مخاض المعرفة في تتمة دعاء عرفة (12)
تشابه فقرات التتمة مع الدعاء وسائر النصوص
إن تتمة دعاء عرفة تشبه ما روي من الأدعية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وهي أشبه ما تكون بسائر الدعاء ؛ فهي منسجمة من حيث النسق والمضامين العالية ، ولا تقل عن مستوى الدعاء في البيان والمضمون . ومن يرى غير ذلك فهو رأيه وشأنه ، ليس من حقه أن يفرضه على غيره ويلزمه به ، نظير الاستظهارات المختلف فيها لدى العلماء ، وهذه بعض الفقرات من التتمة وبيان مشابهتها لبعض النصوص من باب التمثيل والتطبيق :
1 ـ (أيَكونُ لِغَيرِكَ مِنَ الظُّهورِ ما لَيسَ لَكَ حَتَّى يَكونَ هُوَ المُظهِرَ لَكَ) .
روي في أصول الكافي : عن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام إني ناظرت قوما فقلت لهم إن الله جل جلاله أجل وأعز وأكرم من أن يعرف بخلقه بل العباد يعرفون بالله فقال : رحمك الله([1]).
وقد شرحه العلامة المجلسي في مرآة العقول : (الحاصل أن وجوده تعالى أظهر الأشياء ولا يحتاج في ظهوره إلى بيان أحد ، وقد أظهر الدلائل على وجوده وعلمه وقدرته في الآفاق وفي أنفسهم ، وهو مظهر الأنبياء والرسل وفضلهم وكمالهم وهو مفيض العلم والجود عليهم ، وعلى جميع الخلق ، فهو سبحانه المظهر لنفسه ولغيره وجودا وكمالا ومعرفة كما قال سيد الشهداء عليه السلام في دعاء يوم عرفة : كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك ، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك عليها رقيبا . إلى آخر الدعاء)([2]).
وهنا العلامة رحمه الله عد التتمة من أصل الدعاء ونسبها للإمام الحسين عليه السلام من غير تردد كما تقدم التنويه على ذلك.
2 ـ (إلهي حَقِّقني بِحَقائِقِ أهلِ القُربِ وَاسلُكَ بي مَسلَكَ أهلِ الجَذبِ).
3ـ (وَاجْذِبْنِي بِمَنِّكَ حَتَّى أُقْبِلَ عَلَيْكَ).
إن المراد بالجذب في الفقرتين هو توفيق الله عز وجل لعباده وما يعينهم به على قربه ومحل لطفه وعنايته وهذا المعنى كثيرا ما جاء في النصوص والأدعية ، وقد تقدم([3]) أن مادة جذب واشتقاقها شائع في اللغة كما تقدم أيضاً الإشارة إلى بعض النصوص التي جاء فيها هذا الاستعمال.
وسُئل السيد محمد صادق الروحاني : ورد في دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة : (وَاسْلُكْ بي مَسْلَكَ أَهْلِ الْجَذْبِ) فما معنى أهل الجذب ؟
باسمه جلت أسماؤه يُراد ب أهل الجذب : العباد الذين يقرّبهم الله تعالى منه ، عن طريق تهيئة كل ما يحتاجون إليه في طريق الوصول إليه سبحانه وتعالى([4]).
4 ـ (إِلَهِي أَنَا الْفَقِيرُ فِي غِنَايَ فَكَيْفَ لَا أَكُونُ فَقِيراً فِي فَقْرِي)
5 ـ (إِلَهِي أَنَا الْجَاهِلُ فِي عِلْمِي فَكَيْفَ لَا أَكُونُ جَهُولًا فِي جَهْلِي)
6 ـ (إِلَهِي كَيْفَ تَكِلُنِي وَقَدْ تَوَكَّلْتَ لِي وَكَيْفَ أُضَامُ وَأَنْتَ النَّاصِرُ لِي)
7 ـ (إِلَهِي مَنْ كَانَتْ مَحَاسِنُهُ مَسَاوِيَ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ مَسَاوِيهِ مَسَاوِيَ)
8 ـ (وَمَنْ كَانَتْ حَقَائِقُهُ [حَقَّانِيَّتُهُ] دَعَاوِيَ فَكَيْفَ لَا تَكُونُ دَعَاوِيهِ دَعَاوِيَ)
9 ـ (إِلَهِي كَيْفَ أَسْتَعِزُّ وَفِي الذِّلَّةِ أَرْكَزْتَنِي أَمْ كَيْفَ لَا أَسْتَعِزُّ وَإِلَيْكَ نَسَبْتَنِي) 10 ـ (إِلَهِي كَيْفَ لَا أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِي فِي الْفُقَرَاءِ أَقَمْتَنِي أَمْ كَيْفَ أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِي بِجُودِكَ أَغْنَيْتَنِي).
