س : ما هو موقف القرآن الكريم وأهل البيت ع من الحدوث الدهري للعالم،الذي قال به الداماد

 

س : ما هو موقف القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام من الحدوث الدهري للعالم،الذي قال به السيد الداماد وما هو تعريفه؟وما هو رأي علمائنا في قدم العالم؟

ج : إن السيد الطباطبائي في بداية الحكمة أوضح الحدوث الدهري الذي ذهب إليه السيد الداماد : (الحدوث الدهري ، الذي ذكره السيد المحقق الداماد وهو مسبوقية وجود مرتبة من مراتب الوجود بعدمه المتقرر في مرتبة هي فوقها في السلسلة الطولية ، وهو عدم غير مجامع ، لكنه غير زماني، كمسبوقية عالم المادة بعدمه المتقرر في عالم المثال ، ويقابله القدم الدهري ، وهو ظاهر)([1]).

وشرحه بعض شراح النهاية بقوله : (وأما الحدوث الدهري : فقد تقدم أن الوجود حقيقة لها مراتب مختلفة طولا . وكل مرتبة من هذه المراتب هي علة لما تحتها ومعلولة لما فوقها . فإذا كان الأمر كذلك فإن كل مرتبة من هذه المراتب معدومة في رتبة علتها حيث إن علتها هي وجودها في رتبة سابقة على وجود المعلول ، وهذا هو التقدم الرتبي . ولكن هذا العدم عدم غير مجامع لا أنه عدم مجامع).

والسبزواري في شرح منظومته شرح الحدوث الدهري عند السيد الداماد وإليك ملخصه على ما قرره بعضهم : (إن كل موجود فلوجوده وعاء أو ما يجرى مجراه ، فوعاء السيالات كالحركات والمتحرّكات هو الزمان سواء كان بنفسه أو بأطرافه ، وما يجرى مجري الوعاء للمفارقات النورية هو الدهر ، وهو كنفسها بسيط مجرد عن الكمية والاتصال ونحوها ، وما يجري مجرى الوعاء للحق وصفاته وأسمائه هو السرمد ، فمعنى الحدوث الدهري : أن عالم الملك مسبوق بالعدم الدهري ؛ لأنه مسبوق بوجود الملكوت الذي وعاؤه الدهر سبقا دهريا . وإن شئت فقل : إن وجود عالم الملك مسبوق بعدمه الواقعي الفلكي الواقع في عالم الدهر ، بمعنى أنه ليس بموجود بالوجود الدهري ، فهو حينئذ معدوم بذلك الوجود ، بل هو موجود بوجود عالم الملك كما قيل . وهكذا حال الدهر بالنسبة إلى السرمد . والحاصل : أن العالم عنده مسبوق الوجود بالعدم الواقعي الدهري ، لا الزماني الموهوم كما يقول المتكلم ، ولا العدم المجامع الذي في مرتبة الماهية فقط كما ينسب إلى بعض الفلاسفة).

والظاهر من كلام السيد الداماد أنه لا يختلف عن القائلين بقدم العالم إلا في كيفية تصوير معنى القدم وإن ذم القائلين بقدم العالم ، ولربما كان يقصد القائلين بقدم العالم المادي دون عالم المجردات والمثال.

والأحاديث التي تبطل قدم العالم كثيرة جدا تصل إلى مائتين حديث كما أشار إلى ذلك العلامة المجلسي في كتاب حق اليقين وهذا ما ترجمته : (ليس لله تعالى في القدم شريك ، وكل ما سوى الله تعالى حادث ، وعلى هذا اتفق جميع أرباب الملل ، وإن كان الحكماء أطلقوا الحدوث والقدم على معان أما الذي اتفق عليه أرباب الملل هو أن ما سوى الله تعالى مبتدأ له أول ، وينتهي وينقطع أزمنة وجودها في الأزل إلى حد ، وليس موجود أزلي غيره تعالى ، فإن ذلك مما أطبق عليه المليون ودلت عليه الآيات المتكاثرة والأحاديث المتواترة الصريحة في ذلك . وقد أوردت في كتاب بحار الأنوار ما يقرب من مئتي حديث في هذا الباب من الخاصة والعامة ، مع ما أقمت من أدلة عقلية وما أجبت به عن شبهات فلسفية . وقد ورد في الأحاديث المعتبرة بأن من اعتقد بقديم غير الله تعالى فهو كافر)([2]).

والخواجة الطوسي ممن انتقد القول بقدم العالم : (الحق أن الباري تعالى ليس بزماني ، والزمان من مبدعاته ؛ والوهم يقيس ما لا يكون في الزمان على ما في الزمان ، كما مر في المكان ، والعقل كما يأبى عن إطلاق التقدم المكاني على الباري كذلك يأبى عن إطلاق التقدم الزماني عليه ، بل ينبغي أن يقال : إن للباري تعالى تقدّما خارجا عن القسمين ، وإن كان كل الموجودات)([3]).

والشيخ الأنصاري يرى القول بقدم العالم شبهة مقابلة البديهي حيث قال في بحث القطع : (كلما حصل القطع من دليل نقلي مثل القطع الحاصل من إجماع جميع الشرائع على حدوث العالم زمانا فلا يجوز أن يحصل القطع على خلافه من دليل عقلي مثل استحالة تخلف الأثر عن المؤثر ولو حصل منه صورة برهان كانت شبهة في مقابلة البديهة)([4]).

الكثير من العلماء على مر العصور قد كفروا المعتقدين بقدم العالم أقتصرُ على نقل ثلة من أقوالهم توخياً للاختصار :

يقول الشيخ الصدوق : (الدليل على أن الله تعالى عالم حي قادر لنفسه لا بعلم وقدرة وحياة هو غيره أنه لو كان عالما بعلم لم يخل علمه من أحد أمرين أما أن يكون قديما أو حادثا ، فإن كان حادثا فهو جل ثناؤه قبل حدوث العلم غير عالم ، وهذا من صفات النقص ، وكل منقوص محدث بما قدمنا ، وإن كان قديما وجب أن يكون غير الله قديما وهذا كفر بالإجماع)([5]).

وسأل السيد المهنا العلامة الحلي قائلاً : ما يقول سيدنا في من يعتقد التوحيد والعدل والنبوة والإمامة لكنه يقول بقدم العالم ، ما يكون حكمه في الدنيا والآخرة . بين لنا ذلك أدام اللَّه سعدك وأهلك ضدك .

فأجاب العلامة الحلي  : من اعتقد قدم العالم فهو كافر بلا خلاف ، لأن الفارق بين المسلم والكافر ذلك ، وحكمه في الآخرة حكم باقي الكفار بالإجماع([6]).

وللمزيد من الاطلاع على انتقادات العلماء لقدم العالم وتكفير القائلين به يراجع كتاب (الأوهام الفلسفية) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) بداية الحكمة،ص148.المرحلة التاسعة/الفصل الثالث.

[2] ) حق اليقين،ص15.

[3] ) تلخيص المحصل المعروف بنقد المحصل،ص252.

[4] ) فرائد الأصول،ج1،ص18.

[5] ) توحيد الصدوق،ص223.

[6] ) أجوبة المسائل المهنائية،ص88.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.