مخاض المعرفة في تتمة دعاء عرفة (3)
إخبار العلامة المجلسي ورأيه
إن العلامة المجلسي رحمه الله أخبر بوجود الزيادة على بعض نسخ الإقبال في المقطع الأخير من دعاء عرفة وهذا كاف بالاعتماد عليها فنحن نأخذ بإخباره (بالنسخة التي وردت فيها الزيادة) لا برأيه ـــ وإن كان وصول النسخة المتضمنة للزيادة إلى زماننا يغنينا عن إخباره إلا أن إخباره يدل على وجودها في زمانه وشهادة منه على وثوقها في ذلك الزمان ـــ لأن رأيه لم يكن بالحجة علينا ونحن غير ملزمين به ، كما أن درجات الاعتبار في النسخ والزيادة في بعضها لا تبطل ما سواها.
والعلامة المجلسي لم ينفِ اعتبار النسخة التي تضمنت الزيادة ، وكان إشكاله على الزيادة من حيث المتن ، وليس من حيث اعتبار النسخة التي وردت فيها. ولم يكن مدار الاعتبار في النسخ على الزيادة والنقيصة ، كما أن اعتبار نسخة ما لا ينفي الاعتبار عن غيرها.
وعلى هذا عدم ذكر الكفعمي للزيادة وغيره ، بل حتى المصنف نفسه في كتاب آخر لا يلزم منه عدم اعتبار النسخة الواجدة للزيادة ، كما هو الحاصل في بعض فقرات اللعن في زيارة عاشوراء إذ وردت في بعض النسخ وسقطت عن البعض الأخر ، ولا كلام لنا باعتبارها وعدها من أصل الزيارة.
وقد يقال : إسقاط تتمة دعاء عرفة بناءً على القرائن والمؤيدات التي ترجح سقوطها إثباثاً في مقام الظاهر والمتحصل لدينا من الأدلة ، ولم يكن ناظراً للواقع القطعي ومقام الثبوت. ومن حقنا ترجيح سقوطها اعتماداً على البحث والتحقيق.
والجواب : إن كلامنا في حيز التحقيق والإثبات ولم تصل النوبة للتحقق واقعاً ، وببيان أوضح : القرائن والاحتمالات المذكورة لا يمكن الاتكاء عليها والقطع بنفي الصدور ، لأن المستند عليه يكون حينها أعم من مؤداه ونتيجته ؛ أي المستند لا يسعف التوسع لنفي الصدور واقعا ومن ثم ترتيب اللوازم الأخرى عليه مثل الاستخفاف بالزيادة.بل إن الاحتمالات والقرائن لا تفيد حتى القطع بالنفي ظاهرا لأنها لا تفي ولا ترقى لهذا المستوى من القطع.
وبعبارة أخرى الكلام في الموازين العلمية التي جرى على وفقها التعامل مع النسخ من حيث الزيادة والنقيصة الحاصلة فيها ، والتي لم يسلم منها أكثر الكتب اعتبارا ووقوع الزيادة والنقيصة في نسخه ؛ وحينئذٍ نعرض عن الكلام في الزيادة والنقيصة المفروغ من وقوعها في النسخ وليس لمحصل المناقشة والتردد في وقوعها.
فما جُعل قرينةً ودليلاً على النفي من قبيل عدم نقل الكفعمي وغيره للزيادة لم يكن تاماً ، ونسبة الزيادة لابن عطاء لا دليل عليها أصلا بل نقل الأخير هو الأصل في المقام ــ لتأخره عن صدور الإقبال ــ لا أن نعكس الأمر باحتمالات واهية لا شاهد لها ، وكونها (الزيادة) على مذاق الصوفية بحسب بعض الأفهام التي مالت لنفيها مناقش فيه ومردود على أهله كما يأتي بيانه.
وقد يتساءل إذا كان اختلاف النسخ مما لا شك في وقوعه كيف أنه يُجعل قرينةً أو دليلاً على نفي الزيادة الحاصلة في دعاء عرفة على بعض النسخ؟
والجواب : إن الإشكال الأساسي الذي وقع فيه هؤلاء هو إشكال على المتن حيث حسبوه من كلام الصوفية بعدما حكَّموا فهمهم وذوقهم فيه ، أو لنقل بعبارة أخرى أن ذلك الفاضل الذي ذكر كلامه العلامة المجلسي حكَّم ذوقه فيه ومال لرأيه العلامة ومن ثم ترك أثره في هؤلاء الذين يعدونه على مذاق الصوفية ولا غرابة في هذا حيث إطلاق الكلام وإبداء الآراء لا بد لها من إصابة بعض الأفهام!
ولو لم يُثر العلامة المجلسي الكلام في التتمة لما التفتوا لذلك ، ومن هنا الذين شككوا تبعاً لرأيه هم مُقلِّدة له أي تأثروا به ، وبعد أن وقعوا في شراك الذوق والتقليد لرأيه أخذوا التنظير له من خلال الكلام في النسخ وجعلوه في حيز التحقيق والتدقيق . وليس فيهما من شيء لما تقدم سابقاً من أن السقوط من بعض النسخ لا يعني السقوط من أصل الكتاب ، كما توهم الذين قالوا بوجادة بعض الكتب مع أن الوجادة كانت على إحدى النسخ دون غيرها ، أو أن الكتاب مشهور ومتسالم عليه ومن ثم يأتيك من يتكلم في وجادته!
وقد يُقال نُسلِّم أن الزيادة سقطت من بعض نسخ إقبال الأعمال ــ لأنه لا يمكن لشخص في القرون المتأخرة أن يدعي أحاطته بجميع نسخ الإقبال بل حتى الذين هم في القرون القريبة من صدور الإقبال لا يمكنهم هكذا دعوى لأن ضياع بعض النسخ أمر وارد ومعقول ـــ إلا أنه هل يعقل أن تكون هذه الزيادة في إحدى النسخ ولم تنقلها مصادر الأدعية القريبة من صدور الإقبال مثل مصباح الكفعمي والبلد الأمين؟!
إن الإجابة عن هذا التساؤل تقدمت في طيات الكلام حيث يمكن للكتب المتأخرة أن تنقل عن بعض النسخ دون بعضها الآخر ، ولو أردنا نفي الزيادة من حيث نقل الكتب المتقدمة والمتأخرة وعدم نقلها يلزمنا ننفي أصل الدعاء لأنه لم يرد في كتب الأدعية والزيارات عند المتقدمين مثل كامل الزيارات ومصباح المتهجد ومزار المشهدي ولم يرد في باب المزار الذي خصصت له الكتب الأربعة عنواناً خاصاً لنقل الأدعية والزيارات فيه.
ومما تقدم يتبين أن ما أثير حول المقطع الأخير من دعاء عرفة عبارة عن تشكيك لا دليل عليه ، وهو خلاف الأصل ؛ فمن المجازفة البت بعدم نسبة الفقرات التي هي محل الكلام للدعاء أو تكلف بعض القرائن لنفي النسبة ، لأن هذه القرائن وارد فيها النقض والمقابلة بقرائن أخرى تُثبت نسبتها للدعاء ، من قبيل علو المضامين التي يعجز عن الإتيان بها ابن عطاء الله السكندري ، ومن حيث تأخر ابن عطاء عن ابن طاووس فلا أدري هل يأخذ المتأخر عن المتقدم أم نقلب الموازين ، ومن ثم ندعي إضافة الزيادة لكتاب الإقبال مؤخراً من غير دليل يوثق به ويطمئن إليه.