وهذه الفقرات تشبه ما جاء في المناجاة التي رواها الكفعمي عن الإمام الحسن العسكري عن أمير المؤمنين عليه السلام : (إلهي كيف أدعوك وأنا أنا أم كيف أيأس منك و أنت أنت)([5]).
وتشبه أيضا ما جاء في دعاء عن الإمام الصادق رواه الشيخ الصدوق في الآمالي : (إلهي كيف أدعوك وقد عصيتك وكيف لا أدعوك وقد عرفتك)([6]).
11 ـ (يا مَن استَوى بِرَحمانيَّتِه فَصارَ العَرشُ غَيباً في ذاتِهِ مَحَقتَ الآثارَ بِالآثارِ وَمَحَوتَ الأغيارَ بِمُحيطاتِ أفلاكِ الأنوارِ، يا مَن احتَجَبَ في سُرادِقاتِ عَرشِهِ عَن أن تُدرِكَهُ الأبصارُ يا مَن تَجَلّى بِكَمالِ بَهائِهِ فَتَحَقَّقَت عَظَمَتُهُ الاستِواءَ)
وهذه الفقرات تشابه هذه الأدعية :
دعاء رواه الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد .ورواه السيد ابن طاووس في الإقبال عن الإمام الصادق عليه السلام : (اللهم إني أسألك باسمك المكتوب في سرادق المجد ، وأسألك باسمك المكتوب في سرادق البهاء ، وأسألك باسمك المكتوب في سرادق العظمة وأسألك باسمك المكتوب في سرادق الجلال ، وأسألك باسمك المكتوب في سرادق العزة ، وأسألك باسمك المكتوب في سرادق القدرة ، وأسألك باسمك المكتوب في سرادق السرائر السابق الفائق الحسن النضير)([7]).
وأيضا دعاء رواه الشيخ الطوسي في المصباح والسيد ابن طاووس في الإقبال عن أمير المؤمنين عليه السلام : (يا رب يا منزل البركات بك تنزل كل حاجة ، أسألك بكل اسم في مخزون الغيب عندك والأسماء المشهورات عندك المكتوبة على سرادق عرشك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تقبل مني شهر رمضان..)([8]).
ومن الأدعية التي رواها الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد دعاء ليلة الثلاثاء جاء فيه : (وكان عرشك على الماء وكرسيك يتوقد نورا وسرادقك سرادق النور والعظمة والإكليل المحيط به هيكل السلطان والعزة والمدحة ، لا إله إلا أنت ، أنت رب العرش العظيم والبهاء والنور والحسن والجمال والعلي والعظمة والكبرياء والجبروت والسلطان والقدرة أنت الكريم القدير)([9]).
ومن الأمور الجديرة بالالتفات أن التتمة لا تقل عن مستوى أصل الدعاء إذا لم نقل أبلغ من حيث المعنى والبيان ، وعند القول بنسبتها للصوفية يلزم منه نسبة أصل الدعاء للتصوف .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) أصول الكافي،ج1،ص86.
[2] ) مرآة العقول،ج1،ص301.
[3] ) في عنوان : (دعوى مشابهة تتمة دعاء عرفة للمذاق الصوفي).
[4] ) أجوبة المسائل في الفكر والعقيدة والتاريخ والأخلاق،ج١،ص305.
[5] ) البلد الأمين،ص316.
[6] ) الأمالي،ص438.
[7] ) مصباح المتهجد،ص566.إقبال الأعمال،ص177.
[8] ) مصباح المتهجد،ص651.إقبال الأعمال،ص273.
[9] ) مصباح المتهجد،ص461.