س : القاصر عن معرفة الحق يكون مصيره إلى الجنة أم إلى النار ؟

 

س : القاصر عن معرفة الحق يكون مصيره إلى الجنة أم النار ؟

ج : هم مُرجون لأمر الله إن شاء رحمهم وإن شاء عذبهم ، كما ورد في ثلة من النصوص حيث جاء في القرآن الكريم : [إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا][إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا][فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا]([1])

وقوله تعالى : [وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ]([2])

وروي في الأخبار عن حمران قال سألت أبا عبد الله  عن المستضعفين ؟ قال عليه السلام : إنهم ليسوا بالمؤمنين ولا بالكافرين وهم المرجون لأمر الله([3]).

وروي في الكافي عن ضريس الكناسي أنه قال للإمام الباقر عليه السلام : أصلحك الله فما حال الموحدين المقرين بنبوة محمد صلى الله عليه وآله من المسلمين المذنبين الذين يموتون وليس لهم إمام ولا يعرفون ولايتكم ؟ فقال : أما هؤلاء فإنهم في حفرتهم لا يخرجون منها فمن كان منهم له عمل صالح ولم يظهر منه عداوة فإنه يخد له خد إلى الجنة التي خلقها الله في المغرب فيدخل عليه منها الروح في حفرته إلى يوم القيامة فيلقى الله فيحاسبه بحسناته وسيئاته فإما إلى الجنة وإما إلى النار فهؤلاء موقوفون لأمر الله ، قال : وكذلك يفعل الله بالمستضعفين والبله والأطفال وأولاد المسلمين الذين لم يبلغوا الحلم فأما النصاب من أهل القبلة فإنهم يخد لهم خد إلى النار التي خلقها الله في المشرق فيدخل عليهم منها اللهب والشرر والدخان وفورة الحميم إلى يوم القيامة ، ثم مصيرهم إلى الحميم ثم في النار يسجرون ثم قيل لهم : أينما كنتم تدعون من دون الله؟ أين إمامكم الذي اتخذتموه دون الإمام الذي جعله الله للناس إماماً([4]).

 وعن أبي الصباح عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في المستضعفين الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا : لا يستطيعون حيلة فيدخلوا في الكفر ولم يهتدوا فيدخلوا في الإيمان فليس هم من الكفر والإيمان في شيء([5]).

وعن زرارة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أتزوج بمرجئة أو حرورية([6]) ؟ قال : لا ، عليك بالبله من النساء ، قال زرارة : فقلت : والله ما هي إلا مؤمنة أو كافرة فقال أبو عبد الله عليه السلام : وأين أهل ثنوى([7]) الله عز وجل قول الله عز وجل أصدق من قولك:[إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا] ([8]).

ومما يدل على عدم تكليف القاصر قوله تعالى : [لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا]([9]) فالحكمة الإلهية لا تكلف الإنسان بغير المقدور والقاصر ليس بمقدوره ووسعه إصابة الحق.

وقد يُقال أن بعض الأحاديث تدل على عذاب الشاك والجاحد والكافر فكيف يمكن صرف العذاب عن القاصر ؟!

والجواب : إن هذه الأخبار لا شأن لها بالقاصر وإنما ناظرة للمقصر الذي كان بمقدوره معرفة الحق ولكنه أعرض وأصر على ما هو عليه . والنتيجة أن الأحاديث التي تدل على العذاب ناظرة للمقصر والتي ترجئ أمره إلى الله عز وجل كالأحاديث المتقدمة ناظرة للقاصر.

وأكتفي بنقل كلمات العلماء في هذا المجال بما ذكره الشيخ الأنصاري إذ فيه البغية والمزيد حيث يقول : (قد يقال فيه بعدم وجود العاجز، نظرا إلى العمومات الدالة على حصر الناس في المؤمن والكافر ، مع ما دل على خلود الكافرين بأجمعهم في النار ، بضميمة حكم العقل بقبح عقاب الجاهل القاصر ، فيكشف ذلك عن تقصير كل غير مؤمن ، وأن من تراه قاصرا عاجزا عن العلم قد تمكن من تحصيل العلم بالحق ولو في زمان ما وإن صار عاجزا قبل ذلك أو بعده ، والعقل لا يُقبح عقاب مثل هذا الشخص ولهذا ادعى غير واحد في مسألة التخطئة والتصويب الإجماع على أن المخطئ في العقائد غير معذور.لكن الذي يقتضيه الإنصاف : شهادة الوجدان بقصور بعض المكلفين.وقد تقدم عن الكليني رحمه الله ما يشير إلى ذلك، وسيجيء من الشيخ قدس سره في العدة من كون العاجز عن التحصيل بمنزلة البهائم . هذا مع ورود الأخبار المستفيضة بثبوت الواسطة بين المؤمن والكافر.وقضيه مناظرة زرارة([10]) وغيره مع الإمام عليه السلام في ذلك مذكورة في الكافي)([11]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

[1] ) سورة النساء : 97 ــ 100 .

[2] ) سورة التوبة : 106 .

[3] ) معاني الأخبار،باب:معنى المستضعف،ص202.

[4] ) الكافي،ج3،ص246.

[5] ) معاني الأخبار،باب:معنى المستضعف،ص203.

[6] ) ذَكَرَ الطريحي في مجمع البحرين : (اُختلف في المرجئة فقيل : هم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله تعالى أرجأ تعذيبهم عن المعاصي،أي أخره عنهم . وعن ابن قتيبة أنه قال:هم الذين يقولون الإيمان قولا بلا عمل،لأنهم يقدمون القول ويؤخرون العمل . وقال بعض أهل المعرفة بالملل:إن المرجئة هم الفرقة الجبرية الذين يقولون:إن العبد لا فعل له،وإضافة الفعل إليه بمنزلة إضافته إلى المجازات،كجرى النهر ودارت الرحى،وإنما سميت المجبرة مرجئة لأنهم يؤخرون أمر الله ويرتكبون الكبائر.وفي المغرب ـ نقلا عنه ـ:سموا بذلك لإرجائهم حكم أهل الكبائر إلى يوم القيامة).مجمع البحرين،ج1،ص177.

وذكر الطريحي أيضاً : (حروري يقصر ويمد اسم قرية بقرب الكوفة نسب إليها الحرورية بفتح الحاء وضمها وهم الخوارج ، كان أول مجتمعهم فيها تعمقوا في الدين حتى مرقوا منه فهم المارقون) . مجمع البحرين،ج3،ص265.

[7] ) أي استثناء : [إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ].

[8] ) سورة النساء : 98 . الكافي،ج5،ص348.

[9] ) سورة البقرة : 286 .

[10] ) الخبر المتقدم عن زرارة (رضوان الله عليه) .

[11] ) فرائد الأصول،ص285.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.