(40) س : لماذا لا يحسن الظن بأقوال الفلاسفة وعرفاء الصوفية ؟
(40) س : لماذا لا يحسن الظن بأقوال الفلاسفة وعرفاء الصوفية أو هل يمكن القول بأن الذين انتقدوهم لم يفهموا مرادهم ؟
ج : إن الفلسفة المشائية والإشراقية (العرفان الصوفي) تحمل في طياتها مخالفات واضحة للضروريات الدينية ، والعلماء عند انتقادهم يرمون إلى بيان تلك المخالفات والتحذير منها ؛ فرميهم بعدم الفهم لم يكن دليلاً عليه (أي لم يكن دليلا على عدم الفهم) إذ من السهل رمي الخصوم بعدم الفهم ، وهو سلاح شهره أصحاب هذه الفلسفات في وجه منتقديهم للتخفيف من شدة وطأتهم وتغرير مؤيديهم بصحة ما عليه ، مع أنه حتى ممن تبنى هذه الفلسفات كان من أشد المنتقدين لبعض مبانيها ـــ مثل الخواجة نصير الدين الطوسي الذي طعن على قاعدة الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد([1]). وقد نفى الخواجة الطوسي والعلامة الحلي الهيولى تحت عنوان : (المسألة السابعة:في نفي الهيولى)([2]) ، وأيضا القاضي سعيد القمي (ت:1107هـ) انتقد جملة من مبانيهم مثل السنخية([3]) ، وشنع على عدهم الإرادة من الصفات الذاتية([4]) ، ونحو ذلك من مبانيهم المخالفة للضروريات ـــ بل لا تجد مطلباً فلسفياً مسلماً لديهم ، ومخالفاتهم الواضحة لضروريات أجلى من التستر علبها برمي الخصوم بعدم الفهم.
ثم إن حسن الظن بأقوال الفلاسفة وعرفاء الصوفية يوجب حمل أقوالهم على خلاف ظاهرها ، يقول الميرزا القمي صاحب القوانين :(لو أرادوا من هذه الكلمات ظواهرها التي نفهمها نحن فهم كفار وملعونون بلا إشكال . ولو كان مرادهم ما لا نفهمه كما يدعي ذلك محبوهم وأتباعهم فهم فساق وفجار حيث أظهروا الكفر وجعلوا أنفسهم مستحقين للمؤاخذة والطعن واللعن من الناس وكذا عقاب الله تعالى وعذابه.وذلك أنه كما يحرم الاعتقاد بالكفر كذلك يحرم التفوه به وأن أحكام الشرع المقدس مبنية على الظاهر فلو لعن أحد هذه الجماعة لما ظهر منهم فليس عليه شيء حتى لو لم يكونوا كفارا في الباطن…بل لو علم إسلامهم في الباطن يحكم بفسقهم لتظاهرهم بهذه الكلمات)([5]).
والشيخ الأنصاري عد كتب الفلاسفة والعرفاء من كتب الضلال ولم يعبأ بما ادعوه بأن المراد من كلماتهم هو خلاف ظاهرها : (كبعض كتب العرفاء والحكماء المشتملة على ظواهر منكرة يدعون أن المراد غير ظاهرها ، فهذه أيضا كتب ضلال على تقدير حقيتها)([6]).
وأيضاً السيد محسن الحكيم يرى حسن الظن في أقوالهم يوجب حملها على خلاف ظاهرها:(حسن الظن بهؤلاء القائلين بالتوحيد الخاص والحمل على الصحة المأمور به شرعا يوجبان حمل هذه الأقوال على خلاف ظاهرها)([7]).
ومما يجدر التنبه إليه هو أنه لم تكن كل مبانيهم التي انتقدهم العلماء عليها ادعوا فيها أنها خلاف الظاهر ، مثل قاعدة الواحد والسنخية وما ذكروه في الإرادة إلى غير ذلك حيث لم يدعوا أنها خلاف الظاهر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) الخواجة الطوسي لم يتبن القاعدة عند كلامه في أدلة الجوهر المجرد قائلاً : (وأدلة وجوده مدخولة كقولهم الواحد لا يصدر عنه أمران ولا سبق لمشروط باللاحق في تأثيره أو وجوده وإلا لما انتفت صلاحية التأثير عنه لأن المؤثر هيهنا مختار). تجريد الاعتقاد،ص185.
ويقول في:(تلخيص المحصل) المعروف بنقد المحصل : (العلة الواحدة يجوز أن يصدر عنها أكثر من معلول واحد عندنا ، خلافا للفلاسفة والمعتزلة). تلخيص المحصل،ص237.
[2] ) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد،ص154.
[3] ) يقول القاضي القمي في جعله السنخية على حد الشرك والكفر بالله عز وجل : (القول بكون المعلول عين العلة بالذات وغيره بالاعتبارات السلبية ، وكذا القول بالجزئية سواء كانت من طرف العلّة أو المعلول ، والقول بالأصلية والفرعية ، والقول بالسنخية أو الترشح أو العروض سواء كان ذلك الأخير من جهة العلة أو المعلول ، والقول بالكمون والبروز وما يضاهي ذلك ، على حد الشرك والكفر). شرح توحيد الصدوق،ج2،ص66.
[4] ) يقول القاضي القمي في حدوث (الإرادة) وعدم كونها من الصفات الذاتية : (إن حدوث الإرادة والمشية من مقررات طريقة أهل البيت بل من ضروريات مذهبهم ــ صلوات اللّه عليهم ــ فالقول بخلاف ذلك فيهما مثل القول بالعينية والزيادة الأزلية وأمثالهما إنما نشأ من القول بالرأي في الأمور الإلهية . وأكثر العقلاء من أهل الإسلام لما لم يفكوا رقبتهم عن ربقة تقليد المتفلسفة بالكلية وأرادوا تطبيق ما ورد عن أهل البيت على هذه الآراء المتزيفة). شرح توحيد الصدوق،ج2،ص507.
[5] ) جوابات المسائل الركنية للميرزا القمي،ص329ـ335.
[6] ) كتاب المكاسب،ج1،ص283.
[7] ) مستمسك العروة الوثقى،ج1،ص391.