النهضة الحسينية عبرة وعبرة
جواهر الخطابة (21)
النهضة الحسينية عِبرة وعبَرة
إن الصورة المتكاملة للنهضة الحسينية المباركة تستند إلى محورين أساسيين محور الفكر والعاطفة ، أو قل العِبرة والعَبرة ، والمنبر الحسيني رؤيته ومسيرته وفق هذين المحورين . وأما الاتجاه بالمنبر نحو القضايا الفكرية وإقصاء جانب العاطفة ــ الذي حث عليه وأسس له أئمة الهدى عليهم السلام في أخبار كثيرة ــ يعتم على ركن وثيق له دور جسيم في التأصيل للنهضة المباركة ونشر أهدافها غضة طرية ؛ فهي : (عبِرة وعبَرة) لا كما يتوهم بعضهم ويقول بقصد لغرض سيء أو بغير قصد : (الحسين عبِرة لا عبَرة) حيث يريدون سلب العاطفة من مضمار واقعة الطف الأليمة .
وقد كان جانب العَبرة والعاطفة إعلام صادع وصوت ناطق على مر العصور ، إذ إن الفكر من غير عاطفة فكر جامد ليس فيه روح ولم تكن له قابلية التجدد والاستمرار ، وما يكاد يلبث إلا أن يموت ويزول ؛ فلا يمكن للفكر مهما بلغت أهميته أن يحل بديلاً عن العاطفة لِما لها من دور خاص في البناء الروحي وتجسيد الولاء عملياً لأهل البيت عليهم السلام ، ولِما لها من دور فعال في المحافظة على نفس الفكر وإيصاله للأمة . ولذا كان الأئمة يؤكدون على البكاء وشد الناس عاطفياً نحو النهضة الحسينية . وهذا من بعد نظرهم وحكمتهم في إدارة الأحداث التي كل الكثيرون عن الإحاطة بكنه مغزاها.
والخطيب الواعي هو الذي يجمع ما بين ترسيخ مبادئ تلك النهضة العظيمة في نفوس الناس ، ويبلغ أثره في تهييج عواطفهم من خلال استعراض الواقعة وما يكتنفها من أحداث أليمة بشكل صحيح معتمداً على المصادر متجنباً ما لا أصل له ، ولا أعني بذلك اقتصاره في النقل على صحيح السند ، وإنما أقصد أن لا ينقل ما لا وجود له في المصادر ، ولا يخفى وجود صنف من هذا القبيل حيث ينقل ما لا وجود له في أي مصدر من مصادر المسلمين.