مخاض المعرفة في تتمة دعاء عرفة (2)
نسبة التتمة للدعاء
وقع كلام في نسبة التتمة للدعاء هل هي من أصل الدعاء ، أم أنها من إضافات الصوفية التي أُلحقت بالدعاء ، ولا بد من التعرض لعدة حيثيات من أجل الوقوف على حقيقة الأمر والتبيُّن من سر ذلك ، إذ التقليد لرأي ما ، من غير إلمام واطلاع في حيثيات الموضوع ، أو مجرد الميل لقوله من دون روية وتثبت غير كافٍ في الوقوف على حقيقة الأمر.
بداية الإثارة والتشكيك
إن أول من أشار إلى التشكيك في نسبة التتمة للدعاء هو العلامة المجلسي حيث ذكر أنها وفق مذاق الصوفية وأن السيد ابن طاووس أدرجها ضمن التتمة غفلة ، أو ألحقها بعضهم في الدعاء وهذا هو الذي استظهره العلامة المجلسي رحمه الله : (عبارات هذه الورقة لا تلائم سياق أدعية السادة المعصومين أيضا وإنما هي على وفق مذاق الصوفية ولذلك قد مال بعض الأفاضل إلى كون هذه الورقة من مزبدات بعض مشايخ الصوفية ومن إلحاقاته وإدخالاته وبالجملة هذه الزيادة إما وقعت من بعضهم أولاً في بعض الكتب وأخذ ابن طاووس عنه في الإقبال غفلة عن حقيقة الحال ، أو وقعت ثانياً من بعضهم في نفس كتاب الإقبال ، ولعل الثاني أظهر على ما أومأنا إليه من عدم وجدانها في بعض النسخ العتيقة وفي مصباح الزائر والله أعلم بحقايق الأحوال)([1]).
وعلى ما يبدو أن العلامة المجلسي بصدد نقل قول الفاضل المشار إليه أو أنه مال لما قال به الفاضل ، وعلى أي منهما العلامة المجلسي لم يجزم بكونها من إنشاء الصوفية والبت بنفيها عن أصل الدعاء ــ ومما يدل على ذلك نسبة التتمة للإمام الحسين عليه السلام في مرآة العقول ــ وهذه نقطة جديرة بالالتفات إذ الفارق كبير بين احتمال كونها من أدعية الصوفية وبين القطع واليقين بذلك ، ولما يترتب على الجزم بالوضع من عدم جواز النسبة للإمام عليه السلام ، وعدم صحة قراءة التتمة برجاء المطلوبية ، ولا تندرج تحت أخبار من مبلغ . وهذا بخلاف احتمال الوضع لأنها تكون كغيرها من الأخبار الضعيفة التي لا يجزم بوضعها ، ويجوز حينها نسبتها للإمام عليه السلام والقراءة برجاء المطلوبية وتشملها أخبار من بلغ.
والغريب أن بعض من قلَّد العلامة المجلسي في قوله هذا من غير تحقيق وتدقيق زاد عما قاله العلامة وبالغ فيه إلى القطع واليقين كما فعل الداروينية مع ما يسمى بنظرية التطور إذ ما ذكره دارون في كتابيه : (أصل الأنواع) و (نشأة الإنسان) على نحو الاحتمال والتردد ولا يوجد في كلا الكتابين المذكورين ما يجزم بالفكرة بينما الداروينية أخذوها على نحو المسلمات والأمور القطعية التي لا يرتقي إليها الشك والاحتمال ، وكأنهم أرادوا بذلك أن يجعلوا لأنفسهم كياناً ثقافياً مستقلاً يُعرف بالداروينية ، كما حاول من لا قَدَمَ له في التحقيق أن يجعل من الاحتمال الذي ذكره العلامة فتحاً وباعاً في مجال التحقيق.
ومما يُؤاخذ على أنصاف المحققين هو عدم التعرض لقول العلامة المجلسي الآخر في تتمة الدعاء([2]) إما جهلاً بأصل وجوده وتسرعهم في نسبة أحد الرأيين للعلامة دون الآخر ، أو تعمداً في محاولة منهم للتعتيم على القول الآخر له وإخفاءً لما يوجب النقض عليهم ، ويُضعف مما ذهبوا إليه خصوصاً فيما إذا كانوا يعولون كثيراً على قول العلامة المجلسي رحمه الله وإظهاره على نحو القول الصائب بلا منازع ومداني .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) بحار الأنوار،ج95،ص227.
[2] ) يأتي التعرض له إن شاء الله تحت عنوان : (قولان للعلامة المجلسي في التتمة وليس قولاً واحداً).