(57) س : كيف يكون ملا صدرا من الصوفية وهو ينتقد الصوفية ؟
(57) س : كيف يكون ملا صدرا من الصوفية وهو ينتقد الصوفية ؟
ج : إن ملا صدرا لم ينتقد التصوف كرؤية ومنهج ، ولم يتعرض لرموز الصوفية بقدح وذم ، وإنما كانت لديه مناقشات لبعض الآراء فيه ، وذم لعوام الصوفية من الجهلة على حد قوله :(ولا تشتغل بترهات عوام الصوفية من الجهلة)([1]).
ولا يخرجه انتقاده لبعض الآراء فيه ولعوام الصوفية من التصوف .بل إن الملا أثنى على التصوف ورموزه بما لا يتردد في تصوفه ، ويدل على غلوه وإفراطه في هذا لمسلك ، مثل ثنائه على أبي يزيد البسطامي والحلاج : (لولا أن ثبته اللّه بالقول الثابت مثل ما قال أبو يزيد والحلاج وغيرهما من أصحاب التجريد، وسكارى شراب المحبة والتوحيد ، حيث كانوا أقمار سماء التفريد ، ومرائي شمس الحقيقة والتمجيد ، فلما ضائت أراضي قلوبهم وصفحات وجوههم بنور الرب باحوا بالسر الخفي)([2]).
وكان يجل ابن عربي ومعتقداته إلى حد التقديس ومنحازا إليه بما يفوق التطرف ، ويعدُّ كلامه على أنه من النصوص الدينية القطعية التي لا يمكن مخالفتها حتى في نقله للموضوعات ، وجعلها على أنها من الأحاديث المسلَّمة القطع والصدور ! يقول الشيخ المظفر عن تأثر الملا في كلمات ابن عربي : (تكون عنده من نحو النصوص الدينية والأحاديث القدسية كما يرى هو ذلك في كلمات ابن عربي)([3]).
وحتى من كان مشتغلاً في العرفان الصوفي من الوسط الشيعي كان يعدُّ ملا صدرا مجردُ ناقلٍ وشارحٍ لكلام ابن عربي وخذ على سبيل المثال ما ذكره الشيخ حسن زاده آملي : (إن جميع المباحث الرفيعة والعرشية للأسفار منقولة من الفصوص والفتوحات وبقية الصحف القيمة والكريمة للشيخ الأكبر ابن عربي وتلامذته بلا واسطة أو مع الواسطة … ثم يقول : إذا ما اعتبرنا كتاب الأسفار الكبير مدخلا أو شرحا للفصوص والفتوحات فقد نطقنا بالصواب)([4]).
ويقول أيضا زاده آملي : (إن صدر المتألهين نفسه يذكر في مواضع عديدة اسم ذلك العظيم بإجلال كما يذكر صحفه العلمية وهو يفعل ذلك بخشوع وتواضع لا يضارع بذكر أحد من أكابر العلماء ومشايخ أهل التحقيق وأعاظم أهل الكشف والشهود ولا يثني على أحد كما يثني عليه لأنه يعرف أفضل من أي شخص آخر أن أساس حكمته المتعالية الفتوحات والفصوص وما أسفاره العظيمة إلا شرح تحقيقي لهما)([5]).
ولا أخالك تحسب أن ابن عربي لم يكن من الصوفية !
وكان الملا ناقماً على كل من اشتغل في العلوم فيما عدا من كان لهم رسوخ في التصوف، وهذه من الملاحظات التي سجلها الشيخ المظفر عليه : (من الأمور التي سجلت على فيلسوفنا تحامله على الفقهاء وتوهينه لهم بل على كل من اشتغل في العلوم عدا من لهم رسوخ في الحكمة العرفانية)([6]).
وإن كنت متردداً في تصوفه يمكنك الاعتماد على شهادة الشيخ المظفر في حقه : (أشرب المذهب الصوفي الفلسفي العرفاني الذي كان هو السائد في ذلك العصر)([7]).
إن هذا التوضيح في مسلك الملا لمن لم يكن لديه اطلاع على التصوف ، واشتبه لديه حال الملا صدرا ، وإلا من كان لديه اطلاع ولو بسيط على التصوف ورموزه ومصنفات صدرا يكون لديه تصوف الملا الشيرازي من الأوليات التي لا يشوبها شك وتردد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) الحكمة المتعالية،ج2،ص12.
[2] ) تفسير القرآن الكريم،ج5،ص116.
[3] ) المقدمة الكاملة للأسفار،ص24.
[4] ) التوحيد لكمال الحيدري,ج1،ص229.
[5] ) التوحيد لكمال الحيدري,ج1،ص229.
[6] ) المقدمة الكاملة للأسفار،ص41.
[7] ) المقدمة الكاملة للأسفار،ص11.