س : هل صفة الكلام من الصفات الذاتية أم الفعلية؟

 

س : هل صفة الكلام من الصفات الذاتية أم الفعلية؟

ج : إن في حديث أهل البيت عليهم السلام (الكلام) من الصفات الفعلية ؛ سأل أبو بصير الإمام الصادق عليه السلام : فلم يزل الله متحركا ؟ قال عليه السلام : تعالى الله (عن ذلك) إن الحركة صفة محدثة بالفعل ، قال : قلت : فلم يزل الله متكلما ؟ قال : فقال : إن الكلام صفة محدثة ليست بأزلية كان الله عز وجل ولا متكلم([1]).

وعن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد يقول : لم يزل الله (جل اسمه) عالما بذاته ولا معلوم ، ولم يزل قادرا بذاته ولا مقدور . قلت له : جعلت فداك، فلم يزل متكلما ؟ فقال : الكلام محدث ، كان الله عز وجل وليس بمتكلم ، ثم أحدث الكلام([2]).

وعن الإمام الرضا عليه السلام : (كلام الخالق لمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق. ولا يلفظ بشق فم ولسان ، ولكن يقول له : (كن) فكان بمشيته ، ما خاطب به موسى عليه السلام من الأمر والنهي من غير تردد في نفس)([3]).

وعقب السيد عبد الأعلى السبزواري على الخبر قائلاً : (من هذا الحديث وأمثاله يظهر أن الكلام من صفات الفعل لا أن يكون من صفات الذات)([4]).

والقاضي سعيد القمي عد الكلام من صفات الأفعال حيث يقول : (الكلام) من صفات الأفعال ولا يوصف اللّه سبحانه بمقابله…إن صفات الذات ما يصح أن يقال لم يزل كذلك ، وصفات الفعل ما ليس بتلك المثابة ، فإنها تحدث بحدوث الفعل([5]).

 وممن عد الكلام من صفات الأفعال المازندراني (ت:1081هـ) صاحب شرح أصول الكافي :  (فلا يمكن أن يكون من صفات الذات لأن صفات الذات عين الذات وخالفت الأشاعرة فجعلوا الكلام من الصفات القديمة كالعلم والقدرة وبيان بطلانه وأنه غير معقول مبسوط في الكتب الكلامية)([6]).

والسيد الخوئي بعد أن ذكر المائز بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية صنف الكلام من الصفات الفعلية : (الفارق بين صفات الله الذاتية وصفاته الفعلية أن صفات الله الذاتية هي التي يستحيل أن يتصف سبحانه بنقيضها أبدا. إذا فهي التي لا يصح سلبها عنه في حال. ومثال ذلك : العلم والقدرة والحياة، فالله تبارك وتقدس لم يزل ولا يزال عالما قادرا حيا، ويستحيل أن لا يكون كذلك في حال من الأحوال. وأن صفاته الفعلية هي التي يمكن أن يتصف بها في حال وبنقيضها في حال آخر. ومثال ذلك : الخلق والرزق ، فيقال : إن الله خلق كذا ولم يخلق كذا ، ورزق فلانا ولدا ولم يرزقه مالا. وبهذا يظهر جليا أن التكلم إنما هو من الصفات الفعلية فإنه يقال: كلم الله موسى ولم يكلم فرعون، ويقال : كلم الله موسى في جبل طور ولم يكلمه في بحر النيل)([7]). ويقول السيد محمد صادق الروحاني : (إن صفة الكلام من الصفات الفعلية ؛ لانطباق ضابطة الصفة الفعلية عليها أيضا، فيقال : كلم الله تعالى نبيه موسى عليه السلام  ،ولم يكلم فرعون عليه اللعنة، وقد أكدّت ذلك النصوص الشريفة ، حيث ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : (إن الكلام صفة محدثة ليست بأزلية كان الله U ولا متكلم)([8]).

وعد مشهور الفلاسفة والصوفية (الكلام) من الصفات الذاتية يقول ابن عربي : (مذهب أهل الحق : أن للّه كلاما قديما قائما بذاته ، واحدا في حقيقته ، مخالفا لصفة علمه وإرادته)([9]).

وملا صدرا أرجع صفة (الكلام) إلى الصفات الذاتية حيث يقول : (اعلم أن التكلم مصدر صفة نفسية مؤثرة لأنه مشتق من الكلم‌)([10]).

