
الأول : لا وجود للخبر في مصادر الحديث الشيعية ومصادر المسلمين الحديثية بصورة عامة .
الثاني : إن الخبر مرسل ولا سند له ، ولم يشر من نقله إلى مصدره .
الثالث : مما يلاحظ على الخبر هو أن الجواب وعدمه فيه على حد سواء ، حيث لم يتضح لكميل عليه الرحمة مراد ما سَئل عنه ، وكل فقرة يسأل عنها يُجاب بجواب غير بيِّن يطلب بيانه ، حتى وصل إلى الفقرة الأخيرة فسأل البيان عنها إلا أن جوابه كان : اطف السراج!
الرابع : إن مفردات الخبر وما فيه من تعبير وغرابة لم تُعهد في أخبار الأئمة عليهم السلام ، بل يناسب مفردات الفلاسفة والصوفية وما جاء في مصنفاتهم.
الخامس : ويلاحظ على الخبر أن (اطف السراج) أو (انطفئ السراج) ونحوهما من الألفاظ التي يختم بها الفلاسفة والصوفية كلماتهم في بعض الأحيان.
السادس : إن رسول الله صلى الله عليه وآله يجيبون الناس على قدر عقولهم ولم يتعارف عنهم أنهم يعرضوا عن السؤال ولم يعهد عنهم رد السائل بعبارة أطف السراج ونحوها.
السابع : إن : (الحقيقة) من مصطلحات الصوفية كما عرَّفه ابن عربي في اصطلاحات الصوفية : (الحقيقة :سلب آثار أوصافك عنك بأوصافه ، بأنه الفاعل ، فيكون منك ، لا أنت)([9]).
إن بما يسمى بحديث الحقيقة لا يمكن شرحه على ما يتضمن من هذه الفقرات فمن الظريف أن تجد عليه بعض الشروحات أو يحاول بعضهم شرحه أو التفكر في المراد منه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) الذريعة،ج13،ص196.
[2] ) اصطلاحات الصوفية،ص163.
[3] ) سورة الضحى:10ـ11.
[4] ) روى الشيخ الكليني رحمه الله في أصول الكافي : عن رسول الله صلى الله عليه وآله : (إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم).أصول الكافي،ج1،ص23.ولم أجده في المصادر الأولية بصيغة المذكورة.والعلامة الحلي رحمه الله في تذكرة الفقهاء رواه عن أمير المؤمنين حيث ذكر بما نصه : (لقول علي عليه السلام : كلموا الناس على قدر عقولهم).تذكرة الفقهاء،ج4،ص84.
[5] ) جامع الأسرار،ص28.
[6] ) روضة المتقين،ج2،ص81.
[7] ) الحقائق في محاسن الأخلاق،ص17.
[8] ) الذريعة،ج13،ص196.
[9] ) اصطلاحات الصوفية،ص14.