وشرح كلامه ورده المعلق على أسفاره قائلا : (المراد بكونه مصدر صفة كذا كونه منشأ ومحتدا لها كما سنشير إليه وقوله لأنه مشتق من الكلم وهو الجرح استدلال على كون معنى التأثير مأخوذا فيه وهو استدلال أدبي لا يعبأ به في الأبحاث البرهانية وفي قوله صفة نفسية مؤثرة إشارة إلى إرجاع معنى الكلام وهو بظاهره صفة فعلية متأخرة عن الذات إلى الصفة الذاتية التي هي عين الذات وذلك بتفسير التكلم بكون الذات بحيث يؤثر في الغير بإعلامه ما في ضميره فيرجع بالحقيقة إلى الحيثية الذاتية التي هي القدرة وهي عين الذات.لكن فيه أن ذلك مما لا يختص بصفة التكلم وحدها بل يجري في جميع الصفات الفعلية كالخلق والإبداع والإحياء و الرزق والرحمة والمغفرة وغيرها فإن الفعل بما أنه فعل لما كان صدوره عن خصوصية خاصة في ذات الفاعل وبين الفعل وتلك الخصوصية حمل الحقيقة والرقيقة كان من الجائز أن يحمل الصفة المأخوذة من الفعل على الفاعل بما في ذاته من الخصوصية غير الخارجة من ذاته فتكون الصفة غير خارجة عن الذات كالخالق والرازق الحاكيين عن كون الذات بحيث يصدر عنه الخلق والرزق وأن تحمل على الفاعل بما له من الفعل فتكون منتزعة عن الفاعل في مقام الفعل زائدة على ذاته.فالحق قصر الصفات الذاتية الثبوتية في الحياة والقدرة والعلم وإليه يرجع السمع والبصر وعد سائر الصفات صفات فعلية ثم بيان رجوعها جميعا إلى الصفات الذاتية بإرجاع معانيها إلى حيثية الصدور)([11]).

وأشار السيد الطباطبائي إلى أن مشهور الفلاسفة عدوا الإرادة والكلام من الصفات الذاتية إذ يقول : (الإرادة والكلام عدوهما في المشهور ــ أي مشهور الفلاسفة ــ من الصفات الذاتية للواجب تعالى)([12]).

وقد أقر السيد الطباطبائي أن (الكلام) من صفات الفعل حيث يقول : (وأما الكلام فلم يرد منه في الكتاب الكريم إلا ما كان صفة للفعل)([13]).

وفي تفسير الميزان ذهب إلى أن من (الكلام) ما يرجع للذات ومنه للفعل : (فقد تحصل بهذا البيان أن من الكلام ما هو صفة وهو الذات من حيث دلالته على الذات ، ومنه ما هو صفة الفعل ، وهو الخلق والإيجاد من حيث دلالة الموجود على ما عند موجده من الكمال([14]).

وعد عمر النسفي (ت:537هـ) في كتاب العقائد (الكلام) من الصفات الذاتية وأقره شارح كلامه التفتازاني (ت:792هـ) قائلا : (والدليل على ثبوت صفة الكلام : إجماع الأمة وتواتر النقل عن الأنبياء عليهم السلام أنه تعالى متكلم ، مع القطع باستحالة التكلم من غير ثبوت صفة الكلام . فثبت : أن لله تعالى صفات ثمانية : هي : العلم والقدرة ، والحياة ، والسمع ، والبصر ، والإرادة ، والتكوين ، والكلام . ولما كان في الثلاثة الأخيرة زيادة نزاع وخفاء ، كرر الإشارة إلى إثباتها وقدمها)([15]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) أصول الكافي،ج1،ص107.

[2] ) أمالي الطوسي،ص168.

[3] ) الاحتجاج،ج٢،ص185.

[4] ) مواهب الرحمن في تفسير القرآن،ج4،ص194.

[5] ) شرح توحيد الصدوق،ج2،ص465.

[6] ) شرح أصول الكافي،ج3،ص236.

[7] ) البيان في تفسير القرآن،ص406.

[8] ) أجوبة المسائل،ج١،ص20.

[9] ) مجموعة رسائل ابن عربي،ج2،ص442.

[10] ) الحكمة المتعالية،ج3،ص2.

[11] ) الحكمة المتعالية،ج3،ص2.

[12] ) نهاية الحكمة،ص371.

[13] ) نهاية الحكمة،ص373.

[14] ) الميزان،ج2،ص326.

[15] ) شرح العقائد النسفية،ص٤٢.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.